الباب الثمانون في قيس بن عاصم إليه صلى الله عليه وسلم وفود
غالب بن أبجر [المزني] قال : ذكرت قيس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «رحم الله قيسا » . قيل : يا رسول الله أنترحم على قيس قال : «نعم إنه كان على دين أبينا إسماعيل بن إبراهيم خليل الله ، إن قيسا فرسان الله تعالى في الأرض ، والذي نفسي بيده ليأتين على الناس زمان ليس لهذا الدين ناصر غير قيس ، إن قيسا خير الله تعالى في الأرض» . يعني أسد الله . رواه عن برجال ثقات الطبراني . والبزار
وروى بسند جيد الطبراني قيس بن عاصم رضي الله تعالى عنه قال : قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآني قال : «هذا سيد أهل الوبر» . فلما نزلت أتيته فجعلت أحدثه ، فقلت :
يا رسول الله ، ما المال الذي ليست علي فيه تبعة من ضيف ضافني أو عيال كثروا علي ؟ قال : «نعم المال الأربعون ، والأكثر الستون ، وويل لأصحاب المئين إلا من أعطى من رسلها ونجدتها ، وأطرق فحلها ، وأفقر ظهرها [ومنح غزيرتها] ونحر سمينها وأطعم القانع والمعتر» .
قال : يا رسول الله ، ما أكرم هذه وأحسنها ، إنه لا يحل بالوادي الذي أنا فيه لكثرة إبلي . فقال :
«فكيف تصنع بالطروقة ؟ » قال : قلت تغدو الإبل ويغدو الناس ، فمن شاء أخذ برأس بعير فذهب به . قال : «فكيف تصنع في الإفقار ؟ قلت : إني لأفقر الناب المدبرة والضرع الصغير . قال : «فكيف تصنع في المنيحة ؟ » قلت : إني لأمنح في كل سنة مائة . قال : «فمالك أحب إليك أم مال مواليك ؟ » قلت : لا ، بل مالي . قال : «إنما لك من مالك ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو أعطيت فأمضيت وسائره لمواليك» . فقلت : والله لئن بقيت لأقلن عددها .
قال رحمه الله تعالى : فعل والله ، فلما حضرت الحسن البصري قيسا الوفاة جمع بنيه فقال : يا بني خذوا عني فإنكم لن تأخذوا من أحد هو أنصح لكم مني . إذا أنا مت فسودوا أكابركم ولا تسودوا أصاغركم فتسفهكم الناس وتهونوا عليهم وعليكم بإصلاح المال فإنه سعة للكريم ويستغنى به عن اللئيم ، وإياكم والمسألة فإنها آخر كسب المرء ، وإذا أنا مت فلا تنوحوا علي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينح عليه وقد سمعته ينهى عن النياحة ، وكفنوني في ثيابي التي كنت أصلي فيها وأصوم وإذا دفنتموني فلا تدفنوني في موضع يطلع عليه أحد ، فإنه قد كان بيني وبين بني بكر بن وائل حماسات في الجاهلية فأخاف أن ينبشوني فيصيبون في ذلك ما [ ص: 400 ] يذهب فيه دينكم ودنياكم . قال الحسن رحمه الله تعالى : نصح لهم في الحياة ونصح لهم في الممات . عن
تنبيه : في بيان غريب ما سبق .
الوبر : بواو فموحدة مفتوحتين فراء : شعر الإبل ، وأهل الوبر أهل البوادي لأن بيوتهم يتخذونها منه .
رسلها : براء مكسورة فسين مهملة ساكنة فلام : اللبن : والهينة والرفق .
نجدتها ورسلها : بنون فجيم فدال مهملة ففوقية أي الشدة والرخاء ، يقول : يعطي وهي سمان حسان يشتد عليه إخراجها فتلك نجدتها ، ويعطي في رسلها وهي مهازيل مقاربة ، قاله في النهاية . والأحسن أن يكون المراد بالنجدة : الشدة والجدب ، وبالرسل الرخاء والخصب ، لأن الرسل اللبن وإنما يكثر في حال الرخاء والخصب فيكون المعنى أنه يخرج حق الله تعالى في حال الضيق والسعة ، والجدب والخصب .
أفقر ظهرها : بهمزة مفتوحة ففاء ساكنة فقاف فراء .
القانع : بقاف ثم نون : هو السائل .
المعتر : بضم الميم وسكون العين المهملة وفتح الفوقية : الذي يعتريك أي يلم بك لتعطيه ولا يسأل .
الدبرة : بفتح الدال المهملة والموحدة وتسكن فراء مفتوحة فتاء تأنيث : الدولة والظفر والعزيمة ويقال على من الدبرة أي الهزيمة .
سودوا : بسين مهملة فواو مكسورة مشددة فدال مهملة أي اجعلوه سيدا .
حماسات : بحاء مهملة مفتوحة فميم فألف فسين مهملة فتاء حماسة وهي الشدة والشجاعة . [ ص: 401 ]