( ) أخره عنهما لأخذه من كل منهما شبها وسيأتي حد كل ( ولا قصاص إلا في عمد وخطأ وشبه عمد ) الآتي إجماعا بخلاف الخطأ لآية { العمد ومن قتل مؤمنا خطأ } وشبه العمد للخبرين المذكورين ( وهو قصد الفعل و ) عين ( الشخص ) يعني الإنسان ، إذ لو كان خطأ كما يأتي ( بما يقتل غالبا ) فقتله هذا حد للعمد من حيث هو ، فإن أريد تقييد إيجابه للقود زيد فيه ظلما من حيث الإتلاف لإخراج القتل بحق أو شبهة كمن أمره حاكم بقتل بان خطؤه في سببه من غير تقصير كتبين رق شاهد به ، وكمن رمى لمهدر [ ص: 248 ] أو غير مكافئ فعصم أو كافأ قبل الإصابة ، وكوكيل قتل فبان انعزاله أو عفو موكله ، وإيراد هذه الصور غفلة عما قررناه ، والظلم لا من حيث الإتلاف كأن استحق حز رقبته فقده نصفين ، وأورد على قوله غالبا ما لو قصد شخصا يظنه شجرة فبان إنسانا فإنه يجب القصاص مع أنه لا يقتل غالبا . قطع أنملة شخص فمات
وأجيب بأن المراد به الآلة لا الفعل فلا إيراد ، وقوله : غالبا إن رجع للآلة لم يرد غرز الإبرة الموجب للقود ; لأنه سيذكره على أنه بقيد كونه في مقتل أو مع دوام الألم يقتل غالبا أو للفعل لم يرد قطع أنملة سرت للنفس ; لأنه مع السراية يقتل غالبا فاندفع ما لبعضهم هنا ولو اتجه كونه غير عمد ; لأنه لم يقصد عينه بالآلة قطعا ، وإن مال أشار الإنسان بسكين تخويفا له فسقطت عليه من غير قصد ابن العماد إلى أنه عمد يوجب القود ( جارح ) بدل من ما الواقعة على أعم منه ، ومن المثقل الآتي كتجويع وسحر وخصاء ; لأنهما الأغلب مع الرد على رضي الله عنه بالثاني في قوله : لو قتله بعمود حديد قتل ( أو مثقل ) للخبر الصحيح { أبي حنيفة } ورعاية المماثلة وعدم إيجابه شيئا [ ص: 249 ] فيها يرد إن زعم أنه قتله لنقض العهد ودخل في قولنا : عين الشخص رميه لجمع بقصد إصابة أي واحد منهم ، بخلافه بقصد إصابة واحد واحد فرقا بين العام والمطلق ; إذ الحكم في الأول على كل فرد فرد مطابقة فكل منهم مقصود جملة أو تفصيلا ، وفي الثاني على الماهية مع قطع النظر عن ذلك . أنه صلى الله عليه وسلم أمر برض رأس يهودي بين حجرين رض رأس جارية كذلك
( فإن فقد ) قصدهما أو ( قصد أحدهما ) أي الفعل وعين الإنسان ( بأن ) تستعمل غالبا لحصر ما قبلها فيما بعدها وكثيرا ما تستعمل بمعنى كأن كما هنا ( وقع عليه ) أي الشخص ، والمراد به الإنسان كما مر ( فمات ) وهذا مثال للمحذوف أو المذكور على ما يأتي ( أو ) أو ( رمى شجرة ) مثلا أو آدميا آخر ( فأصابه ) أي غير من قصده فمات ( فخطأ ) هو مثال لفقد قصد الشخص دون الفعل ، ويصح جعل الأول من هذا أيضا على بعد نظرا إلى أن الوقوع لما كان منسوبا للواقع صدق عليه الفعل المقسم للثلاثة وأنه قصده وعكسه محال ، وإلى ذلك أشار رمى شخصا ظنه شجرة فبان إنسانا ومات الشارح بقوله : وظاهر أن فقد قصد الفعل يلزمه فقد قصد الشخص ، وأن الوقوع منسوب للواقع فيصدق عليه الفعل المقسم ، وتصويره بضربة بظهر سيف فأخطأ لحده فهو لم يقصد الفعل بالحد رد بأن المراد بالفعل الجنس وهو موجود هنا ، [ ص: 250 ] وبما لو فالذي قصد به الكلام وهو غير الفعل الواقع به رد أيضا بأن مثل هذا الكلام قد يهلك عادة وسيأتي ما يعلم منه أن من الخطأ أن يتعمد رمي مهدر فيعصم قبل الإصابة تنزيلا لطرو العصمة منزلة طرو إصابة من لم يقصده . هدده ظالم ، ومات به
( وإن ) ( فشبه عمد ) ويسمى خطأ عمد وعمد خطأ وخطأ شبه عمد سواء أقتل كثيرا أم نادرا كضربة يمكن عادة إحالة الهلاك عليها بخلافها بنحو قلم أو مع خفتها جدا فهدر ( ومنه الضرب بسوط أو عصا ) خفيفين بلا توال ولم يكن بمقتل ، ولم يكن بدن المضروب نضوا ولم يقترن بنحو حر أو برد أو صغر وإلا فعمد كما لو خنقه فضعف وتألم حتى مات لصدق حده عليه ، وكالتوالي ما لو فرق وبقي ألم كل لما بعده . ( قصدهما ) أي الفعل والشخص ، وإن لم يقصد عينه بل وإن ظن كونه غير إنسان ( بما لا يقتل غالبا )
نعم لو كان أوله مباحا فلا قود لاختلاط شبه العمد به ، ولا يرد على طرده التعزير ونحوه فإنه إنما جعل خطأ مع صدق الحد عليه ; لأن تجويز الإقدام له ألغى قصده ، ولا على عكسه قول شاهدين رجعا ، وقالا لم نعلم أنه يقتل بقولنا : فإنه إنما جعل شبه عمد مع قصد الفعل والشخص بما يقتل غالبا ; لأن خفاء ذلك عليهما مع عذرهما به صيره غير قاتل غالبا ، وإذا تقررت الحدود الثلاثة [ ص: 251 ] ( فلو ) : أي بما يقتل غالبا أخذا من اشتراطهم ذلك في سقيه له ، ويحتمل الفرق ; لأن غوصها مع السم يؤثر ما لا يؤثره الشرب ، ولو بغير مقتل أو ( بمقتل ) بفتح التاء كدماغ وعين وحلق وخاصرة وإحليل ومثانة وعجان وهو ما بين الخصية والدبر ( فعمد ) وإن انتفى عن ذلك ألم وورم لصدق حده عليه نظرا لخطر المحل وشدة تأثره ( وكذا ) يكون عمدا غرزها ( بغيره ) كألية وورك ( إن تورم ) ليس بقيد كما صرح هو به ( وتألم ) تألما شديدا دام به ( حتى مات ) لذلك . ( غرز إبرة ) ببدن نحو هرم أو نضو أو صغير أو كبير وهي مسمومة
( فإن لم يظهر أثر ) بأن لم يشتد الألم أو اشتد ثم زال ( ومات في الحال ) أو بعد زمن يسير عرفا فيما يظهر ( فشبه عمد ) كالضرب بسوط خفيف ( وقيل عمد ) كجرح صغير ، ورد بظهور الفرق ( وقيل لا شيء ) من قصاص ولا دية إحالة للموت على سبب آخر ، ورد بأنه تحكم ; إذ ليس ما لا وجود له أولى مما له وجود ، وإن خف ( ولو غرزها فيما لا يؤلم كجلدة عقب ) فمات ( فلا شيء بحال ) ; لأن الموت عقبه موافقة قدر ، وخرج بما لا يؤلم ما لو بالغ في إدخالها فإنه عمد وإبانة فلقة لحم خفيفة وسقي سم يقتل كثيرا لا غالبا كغرزها بغير مقتل ، وقياس ما مر أن ما يقتل نادرا كذلك ( ولو ) أو أحدهما ( والطلب ) لذلك أو منعه سد محل الفصد أو دخن عليه فمات أو ( حبسه ) كأن أغلق عليه بابا ( ومنعه الطعام والشراب ) . عراه ( حتى مات ) جوعا أو عطشا أو بردا أو منعه الاستظلال في الحر
( فإن مضت مدة ) من ابتداء منعه أو إعرائه ( يموت مثله فيها غالبا جوعا أو عطشا ) أو بردا ، ويختلف باختلاف حال المحبوس والزمن قوة وحرا وضدهما ، وحد الأطباء الجوع المهلك غالبا باثنتين وسبعين ساعة متصلة ، واعتراض الروياني لهم بمواصلة [ ص: 252 ] رضي الله عنهما منذ خمسة عشر يوما مردود بأنه أمر نادر ومن حيز الكرامة ، على أن التدريج في التقليل يؤدي لصبر نحو ذلك كثيرا ، ويتجه عدم اعتبار ذلك ولو بالنسبة لمن اعتاد ذلك التقليل ; لأن العبرة في ذلك بما من شأنه القتل غالبا ، ولا ينافيه اعتبار نحو نضو كما مر ; لأن كل نضو كذلك ، وليس كل معتاد للتقليل يصبر على جوع ما يقتل غالبا كما هو ظاهر ( فعمد ) إحالة للهلاك على هذا السبب الظاهر وخرج بحبسه ما لو أخذ بمفازة قوته أو لبسه أو ماءه وإن علم هلاكه به وبمنعه ما لو امتنع من تناول ما عنده وعلم به خوفا أو حزنا أو من طعام خوف عطش أو من طلب ذلك : أي وقد جوز إجابته لذلك فيما يظهر فلا قود بل ولا ضمان حيث كان حرا ; لأنه لم يحدث فيه صنعا في الأول ، وهو القاتل لنفسه في البقية . ابن الزبير
قال الفوراني : وكذا لو أمكنه الهرب بلا مخاطرة فتركه ، أما الرقيق فيضمنه باليد ، وأخذ الأذرعي من قولهم : لأنه لم يحدث فيه صنعا بأن قضيته أنه لو أغلق عليه بيتا هو جالس فيه حتى مات جوعا لم يضمنه ، وفيه نظر ممنوع ; لأنه في أخذ الطعام منه متمكن من أخذ شيء بخلافه في الحبس بل هي داخلة في كلامهم ، وقوله هذا في مفازة يمكنه الخروج منها ، أما إذا لم يمكنه لطولها أو لزمانته ولا طارق في ذلك الوقت فالمتجه وجوب القود كالمحبوس مردود مخالف لكلامهم ( وإلا ) بأن لم تمض تلك المدة ومات وهو بالجوع مثلا لا بنحو هدم ( فإن لم يكن به جوع وعطش ) أي أو عطش ( سابق ) على حبسه ( فشبه عمد ) وعلم من كلامه السابق أنه لا بد من مضي مدة يمكن عادة إحالة الهلاك عليها فإيهام عموم ، وإلا هنا غير مراد ( وإن كان ) به ( بعض جوع وعطش ) الواو بمعنى أو كما مر سابقا ( وعلم الحابس الحال فعمد ) لشمول حده [ ص: 253 ] السابق له ; إذ الفرض أن مجموع المدتين بلغ المدة القاتلة وأنه مات بذلك كما علم من كلامه ( وإلا ) بأن لم يعلم الحال ( فلا ) يكون عمدا ( في الأظهر ) لانتفاء قصد إهلاكه ولم يأت بمهلك بل شبهه فيجب نصف ديته لحصول الهلاك بالأمرين .
والثاني هو عمد فيجب القود لحصول الهلاك به كما لو ضرب المريض ضربا يهلكه دون الصحيح ، وهو جاهل مرضه ، ورد بأن الضرب ليس من جنس المرض فيمكن إحالة الهلاك عليه والجوع من جنس الجوع ، والقدر الذي يتعلق منه نصفه لا يمكن إحالة الهلاك عليه حتى لو ضعف من الجوع فضربه ضربا يقتل مثله وجب القصاص