باب النجاسة
وفيه إزالتها وهي متوقفة على معرفتها فنقول : هي لغة كل مستقذر ، وشرعا مستقذر يمنع صحة الصلاة حيث [ ص: 232 ] لا مرخص .
وعرفها بعضهم بأنها كل عين حرم تناولها على الإطلاق في حالة الاختيار مع سهولة التمييز ، لا لحرمتها ولا لاستقذارها ولا لضررها في بدن أو عقل ، فخرج بالإطلاق ما يباح قليله كبعض النباتات السمية ، الاختيار حالة الضرورة فيباح فيها تناول الميتة وبسهولة التمييز دود الفاكهة ونحوها فيباح تناوله معها وإن سهل تمييزه ، [ ص: 233 ] خلافا لبعض المتأخرين نظرا إلى أن شأنه عسر التمييز ، ولا يتنجس فمه فلا يجب عليه غسله .
وهذا القيد والذي قبله للإدخال لا للإخراج كما أوضحت ذلك في شرح العباب ، ولا حاجة لزيادة إمكان التناول ليخرج به الأشياء الصلبة كالحجر ، لأن ما لا يمكن تناوله لا يوصف بحل ولا تحريم وإلا لزم التكليف بالمحال وبلا لحرمتها لحم الآدمي فإنه وإن حرم تناوله مطلقا في حالة الاختيار إلخ لكن لا لنجاسته بل لحرمته ، ولا يرد عليه لحم الحربي فإنه يحرم تناوله مع عدم احترامه ، إذ الحرمة تنشأ من ملاحظة الأوصاف الذاتية أو العرضية ، ومعلوم أن الأولى لازمة للجنس من حيث هو لأن الأوصاف الذاتية لا تختلف ، والثانية تختلف باختلاف تلك الأوصاف المختلفة باختلاف أفراد الجنس ، وحينئذ فالآدمي تثبت له الحرمة من حيث ذاته تارة ومن حيث وصفه أخرى ، فالحرمة الثابتة له من حيث ذاته تقتضي الطهارة لأنها وصف ذاتي أيضا فلا تختلف باختلاف الأفراد ، والثابتة له من حيث وصفه تقتضي احترامه وتوقيره بحسب ما يليق بحاله ، ولا شك أن الحربي تثبت له الحرمة الأولى ، فكان طاهرا حيا وميتا حتى يمتنع استعمال جزء منه في الاستنجاء خلافا لبعض المتأخرين ، ولم تثبت له الحرمة الثانية فلم يحترم ولم يعظم ، فلهذا جاز إغراء الكلاب على جيفته وحينئذ فلا إشكال في كلامهم ، وأن ذلك لا يرد على الحد لأن طهارته لحرمته الذاتية كغيره وإن كان غير محترم باعتبار وصفه ، وبلا استقذارها ما حرم تناوله لا لما تقدم ، بل لاستقذاره كمخاط ومني وغيرهما من المستقذرات بناء على حرمة أكلها وهو الأصح ، وبلا لضررها في بدن أو [ ص: 234 ] عقل ما ضر العقل كالأفيون والزعفران ، أو البدن كالسميات والتراب وسائر أجزاء الأرض ثم عرفها المصنف بعدها فقال : ( هي ) خمرا كان وهو المشتد من عصير العنب ولو محترمة ومثلثة وباطن حبات عنقود أو غيره مما من شأنه الإسكار وإن كان قليلا ، أما الخمر بسائر أنواعها فتغليظا وزجرا عنها كالكلب ولأنها رجس بنص القرآن ، والرجس النجس ، وألحق بذلك غيرها من سائر المسكرات قياسا عليها بوجود الإسكار المسبب عنه ذلك في كل منهما . كل مسكر مائع
ولا يشكل على الاستدلال بالآية عطفه على الخمر ما ليس بنجس اتفاقا لأنه استعمل الرجس في معنييه وهو جائز عند ، إذ الثلاثة المقرونة معها معارضة بالإجماع فبقيت هي ، وخرج بزيادته على أصله مائع غيره كالحشيشة والبنج والأفيون فإنه وإن أسكر طاهر كما صرح به في الدقائق ، وما وقع في بعض [ ص: 235 ] شروح الحاوي من الشافعي غلط ، وقد صرح في المجموع بأن البنج والحشيش طاهران مسكران ، ولا يرد على ما تقدم الخمرة المنعقدة فإنها جامدة وهي نجسة والحشيشة المذابة فإنها طاهرة ، لأن الخمرة المنعقدة مائعة في الأصل بخلاف الحشيشة المذابة . نجاسة الحشيشة
وقد سئل الوالد رحمه الله تعالى عن لأنه يتخمر كالبوظة ، وهل يكون جفافه كالتخلل في الخمر فيطهر أو يكون كالخمر المنعقدة فلا يطهر ؟ فأجاب بأنه لا اعتبار بقول هذا القائل ، فإنه لو فرض كونه مسكرا لكان طاهرا لأنه ليس بمائع انتهى . الكشك هل هو نجس
أي حال إسكاره لو كان ويؤخذ منه أن وهو كذلك ، إذ لو نظر إلى جمودها قبل إسكارها لورد على ذلك الزبيب والتمر ونحوهما من الجامدات ، وهذا ظاهر جلي . البوظة نجسة
وما اعترض به ابن النقيب وغيره الحد بأنه حد للنجس لا للنجاسة خلافا لما قاله النووي ، لأن حقيقتها تحريم ملابسة المستقذرات فهي حكم شرعي فكيف تفسر بالأعيان ؟ رد بأن النجاسة تطلق على كل من الأعيان وعلى الحكم الشرعي ، فحدها بالأعيان صريح في أن النووي لم يرد بها معناها الثاني بل الأول ، وهي حقيقة فيه أو مجاز مشهور ، على أن أهل اللغة قالوا : إن النجاسة والنجس بمعنى واحد ، ثم الأعيان جماد وحيوان ، فالجماد كله طاهر لأن الله تعالى خلقه لمنافع عباده ولو من بعض الوجوه ، ولا يحصل الانتفاع أو يكمل إلا بالطهارة إلا ما نص الشارع على نجاسته ، وهو ما ذكره المصنف بقوله فيما مر : كل مسكر مائع ، والحيوان كله طاهر لما مر إلا ما استثناه الشارع ، وقد نبه عليه المصنف فقال :