فإذا بلغت المسجد فاذكر أنها العرصة التي اختارها الله سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم ولأول المسلمين وأفضلهم عصابة وأن فرائض الله سبحانه أول ما أقيمت في تلك العرصة ، وأنها جمعت أفضل خلق الله حيا وميتا فليعظم أملك في الله سبحانه أن يرحمك بدخولك إياه فادخله خاشعا معظما .
وما أجدر هذا المكان بأن يستدعي الخشوع من قلب كل مؤمن كما حكي عن أبي سليمان أنه قال : حج أويس القرني رضي الله عنه ودخل المدينة فلما وقف على باب المسجد قيل له : هذا قبر النبي صلى الله عليه وسلم فغشي عليه فلما أفاق ، قال : أخرجوني فليس يلذ لي بلد فيه محمد صلى الله عليه وسلم مدفون .
وأما فينبغي أن تقف بين يديه كما وصفنا وتزوره ميتا كما تزوره حيا ولا تقرب من قبره إلا كما كنت تقرب من شخصه الكريم لو كان حيا . زيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم
وكما كنت ترى الحرمة في أن لا تمس شخصه ، ولا تقبله ، بل تقف من بعد ماثلا بين يديه فكذلك فافعل فإن المس والتقبيل للمشاهد عادة النصارى واليهود .
واعلم أنه عالم بحضورك وقيامك وزيارتك وأنه يبلغه سلامك وصلاتك فمثل صورته الكريمة في خيالك موضوعا في اللحد بإزائك وأحضر عظيم رتبته في قلبك فقد روي عنه صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى ، وكل بقبره ملكا يبلغه سلام من سلم عليه من أمته وهذا في حق من لم يحضر قبره فكيف بمن فارق الوطن وقطع البوادي شوقا إلى لقائه واكتفى بمشاهدة مشهده الكريم إذ فاته مشاهدة غرته الكريمة وقد قال صلى الله عليه وسلم فهذا من صلى علي مرة واحدة صلى الله عليه عشرا بلسانه فكيف بالحضور لزيارته ببدنه ؟ ثم ائت منبر الرسول صلى الله عليه وسلم وتوهم صعود النبي صلى الله عليه وسلم المنبر ومثل في قلبك طلعته البهية كأنها على المنبر . جزاؤه في الصلاة عليه
وقد أحدق به المهاجرون والأنصار رضي الله عنهم وهو صلى الله عليه وسلم يحثهم على طاعة الله عز وجل بخطبته وسل الله عز وجل أن لا يفرق في القيامة بينك وبينه فهذه وظيفة القلب في أعمال الحج .
فإذا فرغ منها كلها فينبغي أن يلزم قلبه الحزن والهم والخوف وأنه ليس يدري أقبل منه حجه ، وأثبت في زمرة المحبوبين أم رد حجه وألحق بالمطرودين وليتعرف ذلك من قلبه وأعماله فإن صادف قلبه قد ازداد تجافيا عن دار الغرور وانصرافا إلى دار الأنس بالله تعالى ووجد أعماله قد اتزنت بميزان الشرع فليثق بالقبول فإن الله تعالى لا يقبل إلا من أحبه ، ومن أحبه تولاه وأظهر عليه آثار محبته وكف عنه سطوة عدوه إبليس لعنه الله .
فإذا ظهر ذلك عليه دل على القبول ، وإن كان الأمر الآخر بخلافه فيوشك أن يكون حظه من سفره العناء والتعب نعوذ بالله سبحانه وتعالى من ذلك .
تم ، كتاب أسرار الحج يتلوه إن شاء الله تعالى كتاب آداب تلاوة القرآن .
كتاب آداب تلاوة القرآن .