كتاب المحبة والشوق والأنس والرضا .
وهو الكتاب السادس من ربع المنجيات من كتب إحياء علوم الدين .
بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله الذي نزه أولياءه عن الالتفات إلى زخرف الدنيا ونضرته وصفى أسرارهم من ملاحظة غير حضرته ثم استخلصها للعكوف على بساط عزته ثم تجلى لهم بأسمائه وصفاته، حتى أشرقت بأنوار معرفته ثم كشف لهم عن سبحات وجهه حتى احترقت بنار محبته ثم احتجب عنها بكنه جلاله حتى تاهت في بيداء كبريائه وعظمته فكلما اهتزت لملاحظة كنه الجلال غشيها من الدهش ما اغبر في وجه العقل وبصيرته، وكلما همت بالانصراف آيسة نوديت من سرادقات الجمال صبرا أيها الآيس عن نيل الحق بجهله وعجلته فبقيت بين الرد والقبول والصد والوصول غرقى في بحر معرفته ومحترقة بنار محبته، والصلاة على محمد خاتم الأنبياء بكمال نبوته وعلى آله وأصحابه سادة الخلق وأئمته وقادة الحق وأزمته وسلم كثيرا .
أما بعد: فإن فما بعد إدراك المحبة مقام إلا وهو ثمرة من ثمارها وتابع من توابعها كالشوق والأنس والرضا وأخواتها ولا قبل المحبة مقام إلا وهو مقدمة من مقدماتها كالتوبة والصبر والزهد وغيرها وسائر المقامات إن عز وجودها فلم تخل القلوب عن الإيمان بإمكانها، وأما محبة الله تعالى فقد عز الإيمان بها حتى أنكر بعض العلماء إمكانها، وقال لا معنى لها إلا المواظبة على طاعة الله تعالى وأما حقيقة المحبة فمحال إلا مع الجنس والمثال ، ولما أنكروا المحبة أنكروا الأنس والشوق ولذة المناجاة وسائر لوازم الحب وتوابعه ولا بد من كشف الغطاء عن هذا الأمر . المحبة لله هي الغاية القصوى من المقامات والذروة العليا من الدرجات
ونحن نذكر في هذا الكتاب بيان شواهد الشرع في المحبة ثم بيان حقيقتها وأسبابها، ثم بيان أن لا مستحق للمحبة إلا الله تعالى ثم بيان أن أعظم اللذات لذة النظر إلى وجه الله تعالى ، ثم بيان سبب زيادة لذة النظر في الآخرة على المعرفة في الدنيا ، ثم بيان الأسباب المقوية لحب الله تعالى ثم بيان السبب في تفاوت الناس في الحب ، ثم بيان السبب في قصور الأفهام عن معرفة الله تعالى ، ثم بيان معنى الشوق ثم بيان محبة الله تعالى للعبد ثم القول في علامات محبة العبد لله تعالى ، ثم بيان معنى الأنس بالله تعالى ، ثم بيان معنى الانبساط في الأنس ، ثم القول في معنى الرضا ، وبيان فضيلته ، ثم بيان حقيقته ، ثم بيان أن الدعاء وكراهة المعاصي لا تناقضه وكذا الفرار من المعاصي ، ثم بيان حكايات وكلمات للمحبين متفرقة فهذه جميع بيانات هذا الكتاب .