(الفصل الثالث: في قرأ في صباه طرفا من الفقه ببلده على بيان مبدأ طلبه للعلم) أحمد بن محمد الراذكاني، ثم سافر إلى جرجان إلى الإمام أبي نصر الإسماعيلي، وعلق عنه التعليقة .
ثم رجع إلى طوس، قال الإمام أسعد الميهني فسمعته يقول: قطعت علينا الطريق، وأخذ العيارون جميع ما معي ومضوا، فتبعتهم، فالتفت إلي مقدمهم، وقال: ارجع وإلا هلكت، فقلت له: أسألك بالذي ترجو السلامة منه أن ترد علي تعليقتي فقط، فما هي بشيء تنتفعون به، فقال لي: وما هي تعليقتك؟ فقلت: كتب في تلك المخلاة هاجرت لسماعها وكتابتها ومعرفة علمها، فضحك، وقال: كيف تدعي أنك عرفت علمها، وقد أخذناها منك فتجردت من معرفتها، وبقيت بلا علم؟ ثم أمر بعض أصحابه، فسلم إلي المخلاة .
فقال هذا مستنطق، أنطقه الله يرشدني به في أمري، فلما وافيت طوس أقبلت على الاشتغال ثلاث سنين حتى حفظت جميع ما علقته، وصرت بحيث لو قطع علي الطريق لم أتجرد من علمي . الغزالي:
ثم قدم نيسابور، ولازم إمام الحرمين حتى برع في المذهب والخلاف والجدل والأصلين والمنطق، وقرأ الحكمة والفلسفة، وأحكم كل ذلك، وفهم كلام أرباب هذه العلوم، وتصدى للرد على مبطليهم وإبطال دعاويهم، وصنف في كل فن من هذه العلوم كتبا أحسن تأليفها، وأجاد وضعها وترصيفها، وكان شديد الذكاء، سديد النظر، عجيب الفطرة، مفرط الإدراك، قوي الحافظة، بعيد الغور، غواصا على المعاني الدقيقة، جبل علم، مناظرا محجاجا .
وكان إمام الحرمين يصف تلامذته فيقول: بحر مغرق، والبكاء أسد مخرق، والخوافي نار تحرق . الغزالي
ويقال: كان الإمام يظهر في الظاهر الافتخار به، وعنده في الباطن منه شيء؛ لما ظهر منه من أنيق العبارة، ورقيق الإشارة، وصحة السماع، وقوة الطباع .