( فصل ) في مؤنة المماليك وتوابعها
إذ : الزوجية ، والبعضية ، وملك اليمين ولما أنهى الكلام على الأولين شرع في الثالث فقال ( عليه ) للنفقة ثلاثة أسباب حتى ماء طهارته ولو سفرا وتراب تيممه إن احتاجه ( وإن كان أعمى زمنا ومدبرا ومستولدة ) وآبقا وصغيرا ومرهونا ومستأجرا وموصى بمنفعته أبدا ومعارا وكسوبا لقوله تعالى { ( كفاية رقيقه ) ذكرا كان أو أنثى أو خنثى ( نفقة وكسوة ) وسائر مؤناته وهو كل على مولاه } ولخبر { } وخبر { للمملوك طعامه وكسوته ولا يكلف من العمل ما لا يطيق } رواهما كفى بالمرء إثما أن يحبس عن مملوكه قوته وقيس بما فيهما معناهما ، ولأن السيد يملك كسبه وتصرفه فيه فتلزمه كفايته ، وأفهم قوله : كفاية رقيقه أن المعتبر كفايته في نفسه ، [ ص: 236 ] وإن زادت على كفاية مثله فتراعى رغبته وزهادته كما في نفقة القريب حتى يجب على السيد أجرة الطبيب وثمن الأدوية وإن لم يجب عليه ذلك لنفسه اكتفاء في حق نفسه بداعية الطبع بل الرقيق أولى بذلك ; لأن القريب قد يتكلف تحصيله وشمل كلامه كغيره مستحق القتل لحرابة أو ردة أو نحوهما ; إذ لا تسقط كفايته بذلك ; لأن قتله بتجويعه تعذيب يمنع منه خبر مسلم { مسلم } ولأن السيد متمكن من منع وجوبها عليه إما بإزالة ملكه وإما بقتله ; لأن له ولاية قتله بطريقه الشرعي ، وبهذا فارق عدم وجوب كفاية قريبه إذا كان غير محترم ، ويستثنى المكاتب ولو فاسد الكتابة فلا تجب كفايته على سيده لاستقلاله بالكسب ولهذا تلزمه كفاية أرقائه . وإذا قتلتم فأحسنوا القتلة
نعم إن احتاج لزمته كفايته كما سيأتي في الكتابة ، وكذا لو عجز نفسه ولم يفسخ سيده كتابته فعليه نفقته ، وهي مسألة عزيزة النقل ، ويلزمه فطرة المكاتب كتابة فاسدة لعدم تكررها كل يوم وكذا تستثنى الأمة المزوجة حيث أوجبنا نفقتها على زوجها ، ونفقة وكسوة منصوبان على التمييز ، عرف البلد بالنسبة لأرقائهم ( من غالب قوت رقيق البلد وأدمهم وكسوتهم ) من حنطة وشعير وزيت وسمن وكتان وقطن وصوف وغيرها ، ولا بد من مراعاة حال السيد أيضا في يساره وإعساره فيجب ما يليق بحاله من رفيع الجنس الغالب وخسيسه لخبر والمعتبر في كفايته { الشافعي } قال : والمعروف عندنا المعروف لمثله ببلده ، ولو للمملوك نفقته وكسوته بالمعروف لزمه لرقيقه رعاية الغالب ، ولو تنعم بما هو فوق اللائق استحب أن يدفع إليه مثله ولا يلزمه ( ولا يكفي ستر العورة ) وإن لم يتأذ بحر ولا برد ; لأن ذلك يعد تحقيرا له . كان السيد يأكل ويلبس دون المعتاد غالبا بخلا أو رياضة
قال الغزالي : وهذا ببلادنا إخراجا لبلاد السودان ونحوها كما في المطلب ، وهذا يفهمه قولهم من الغالب ، فلو كانوا لا يستترون أصلا [ ص: 237 ] وجب ستر العورة لحق الله تعالى ويؤخذ من التعليل أن الواجب ستر ما بين السرة والركبة ( ويسن أن يناوله مما يتنعم به من طعام وأدم وكسوة ) لخبر { } . إنما هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم ، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه من طعامه وليلبسه من لباسه
قال الرافعي : حمله على الندب أو على الخطاب لقوم مطاعمهم وملابسهم متقاربة ، أو على أنه جواب سائل علم فأجابه بما اقتضاه الحال . الشافعي
نعم يتجه في أمرد جميل يخشى من تنعمه بنحو ملبوسه لحوق ريبة من سوء ظن به ووقوع في عرضه عدم استحبابه حينئذ ، والأفضل أن يجلسه السيد معه للأكل : أي حيث لا ريبة تلحقه فيما يظهر ليتناول القدر الذي يشتهيه ، فإن لم يفعل أو امتنع هو من جلوسه معه توقيرا له فليرغ له في الدسم لقمة كبيرة تسد مسدا لا صغيرة تهيج الشهوة ولا تقضي النهمة أو لقمتين ثم يناوله ذلك ، وهذا لمن ولي الطبخ آكد لخبر الصحيحين { } ، والمعنى فيه تشوف النفس لما تشاهده ، وهذا يقطع شهوتها ، والأمر في الخبر محمول على الندب ندبا للتواضع ومكارم الأخلاق ، ونقل إذا أتى أحدهم خادمه بطعامه ، فإن لم يجلسه معه فليناوله لقمة أو لقمتين أو أكلة أو أكلتين فإنه ولي حره وعلاجه الإسنوي نصا حاصله الوجوب .
ثم قال : فظهر أن الراجح عند الوجوب على خلاف ما رجحه الشافعي الرافعي ، ورده الأذرعي بأن النص لا يدل على ذلك بل على ما رجحه الرافعي ، ولو لم يجز له تبديله . أعطى السيد رقيقه طعامه
بما يقتضي تأخير الأكل إلا لمصلحة الرقيق ، ولو فضل نفيس رقيقه لذاته على خسيسه كره في العبيد ، وسن في الإماء ( وتسقط ) ( بمضي الزمان ) كنفقة القريب فلا تصير دينا إلا بفرض قاض أو نحوه ، وقد قال كفاية القن الروياني : لو جاز وكان دينا على سيده ( ويبيع القاضي فيها ماله ) إن امتنع منها أو غاب كما في نفقة القريب ، وتحريره أن الحاكم يؤجر جزءا من ماله بقدر الحاجة أو جميعه إن احتيج إليه أو تعذر إيجار الجزء [ ص: 238 ] فإن تعذر إيجاره باع جزءا منه بقدر الحاجة أو كله إن احتيج إليه أو تعذر بيع الجزء ، هذا في غير محجور عليه . قال الحاكم لعبد رجل غائب استدن وأنفق على نفسك
أما هو فيتعين فعل الأحظ له من بيع القن أو إجارته أو بيع مال آخر أو الاقتراض على مغله ( فإن فقد المال ) بأن لم يكن لمالكه مال ولو ببلد القاضي فقط فيما يظهر لانتفاء سلطنته عليه حينئذ ، والمالك حاضر ممتنع من إنفاقه وتعذرت إجارته ( أمره ) القاضي بإيجاره : أي إن وفى بمؤنته فيما يظهر أو بإزالة ملكه عنه ( ببيعه أو إعتاقه ) دفعا للضرر ، والقصد إزالة ملكه عنه ، فإن امتنع أجره الحاكم عليه أو باعه كما مر ، ويستدين عليه إلى اجتماع قدر صالح عليه فيباع حينئذ ما بقي به على الأصح في الروضة .
قال الأذرعي وغيره : ومحله إذا لم يتيسر بيعه شيئا فشيئا بقدر الحاجة كالعقار ، فإن تيسر ذلك كالحبوب والمائعات تعين : أي بلا استدانة ا هـ .
وهو مأخوذ من كلامهم ، فإن تعذر بيعه ، وإجارته فنفقته في بيت المال ، فإن فقد فعلى المسلمين ; لأنه من محاويجهم .
قال ابن الرفعة : وتدفع كفاية الرقيق لمالكه ; لأن الكفاية عليه ، وهو المعني بأنه من محاويج المسلمين لا الرقيق ، قال الأذرعي : وظاهر كلامهم أنه ينفق عليه من بيت المال أو المسلمين مجانا ، وهو ظاهر إن كان السيد فقيرا أو محتاجا إلى خدمته الضرورية وإلا فينبغي أن يكون ذلك قرضا ا هـ .
قال القمولي : من نصفه حر ونصفه رقيق يجب نصف نفقته على سيده والنصف الآخر عليه ، فإن عجز عن القيام به فيجب نصف نفقته في بيت المال