وهذه الدقائق في الترتيب تنكشف بنور النبوة في لحظة واحدة وإنما يطول التعب علينا .
ثم لو سئلنا ابتداء عن الترتيب في ذلك ربما لم يخطر لنا .
وإذا ذكرنا فعله صلى الله عليه وسلم وترتيبه ربما تيسر لنا مما عاينه صلى الله عليه وسلم بشهادة الحكم وتنبيهه على المعنى استنباط المعنى ولا تظنن أن أفعاله صلى الله عليه وسلم في جميع حركاته كانت خارجة عن وزن وقانون وترتيب بل جميع الأمور الاختيارية التي ذكرناها يتردد فيها الفاعل بين قسمين أو أقسام كان لا يقدم على واحد معين بالاتفاق ، بل بمعنى يقتضي الإقدام والتقديم فإن الاسترسال مهملا كما يتفق سجية البهائم وضبط الحركات بموازين المعاني سجية أولياء الله تعالى .
وكلما كانت حركات الإنسان وخطراته إلى الضبط أقرب وعن الإهمال وتركه سدى أبعد كانت مرتبته إلى رتبة الأنبياء والأولياء أكثر ، وكان قربه من الله عز وجل أظهر ؛ إذ القريب من النبي صلى الله عليه وسلم هو القريب من الله عز وجل والقريب من الله لا بد أن يكون قريبا فالقريب من القريب قريب بالإضافة إلى غيره فنعوذ بالله أن يكون زمام حركاتنا وسكناتنا في يد الشيطان بواسطة الهوى .
واعتبر في ضبط الحركات باكتحاله صلى الله عليه وسلم ، فإنه كان يكتحل في عينه اليمنى ثلاثا ، وفي اليسرى اثنين فيبدأ باليمنى لشرفها .
وتفاوته بين العينين لتكون الجملة وترا فإن للوتر فضلا عن الزوج فلا ينبغي أن يخلو فعل العبد من . مناسبة لوصف من أوصاف الله تعالى . فإن الله سبحانه وتر يحب الوتر
ولذلك استحب الإيتار في الاستجمار .
وإنما لم يقتصر على الثلاث ، وهو وتر لأن اليسرى لا يخصها إلا واحدة والغالب أن الواحدة لا تستوعب أصول الأجفان بالكحل وإنما خصص اليمين بالثلاث لأن التفضيل لا بد منه للإيتار واليمين أفضل فهي بالزيادة أحق .
فإن قلت فلم اقتصر على اثنين لليسرى وهي زوج فالجواب أن ذلك ضرورة ؛ إذ لو جعل لكل واحدة وتر لكان المجموع زوجا ؛ إذ الوتر مع الوتر زوج ورعايته الإيتار في مجموع الفعل ، وهو في حكم الخصلة الواحدة أحب من رعايته في الآحاد .
.