( باب الحجر ) .
أورد الحجر عقيب الإكراه لأن في كل واحد منهما سلب ولاية المختار عن الجري على موجب الاختيار إلا أن الإكراه لما كان أقوى تأثيرا لأن فيه سلبها عمن له اختيار صحيح وولاية كاملة بخلاف الحجر والحجر في اللغة المنع من قولك حجر عليه القاضي يحجر حجرا إذا منعه من التصرف في ماله ولهذا سمي الحطيم حجرا ; لأنه منع من البيت ومنه قوله تعالى { هل في ذلك قسم لذي حجر } أي لذي عقل وفي الشرع عبارة عن مبيع مخصوص في حق شخص مخصوص وهو الصغير والرقيق والمجنون وهذه الثلاثة وألحق بهذه الثلاثة ثلاثة أخر المفتي الماجن والطبيب الجاهلي والمكاري المفلس ، ومن سبب الحجر أن فيه شفقة على خلق الله وهي أحد طرفي الديانة والآخر التعظيم لأمر الله وتحقيق ذلك أن الله تعالى خلق الورى وفرق بينهم في النهى فجعل بعضهم أولي النهى والرأي ومنهم أعلام الهدى ومصابيح الدجى وبعضهم مبتلى بأساليب الردى فيما يرجع إلى المعاملات كالمجنون والمعتوه والرقيق والصغير وركب الله في البشر العقل والهوى وركب في الملائكة العقل دون الهوى وركب في البهائم الهوى دون العقل فمن غلب عقله على هوائه كان من أفضل الخلق ومن غلب هواه على عقله كان أردى من البهائم ودليله ما روي أنه { محاسن الحجر وقسم ماله لغرمائه معاذ } ولأن تصرفه لا يشمل توفير النظر والمصلحة فلذا يحجر عليه قال رحمه الله ( هو منع عن التصرف قولا لا فعلا بصغر ورق [ ص: 89 ] وجنون ) يعني يحجر عليه بهذه الأسباب المذكورة واعترض عليه بأن هذه العبارة تفيد حصر المنع في هذه الثلاثة ; لأن ذكر الأفراد يفيده وليس كذلك بل عليه الصلاة والسلام حجر على بالاتفاق والسفيه والمغفل والمديون على قولهما وعليه الفتوى كما في البزازية فقوله في دليل التعريف بصغر إلى آخره تفسير زائد وتقييد فاسد فالتعريف فيه قصور من حيث تقييد المطلق ، وأصل التعريف الحقيقة وهو لا يخلو أما إن أراد أن يعرف المنع المتفق عليه فعليه أن يسقط الزيادة أو يريد ومجانة وجهل وإفلاس ليكون سببا للمتفق عليه أو يقول بسبب يوجبه ولا يخفى أن يحجر على المفتي الماجن والطبيب الجاهل والمكاري المفلس في الحقيقة ; لأنه مكلف محتاج كامل الرأي والعقل وإنما حجر عليه لحق المولى قوله لا فعلا أراد فعلا لم يتعلق به حكم يندرئ بالشبهات أما إذا كان الفعل يتعلق به حكم يندرئ بالشبهات فهو محجور عليه في حكم ذلك الذي يندرئ بالشبهات الرق ليس سببا للحجر وهو الحد وبالنسبة بحكم القتل وهو القصاص كذا في الجوهرة قوله قولا نكرة في سياق الإثبات وهي تختص عندنا قالوا المراد بالأقوال هنا ما تردد بين النفع والضرر كالبيع والشراء ويوجب الحجر من الأصل بالإعدام في حكم قول تمحض ضررا كالصبي والمجنون إذا زنى أو قتل فهو محجور عليه بالنسبة لحكم الزنا دون العبد فإن طلاقه يقع ولم يوجب الحجر فيما تمحض نفعا كقبول الهبة والهدية والصدقة قوله لا فعلا نكرة في سياق النفي فيعم ما تقدم ذكره ، فإن قيل الطلاق والعتاق والعفو عن القصاص واليمين والنذر كلها من الأقوال المعتبرة في الشرع والقصد ليس بشرط لاعتبارها شرعا كما صرحوا به في مواضع لا سيما في مباحث الهزل في الأصول فكيف حكمت بأنها عدم من الصبي والمجنون مع أن القصد ليس بشرط في اعتبارها إذا صدرت مع تمام الأهلية وأجيب بأن من ذكر له قصد وما يقصد وما ذكر ليس له قصد معتبر فافترق الحال . ا هـ . كالطلاق والعتاق في حق الصبي والمجنون
قال رحمه الله : ( فلا يصح ) ; لأن الصبي عديم العقل إذا كان غير مميز وإن كان مميزا فعقله ناقص لعدم الاعتدال وهو البلوغ فيحتمل فيه الضرر فلا يجوز إلا إذا أذن له المولى فيصح حينئذ لترجيح جانب المصلحة للمولى ، فإذا أذن له بعد ذلك فيتصرف بأهليته إذا كان بالغا عاقلا وإن كان صغيرا فبأهلية الولي وفي السراجية تصرف صبي وعبد بلا إذن ولي وسيد لم يصح ولو أذن القاضي للصبي بالتصرف صح تصرفه . للصغير الذي لا يعقل البيع إذا باع أو اشترى فأجاز الولي