كنظر إلى غير محرم وقعود في مسجد مع الجنابة ومس مصحف بغير وضوء واعتقاد بدعة وشرب خمر ، وسماع ملاه وغيره ، ذلك مما لا يتعلق بمظالم العباد فالتوبة عنها بالندم ، والتحسر عليها وبأن يحسب مقدارها من حيث الكبر ، ومن حيث المدة ، ويطلب لكل معصية منها حسنة تناسبها ، فيأتي من الحسنات بمقدار تلك السيئات أخذا من قوله صلى الله عليه وسلم « اتق الله حيث كنت ، وأتبع السيئة تمحها بل من قوله تعالى : إن الحسنات يذهبن السيئات فيكفر سماع الملاهي بسماع القرآن وبمجالس الذكر ويكفر القعود في المسجد جنبا بالاعتكاف فيه مع الاشتغال بالعبادة ويكفر مس المصحف محدثا بإكرام المصحف وكثرة قراءة القرآن منه ، وكثرة تقبيله بأن يكتب مصحفا ويجعله وقفا ويكفر شرب الخمر بالتصدق بشراب حلال هو أطيب منه وأحب إليه وعد جميع المعاصي غير ممكن ، وإنما المقصود سلوك الطريق المضادة ; فإن المرض يعالج بضده فكل ظلمة ارتفعت إلى القلب بمعصية فلا يمحوها إلا نور يرتفع إليها بحسنة ، تضادها ، والمتضادات هي المتناسبات ; فلذلك ينبغي أن تمحى كل سيئة بحسنة من جنسها ، لكن تضادها ; فإن البياض يزال بالسواد لا بالحرارة والبرودة وهذا التدريج والتحقيق من التلطف في طريق المحو ، فالرجاء فيه أصدق ، والثقة به أكثر من أن يواظب على نوع واحد من العبادات ، وإن كان ذلك أيضا مؤثرا في المحو فهذا حكم ما بينه وبين الله تعالى ، ويدل على أن الشيء يكفر بضده أن حب الدنيا رأس كل خطيئة وأثر اتباع الدنيا في القلب السرور بها والحنين إليها ، فلا جرم كان كل أذى يصيب المسلم ينبو بسببه قلبه عن الدنيا يكون كفارة له إذ القلب يتجافى بالهموم والغموم عن دار الهموم قال صلى الله عليه وسلم :وفي حديث « من الذنوب ذنوب لا يكفرها إلا الهموم ، وفي لفظ آخر : إلا الهم بطلب المعيشة رضي الله عنها : عائشة ويقال : إن الهم الذي يدخل على القلب ، والعبد لا يعرف هو ظلمة الذنوب ، والهم بها وشعور القلب بوقفه الحساب ، وهول المطلع . إذا كثرت ذنوب العبد ، ولم تكن له أعمال تكفرها أدخل الله تعالى عليه الهموم فتكون كفارة لذنوبه
فإن قلت : هم الإنسان غالبا بما له وولده وجاهه ، وهو خطيئة فكيف يكون كفارة ، فاعلم أن الحب له خطيئة ، والحرمان عنه كفارة ، ولو تمتع به لتمت الخطيئة ، فقد روي أن جبريل عليه السلام دخل على يوسف عليه السلام في السجن فقال له كيف تركت الشيخ الكئيب فقال : قد حزن عليك حزن مائة ثكلى قال فما له عند الله قال : أجر مائة شهيد فإذن فهذا حكم ما بينه وبين الله تعالى . الهموم أيضا مكفرات حقوق الله