[ ص: 172 ] كتاب الرضاع هو بفتح أوله وكسره وقد تبدل ضاده تاء ، لغة : اسم لمص الثدي وشرب لبنه ، وشرعا اسم لحصول لبن امرأة أو ما حصل منه في جوف طفل بشروط تأتي ، وهي مع ما يتفرع عليها المقصود بالباب ، وأما مطلق التحريم به فقد مر في باب ما يحرم من النكاح .
والأصل فيه الكتاب والسنة وإجماع الأمة ، وسبب تحريمه أن اللبن جزء المرضعة وقد صار من أجزاء الرضيع فأشبه منيها في النسب ، ولقصوره عنه لم يثبت له من أحكامه سوى المحرمية دون نحو إرث وعتق وسقوط قود ورد شهادة ، وفي وجه ذكره هنا مع أنه قد يقال الأنسب به ذكره عقب ما يحرم من النكاح غموض .
وقد يقال فيه إن الرضاع والعدة بينهما تشابه في تحريم النكاح فجعل عقبها لا عقب تلك لأن ذاك لم يذكر فيه إلا الذوات المحرمة ، الأنسب بمحله من ذكر شروط التحريم ، ( إنما يثبت ) وأركانه رضيع ولبن ومرضع ( بلبن امرأة ) لا رجل لأن لبنه لا يصلح للغذاء ، نعم يكره له ولفرعه نكاح من ارتضعت منه للخلاف فيه ولا خنثى ما لم يبن أنثى ، ولا بهيمة فيما لو ارتضع منها ذكر وأنثى لأنه لا يصلح لغذاء الولد صلاحية لبن الآدمية ولأن الأخوة لا تثبت بدون الأمومة أو الأبوة وإن أمكن ثبوت الأمومة دون الأبوة وعكسه كما يأتي آدمية كما عبر به الرضاع المحرم رضي الله عنه فلا يثبت بلبن جنية لأنه تلو النسب لخبر { الشافعي } والله قطع النسب بين الجن والإنس قاله يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب الزركشي .
وقضيته أنه مبني على ما قيل إن [ ص: 173 ] الأصح حرمة تناكحهما .
أما على ما عليه جمع من حله وهو الأوجه فيحرم ( حية ) حياة مستقرة لا من حركتها حركة مذبوح ولا ميتة خلافا للأئمة الثلاثة ، كما لا تثبت حرمة المصاهرة بوطئها ولأنه منفصل من جثة منفكة عن الحل والحرمة كالبهيمة ، وبه اندفع قولهم اللبن لا يموت فلا عبرة بظرفه كلبن حية في سقاء نجس ، نعم يكره كراهة شديدة كما هو ظاهر لقوة الخلاف فيه ( بلغت تسع سنين ) قمرية تقريبا بالمعنى السابق في الحيض ولو بكرا خلية دون من لم تبلغ ذلك لأنها لا تحتمل الولادة واللبن المحرم فرعها ( ولو حلبت لبنها ) المحرم وهو الخامسة أو خمس دفعات أو حلبه غيرها أو نزل منها بلا حلب ( فأوجره ) طفل مرة في الأولى أو خمس مرات في الثانية ( بعد موتها حرم ) بالتشديد هنا وفيما بعد ( في الأصح ) لانفصاله منها وهي غير منفكة عن الحل والحرمة .
والثاني لا يحرم لبعد إثبات الأمومة بعد الموت ، وقول الشارح لانفصاله منها وهو حلال محترم : أي لأنه يصح عقد الإجارة على الإرضاع به وإن كان تابعا لفعلها بخلافه بعد الموت ، وإلا فلبن الميتة طاهر كما مر في باب النجاسة ( ولو ) ( حرم ) لحصول التغذي ( ولو ) ( جبن أو نزع منه زبد ) وأطعم الطفل ذلك الجبن أو الزبد أو سقاه المنزوع منه الزبد ( حرم إن غلب ) بفتح أوله المائع بأن ظهر لونه أو طعمه أو ريحه وإن شرب البعض لأنه المؤثر حينئذ [ ص: 174 ] ( فإن غلب ) بضم أوله بأن زال طعمه ولونه وريحه حسا وتقديرا بالأشد ، والحال أنه يأتي منه خمس دفعات كما نقلاه وأقراه ، وحكى عن النص خلافه . ( خلط ) اللبن ( بمائع ) أو جامد
قال بعضهم : إن الفطرة وحدها مؤثرة إذا وصل إليه في خمس دفعات ما وقعت فيه ، وجعل أن اختلاط اللبن بغيره ليس كانفراده فلا يعتبر في انفصاله عدد وليس كما قال ( وشرب ) الرضيع ( الكل ) على خمس رضعات أو كان هو الخامسة ( قيل أو البعض حرم في الأظهر ) لأن اللبن في شرب الكل وصل لجوفه يقينا فحصل التغذي المقصود ، وبه فارق عدم تأثير نجاسة استهلكت في ماء كثير لانتفاء استقذارها حينئذ وعدم حد بخمر استهلكت في غيرها لانتفاء الشدة المطربة وعدم فدية بطعام فيه طيب استهلك لزوال التطيب .
والثاني لا يحرم لأن المغلوب المستهلك كالمعدوم ، وشرب البعض لا يحرم في الأصح لانتفاء تحقق وصول اللبن منه إلى الجوف ، فإن تحقق كأن بقي من المخلوط أقل من قدر اللبن حرم جزما ، ولو زايلت اللبن المخالط لغيره أوصافه اعتبر بما له لون قوي يستولي على الخليط كما قاله جمع متقدمون ، والأوجه اعتبار [ ص: 175 ] أقوى ما يناسب لون اللبن أو طعمه أو ريحه أخذا مما مر أول الطهارة في التغير التقديري بالأشد فاقتصارهم هنا على اللون كأنه مثال ، ولبن امرأتين اختلط يثبت أمومتهما وفي المغلوب منهما التفصيل المذكور فتثبت الأمومة لغالبة اللبن وكذا المغلوبة بشرطه السابق ( ويحرم إيجار ) وهو صب اللبن في الحلق قهرا لحصول التغذي به ، ومن ثم اشترط وصوله للمعدة ولو من جائفة لا مسام ، فلو تقيأه قبل وصولها يقينا لم يحرم ( وكذا إسعاط ) بأن صب اللبن من الأنف حتى وصل للدماغ ( على المذهب ) لذلك والطريق الثاني فيه قولان كالحقنة ( لا حقنة في الأظهر ) لأنها لإسهال ما انعقد في الأمعاء فلم يكن فيها تغذ ، ومثلها صبه في نحو أذن أو قبل .
والثاني يحرم كما يحصل بها الفطر ، ورد بأنه منوط بما يصل إلى جوف ولو لم يكن معدة ولا دماغا بخلافه هنا ، ولهذا لم يحرم تقطير في أذن أو جراحة إذا لم يصل إلى معدة