فينبغي لأجل ذا أن تقتفي مرسوم ما أصله في المصحف
ونقتدي بفعله وما رءا في جعله لمن يخط ملجئا
وقد قدمنا أن أصل الرسم ما يعتمد في كيفياته عليه، ويرجع عند اختلاف المقارئ إليه، ولا شك أن سبب جمع الإمام -رضي الله عنه- هو الاختلاف الواقع كما تقدمت الإشارة إليه بقوله: فقصة اختلافهم شهيره، والعلة الغائية التي قصدها بالجمع هي انتفاء اختلافهم كما تقدم، فلما كتب المصاحف أمر الناس بالاقتصار على ما وافقها لفظا، وبمتابعتها خطا؛ ولذلك أمر بما سواها أن يحرق كما تقدم؛ إذ لولا قصده جعل هذه المصاحف أئمة للقارئين والكاتبين ما أمر، بتحريق ما سواها، وهذا بمعنى قول الناظم في عمدة البيان: عثمان
فواجب على ذوي الأذهان أن يتبعوا الرسوم في القرآن
ويقتدوا بما رآه نظرا إذ جعلوه للأنام وزرا
وكيف لا يجب الاقتداء لما أتى نصا به الشفاء
إلى عياض أنه من غيرا حرفا من القرآن عمدا كفرا
زيادة أو نقصا أو إن أبدلا شيئا من الرسم الذي تأصلا
وقوله: ونقتدي عطف على نقتفي؛ فهو منصوب لكنه قدر نصبه، فسكن الياء [ ص: 18 ] على ما تقدم في قوله: ليقتدي، من قوله: وما رأى مصدرية.
ثم قال:
وجاء آثار في الاقتداء بصحبة الغر ذوي العلاء
منهن ما ورد في نص الخبر لدى أبي بكر الرضي وعمر
وخبر جاء على العموم وهو أصحابي كالنجوم
فقوله: وجاء آثار: أي: أحاديث.
وقوله: الغر بضم الغين صفة للصحب، وهو جمع أغر، والفرس الأغر هو ذو الغرة، أي: البياض في جبهته، ثم استعير للمشهور كما هنا.
وقوله: العلاء بفتح العين والمد معناه: الرفعة والشرف.
والأحاديث الواردة في ذلك كثيرة، منها ما ورد مخصوما بأبي بكر، -رضي الله عنهما- ومنها ما ورد عاما في الصحابة كلهم، وإلى الأول أشار بقوله: منهن؛ أي: من الآثار ما ورد في نص الخبر، أي: في الخبر النص، أي: الحديث الصريح ولدى في قوله: لدى وعمر بمعنى في، والرضي بتشديد الياء بمعنى المرضي نعت أبي بكر وأشار بهذا إلى قوله صلى الله عليه وسلم: لأبي بكر، أبي بكر وعمر". ""اقتدوا باللذين من بعدي
قال السيوطي في الجامع الصغير: أخرجه أحمد والترمذي، زاد في ذيل الجامع من رواية وابن ماجه عن الطبراني فإنهما حبل الله الممدود من تمسك بهما فقد تمسك بالعروة الوثقى. ا ه. أبي الدرداء:
ثم أشار إلى ما ورد عاما في الصحابة كلهم بقوله: وخبر جاء على العموم؛ أي: ومنهن خبر جاء دالا على عموم الاقتداء بالصحابة، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: وتمام الحديث: "أصحابي كالنجوم"، "بأيهم اقتديتم اهتديتم".
قال السيوطي أخرجه في الإبانة، السجزي وابن عساكر عن بلفظ: عمر سألت ربي فيما يختلف فيه أصحابي من بعدي، فأوحي إلي يا محمد: إن أصحابك عندي بمنزلة النجوم في السماء بعضها أضوء من بعض، فمن أخذ بشيء مما هم عليه من اختلافهم فهو عندي على هدى، وقد ورد هذان الحديثان بروايات مختلفة كما ورد في اتباع الصحابة أحاديث أخرى، وجملتها [ ص: 19 ] تدل على طلب الاقتداء بالصحابة: فيما فعلوا ومما فعلوه مرسوم المصحف، وقد أجمعوا رضي الله عنهم، وهم اثنا عشر ألفا، والإجماع حجة كما تقرر في أصول الفقه.
وحذف الناظم تنوين بكر من قوله: الرضي لالتقاء الساكنين على لغة قرئ بما شاذا قوله تعالى: (قل هو الله أحد الله الصمد) بحذف التنوين من أحد. أبي بكر