[ ص: 525 ] ومن قال بالخصم المسخر نصب الشر ثم قطعه ، وذكر شيخنا أيضا ما ذكره من احتيال الحنفية على القاضي ، فإن المشتري المقر له بالبيع قد قبض المبيع وسلم الثمن ، فهو لا يدعي شيئا ولا يدعى عليه شيء ، وإنما غرضه تثبيت الإقرار أو العقد ، والمقصود سماع القاضي البينة وحكمه بموجبها ، من غير وجود مدعى عليه ، ومن غير مدع على أحد لكن خوفا من حدوث خصم مستقبل ، فيكون هذا الثبوت حجة بمنزلة الشهادة ، فإن لم يكن القاضي يسمع البينة بلا هذه الدعوى وإلا امتنع من سماعها مطلقا ، وعطل هذا المقصود الذي احتالوا ، قال سماع البينة من غير وجود مدعى عليه شيخنا : وكلامه يقتضي أنه هو لا يحتاج إلى هذا الاحتيال ، وأظن الشافعية موافقيه في إنكار هذا على الحنفية ، مع أن جماعات من القضاة المتأخرين من الشافعية والحنبلية دخلوا مع الحنفية في ذلك وسموه الخصم المسخر .
وأما على أصلنا الصحيح وأصل ، فإما أن نمنع مالك فتثبت الحقوق بالشهادات على الشهادات ، كما ذكره من ذكره من أصحابنا ، وإما أن تسمع الدعوى والبينة بلا خصم ، كما ذكر طائفة من المالكية والشافعية ، وهو مقتضى كلام الدعوى على غير خصم منازع وأصحابنا في مواضع ، لأنا نسمع الدعوى والبينة على الغائب والممتنع ، وكذا الحاضر في البلد ، في المنصوص ، فمع عدم خصم أولى ، وإنما قال بمحضر من خصمين جاز استماع وقبول البينة من أحدهما على الآخر من اشترط [ ص: 526 ] حضور الخصم في الدعوى والبينة ، ثم احتال لعمل ذلك صورة بلا حقيقة ، ولأن الحاكم يسمع الدعوى والبينة في غير وجه خصم ليكتب به إلى حاكم آخر ، قال : وقال أصحابنا : كتاب الحاكم كشهود الفرع ، قالوا لأن المكتوب إليه يحكم بما قام مقام غيره ، لأن إعلام القاضي للقاضي قائم مقام إعلام الشاهدين ، فجعلوا كل واحد من كتاب الحاكم وشهود الفرع قائما مقام غيره ، وهو بدل عن شهود الأصل ، وجعلوا كتاب القاضي كخطابه ، وإنما خصوه بالكتاب لأن العادة تباعد الحاكمين ، وإلا فلو كانا في محل واحد كان مخاطبة أحدهما للآخر أبلغ من الكتاب ، وبنوا ذلك على أن الحاكم يثبت عنده بالشهادة ما لم يحكم به وأنه يعلم به حاكما آخر ليحكم به كما يعلم الفروع بشهادة الأصول ، وهذا كله إنما يصح إذا سمعت الدعوى والبينة في غير وجه خصم ، وهو يفيد أن كل ما يثبت بالشهادة على الشهادة يثبته القاضي بكتابه ، ولأن الناس بهم حاجة إلى إثبات حقوقهم بإثبات القضاة ، كإثباتها بشهادة الفروع ، وإثبات القضاة أنفع لأنه كفى مؤنة النظر في الشهود وبهم حاجة إلى الحكم فيما فيه شبهة أو خلاف يدفع وإنما يخافون من خصم حادث . الإمام أحمد