وقال: (فلا إثم عليه) فنصبهما بغير تنوين.
وذلك أن كل اسم منكور نفيته بـ"لا" وجعلت "لا" إلى جنب الاسم فهو مفتوح بغير تنوين؛ لأن "لا" مشبهة بالفعل، كما شبهت "إن" و "ما" بالفعل. و (فيه) في موضع خبرها وخبرها رفع، وهو بمنزلة الفاعل، وصار المنصوب بمنزلة المفعول به، و (لا) بمنزلة الفعل.
وإنما حذفت التنوين منه لأنك جعلته و "لا" اسما واحدا، وكل شيئين
[ ص: 25 ] جعلا اسما [ واحدا] لم يصرفا، والفتحة التي فيه لجميع الاسم، بني عليها وجعل غير متمكن. والاسم الذي بعد "لا" في موضع نصب عملت فيه "لا".
وأما قوله: (لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) فالوجه فيه الرفع؛ لأن المعطوف عليه لا يكون إلا رفعا ورفعته لتعطف الآخر عليه. وقد قرأها قوم نصبا، وجعلوا الآخر على الابتداء،
وقوله: (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) فالوجه: النصب؛ لأن هذا نفي ولأنه كله نكرة. وقد قال قوم (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) فرفعوه كله، وذلك أنه قد يكون هذا المنصوب كله مرفوعا في بعض كلام العرب. قال الشاعر: [ الراعي ]:
(7) وما صرمتك حتى قلت معلنة لا ناقة لي في هذا ولا جمل
وهذا جواب لقوله: "هل فيه رفث أو فسوق" فقد رفع الأسماء بالابتداء وجعل لها خبرا، فلذلك يكون جوابه رفعا. وإذا قال: "لا شيء" فإنما هو جواب:[ ص: 26 ] هل من شيء أولى؟" لأن "هل من شيء" قد أعمل فيه "من" بالجر وأضمر الخبر، والموضع مرفوع، مثل: "بحسبك أن تشتمني" إنما هو "حسبك أن تشتمني"، فالموضع مرفوع والباء قد عملت. وقد قال قوم: (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) فرفعوا الأول على ما يجوز في هذا من الرفع، أو على النهي، كأنه قال "فلا يكونن فيه رفث ولا فسوق" كما تقول: "سمعك إلي"؛ تقولها العرب فترفعها، وكما تقول للرجل: "حسبك" و "كفيك". وجعل "الجدال" [نصبا] على النفي. وقال الشاعر: [رجل من بني مذحج ].
(8) ذاكم وجدكم الصغار بأسره لا أم لي إن كان ذاك ولا أب
وأما قوله: (لا فيها غول) فرفع لأن [لا] لا تقوى أن تعمل إذا فصلت، وقد فصلتها بـ "فيها" فرفع على الابتداء، ولم تعمل "لا".
وقوله: (فيه هدى للمتقين) و "عليه" و "إليه"، وأشباه ذلك في القرآن كثير. وذلك أن العرب إذا كان قبل هذه الهاء التي للمذكر ياء ساكنة، حذفوا الياء التي تجيء من بعد
[ ص: 27 ] الهاء أو الواو؛ لأن الهاء حرف خفي وقع بين حرفين متشابهين؛ فثقل ذلك. فمن كان من لغته إلحاق الواو إذا كان قبلها كسرة ولم تكن قبلها الياء، ترك الهاء مضمومة؛ إذا كان قبلها الياء الساكنة. ومن كان من لغته إلحاق الياء ترك الهاء مكسورة إذا كان قبلها الياء الساكنة. وكذلك إذا كان قبل الهاء ألف ساكنة أو واو فإنه يحذف الواو التي تكون بعد الهاء، ولكن الهاء لا تكون إلا مضمومة نحو (فألقى موسى عصاه) وقوله: (فكذبوه) وقوله: (فأنجيناه) وأشباه هذا في القرآن كثير.
ومن العرب من يتم؛ لأن ذلك من الأصل فيقول: (فكذبوهو) (فأنجيناهو) (وألقى موسى عصاهو) و (لا ريب فيهو هدى للمتقين) وهي قراءة أهل المدينة. وقد قال قوم: (إني لكم منه نذير مبين) فألقوا الواو وشبهوا الساكن بالياء والواو والألف. وهذا ليس بجيد في العربية، وأجوده : (منهو نذير) يلحق الواو وإن كانت لا تكتب.
وكل هذا إذا سكت عليه لم تزد على الهاء شيئا،
ولا تكسر هذه الهاء إلا أن تكون قبلها ياء ساكنة أو حرف مكسور، وإنما يكسر بنو تميم. فأما أهل الحجاز فإنهم يضمون بعد الكسر وبعد الياء أيضا. قال: (ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون) .
[ ص: 28 ] وأهل الحجاز: (من بعدهو) فيثبتون الواو في كل موضع.
ومن العرب من يحذف الواو والياء في هذا النحو أيضا، وذلك قليل قبيح يقول: "مررت به قبل" و "به قبل" يكسرون ويضمون، ولا يلحقون واوا ولا ياء، فيقولون: "رأيته قبل" فلا يلحقون واوا. وقد سمعنا بعض ذلك من العرب الفصحاء.
قد قرأ بعض القراء : (فيه هدى) فأدغم الهاء الأولى في هاء : (هدى) ؛ لأنهما التقتا وهما مثلان.
وزعموا أن من العرب من يؤنث "الهدى". ومنهم من يسكن هاء الإضمار للمذكر؛ قال الشاعر: [يعلى الأحول الأزدي ]:
(9) فظلت لدى البيت العتيق أخيله ومطواي مشتاقان له أرقان