وبعده جرده الإمام في مصحف ليقتدي الأنام
ولا يكون بعده اضطراب وكان فيما قد رأى صواب
فقصة اختلافهم شهيره كقصة اليمامة العسيره
قال ابن حجر: الفرق بين الصحف والمصحف: أن الصحف الأوراق المجردة التي جمع فيها القرآن في عهد وكان سورا مفرقة، كل سورة مرتبة بآياتها على حدة لكن لم يرتب بعضها إثر بعض، فلما نسخت ورتب بعضها إثر بعض صارت مصحفا. ا ه. أبي بكر،
والمصحف مثلث الميم اسم أعجمي معناه جامع الصحف، وأشار الناظم بالبيتين الأولين، وبالشطر [ ص: 14 ] الأول من البيت الثالث إلى ما ذكره في المقنع بسنده إلى الحافظ الداني قال: أخبرني ابن شهاب الزهري، أن أنس بن مالك، قدم على حذيفة بن اليمان وكانوا يقاتلون على عثمان، مرج أرمينية، فقال حذيفة يا أمير المؤمنين، إني قد سمعت الناس اختلفوا في القرآن اختلاف اليهود والنصارى، حتى أن الرجل ليقوم فيقول: هذه قراءة فلان، قال: فأرسل لعثمان: إلى عثمان أرسلي إلينا بالصحف، فننسخها في المصاحف ثم نردها إليك، قال: فأرسلت إليه بالصحف، قال: فأرسل حفصة: إلى عثمان وإلى زيد بن ثابت، وإلى عبد الله بن عمرو بن العاص، وإلى عبد الله بن الزبير، وإلى عبد الله بن عباس، عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فقال: انسخوا هذه الصحف في مصحف واحد، وقال للنفر القرشيين: إن اختلفتم أنتم فاكتبوه على لسان وزيد بن ثابت قريش، فإنما نزل "يعني معظمه" بلسان قريش، قال زيد: فجعلنا نختلف في الشيء، ثم نجمع أمرنا على رأي واحد، فاختلفوا في التابوت، فقال زيد: التابوه، وقال النفر القرشيون: التابوت، قال: فأبيت أن أرجع إليهم، وأبوا أن يرجعوا إلي، حتى رفعنا ذلك إلى -رضي الله عنه- فقال عثمان اكتبوه: التابوت، فإنما أنزل القرآن على لسان عثمان: قريش، قال زيد: فذكرت آية سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أجدها عند أحد، حتى وجدتها عند رجل من الأنصار هو خزيمة بن ثابت: لقد جاءكم رسول من أنفسكم إلى آخر السورة.
قال قال ابن شهاب: أنس: فرد الصحف إلى عثمان وألغى ما سوى ذلك من المصاحف. ا ه. حفصة،
والمرج الثغر؛ أي: موضع الخوف، وأرمينية مدينة عظيمة في ناحية الشمال، وفي المقنع أيضا: حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف بعث إلى كل أفق بمصحف من تلك المصاحف التي نسخوها، ثم أمر بسوى ذلك من القراءة في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق. ا ه. عثمان
قال ابن حجر: وأكثر الروايات صريح في التحريق فهو الذي وقع. ا ه.
وقال ابن بطال: وفي هذا الحديث جواز لأن ذلك إكرام لها، وحرز عن وطئها بالأقدام. ا ه. تحريق الكتب التي فيها اسم الله بالنار;
قال القسطلاني: وإنما ترك النبي صلى الله عليه وسلم جمعه، أي: القرآن في مصحف [ ص: 15 ] واحد; لأن النسخ كان يرد على بعضه، فلو جمعه ثم رفعت تلاوة بعضه لأدى إلى الاختلاف والاختلاط، فحفظه الله تعالى في القلوب إلى انقضاء زمن النسخ، فكان التأليف في الزمن النبوي، والجمع في الصحف في زمن والنسخ في المصحف في زمن الصديق، وقد كان القرآن كله مكتوبا في عهده صلى الله عليه وسلم لكن غير مجموع في موضع واحد، ولا مرتب السور. ا ه. عثمان،
ومعنى قول الناظم: كقصة اليمامة العسيرة؛ أن للصحف في مصحف عثمان هو قصة اختلاف القراء المشهورة، كما أن سبب جمع سبب تجريد المتقدم هو قصة حرب أبي بكر اليمامة الشديدة، وكيف لا تكون شديدة وقد مات فيها من المسلمين ألف ومائتان، منهم سبعمائة من حملة القرآن كما تقدم، وفي هذا البيت تعرض لبيان العلة الحاملة على الجمعين.
وأما قوله: ليقتدي الأنام ولا يكون بعده اضطراب، فهو بيان للعلة الغائية في الجمع الثاني.
تنبيهان:
الأول: اختلف في فالذي عليه الأكثر أنها أربعة؛ أرسل منها سيدنا عدد المصاحف العثمانية؛ مصحفا إلى عثمان الشام، ومصحفا إلى الكوفة، ومصحفا إلى البصرة، وأبقى مصحفا بالمدينة، وقيل: خمسة، الأربعة المذكورة، والخامس أرسله إلى مكة، وقيل: ستة، الخمسة المتقدمة، والسادس أرسله إلى البحرين، وقيل: سبعة، الستة المتقدمة والسابع أرسله إلى اليمن، وقيل: ثمانية، السبعة المتقدمة، والثامن: هو الذي جمع فيه سيدنا القرآن أولا، ثم نسخ منه المصاحف، وهو المسمى بالإمام، وكان يقرأ فيه، وكان في حجره حين قتل، ولم يكتب سيدنا عثمان واحدا منها، وإنما أمر بكتابتها، وكانت كلها مكتوبة على الكاغد إلا المصحف الذي كان عنده عثمان بالمدينة، فإنه على رق الغزال.
واعلم: أن الأئمة لم يلتزموا النقل عن المصاحف الثمانية مباشرة، بل ربما نقلوا عن مصحف منها بعينه، وربما نقلوا عن المصاحف مع حكاية إجماعها أو دونه، وربما نقلوا عن المصاحف المدنية أو المكية أو الشامية أو العراقية اعتمادا منهم على أن المظنون بمصاحف الأمصار متابعة كل واحد منها مصحف مصره العثماني، ولم يعهد منهم النقل عن مصحفي اليمن والبحرين لنقل الجعبري عن أبي علي أن [ ص: 16 ] -رضي الله عنه- أمر عثمان أن يقرأ بالمدني، وبعث زيد بن ثابت مع عبد الله بن السائب المكي، والمغيرة بن شهاب مع الشامي، وأبا عبد الرحمن السلمي مع الكوفي، وعامر بن قيس مع البصري، وبعث مصحفا إلى اليمن، وآخر إلى البحرين، فلم نسمع لهما خبرا، ولا علمنا من أنفذ معهما، قال: ولهذا انحصر الأئمة السبعة في الخمسة الأمصار، ثم قال الجعبري: والاعتماد في نقل القرآن متفقا ومختلفا على الحفاظ، ولهذا أنفذهم إلى أقطار الإسلام للتعلم، وجعل هذه المصاحف أصولا ثواني حرصا على الإنفاذ، ومن ثم أرسل إلى كل إقليم المصحف الموافق لقراءة قارئه في الأكثر، وليس لازما كما توهم. ا ه.
التنبيه الثاني: قد تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرءوا ما تيسر منه".
وقد اختلف العلماء في المراد بهذه الأحرف السبعة على نحو أربعين قولا، والذي عليه معظمهم، وصححه البيهقي، واختاره الأبهري وغيره، واقتصر عليه في القاموس أنها لغات.
ومن حكم إتيانه عليها التخفيف والتيسير على هذه الأمة في التكلم بكتابهم كما خفف عليهم في شريعتهم، وهذا كالمصرح به في الأحاديث الصحيحة كقوله صلى الله عليه وسلم: "إن ربي أرسل إلي أن اقرأ القرآن على حرف واحد، فرددت إليه أن هون على أمتي، ولم يزل يردد حتى بلغ سبعة أحرف".
ومقتضى كلام في العقيلة، وصرح به الشاطبي الجعبري، وابن الجزري في المنجد وغيرهما أن الصحف المكتوبة بإذن كانت مشتملة على الأحرف السبعة، وأما المصاحف العثمانية فقد اختلفوا في اشتمالها عليها، فذهب جماعة القراء والفقهاء والمتكلمين إلى أن جميع المصاحف العثمانية مشتملة على جميع الأحرف السبعة، وذهب بعضهم إلى أنها مشتملة على حرف واحد، وذهب جماهير العلماء من السلف والخلف إلى أنها مشتملة على ما يحتمله رسمها من الأحرف السبعة فقط جامعة للعرضة الأخيرة التي عرضها صلى الله عليه وسلم على أبي بكر جبريل، ولم تترك حرفا منها، وهذا القول الثالث قال في النشر: هو الذي يظهر صوابه; لأن الأحاديث الصحيحة والآثار المشهورة تدل عليه. ا ه.
وقوله: ليقتدي يقرأ [ ص: 17 ] بإسكان الياء على أن نصبه مقدر للوزن، والناصب له أن مضمرة بعد اللام.
وقوله: ولا يكون بالنصب عطف على يقتدي.