وأما ففيها أيضا معصية وجناية على حق الله تعالى ; فإن الله تعالى نهى عن ظلم العباد أيضا فما يتعلق منه بحق الله تعالى تداركه بالندم والتحسر ، وترك مثله في المستقبل والإتيان بالحسنات التي هي أضدادها فيقابل إيذاءه الناس بالإحسان إليهم ، ويكفر غصب أموالهم بالتصدق بملكه الحلال ، ويكفر تناول أعراضهم بالغيبة والقدح فيهم بالثناء على أهل الدين وإظهار ما يعرف من خصال الخير من أقرانه وأمثاله ويكفر قتل النفوس بإعتاق الرقاب ; لأن تلك إحياء ; إذ العبد مفقود لنفسه موجود لسيده والإعتاق ، إيجاد لا يقدر الإنسان على أكثر منه فيقابل الإعدام بالإيجاد وبهذا تعرف أن ما ذكرناه من سلوك طريق مظالم العباد حيث كفر القتل بإعتاق رقبة ثم إذا فعل ذلك كله لم ، يكفه ما لم يخرج عن مظالم العباد ، ومظالم العباد إما في النفوس أو الأموال أو الأعراض أو القلوب ، أعني به الإيذاء المحض . المضادة في التكفير والمحو مشهود له في الشرع ،
أما النفوس فإن جرى عليه قتل خطأ فتوبته بتسليم الدية ووصولها إلى المستحق إما منه أو ، من عاقلته ، وهو في عهدة ذلك قبل الوصول وإن كان عمدا موجبا للقصاص فبالقصاص فإن لم يعرف فيجب عليه أن يتعرف عند ولي الدم ويحكمه في روحه ، فإن شاء عفا عنه ، وإن شاء قتله ، ولا تسقط عهدته إلا بهذا ، ولا يجوز له الإخفاء وليس هذا كما لو زنى أو شرب أو سرق أو قطع الطريق أو باشر ما يجب عليه فيه حد الله تعالى ; فإنه لا يلزمه في التوبة أن يفضح نفسه ويهتك ستره ، ويلتمس من الوالي استيفاء حق الله تعالى بل عليه أن بستر الله تعالى ، ويقيم حد الله على نفسه بأنواع المجاهدة والتعذيب فالعفو ، في محض حقوق الله تعالى قريب من التائبين النادمين فإن أمر هذه إلى الوالي حتى أقام عليه الحد وقع موقعه ، وتكون توبته صحيحة مقبولة عند الله تعالى بدليل ما روي أن ماعز بن مالك أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، إني قد ظلمت نفسي وزنيت وإني ، أريد أن تطهرني فرده ، فلما كان من الغد أتاه ، فقال : يا رسول الله ، إني قد زنيت فرده الثانية ، فلما كان في الثالثة أمر به فحفر له حفرة ، ثم أمر به .
فرجم ، فكان الناس فيه فريقين ; فقائل يقول : لقد هلك وأحاطت ، به خطيئته ، وقائل يقول : ما توبة أصدق من توبته ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقد تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتهم وجاءت الغامدية فقالت : يا رسول الله ، إني قد زنيت فطهرني فردها ، فلما كان من الغد ، قالت : يا رسول الله ، لم تردني لعلك تريد أن ترددني كما رددت ماعزا فوالله ، إني لحبلى فقال صلى الله عليه وسلم : أما الآن فاذهبي حتى تضعي ، فلما ولدت أتت بالصبي في خرقة ، فقالت : هذا قد ولدته قال : اذهبي ، فأرضعيه حتى تفطميه ، فلما فطمته أتت بالصبي ، وفي يده كسرة خبز فقالت يا نبي : الله قد فطمته ، وقد أكل الطعام ، فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين ، ثم أمر بها فحفر لها إلى صدرها ، وأمر الناس فرجموها فأقبل خالد بن الوليد بحجر فرمى رأسها فتنضح الدم على وجهه فسبها ، فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبه إياها ، فقال : مهلا يا خالد فوالذي ، نفسي بيده ، لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له ، ثم أمر بها فصلى عليها ودفنت .