[ ص: 336 ] فصل وأما : فإنه ثابت بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجماع المسلمين فقد روى أهل السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه أنه قال : { حد الشرب } وثبت عنه أنه جلد الشارب غير مرة هو وخلفاؤه والمسلمون بعده . من شرب الخمر فاجلدوه ثم إن شرب فاجلدوه ثم إن شرب فاجلدوه ثم إن شرب الرابعة فاقتلوه
والقتل عند أكثر العلماء منسوخ . وقيل : هو محكم . يقال : هو تعزير يفعله الإمام عند الحاجة .
وقد ثبت { أبو بكر رضي الله عنه أربعين وضرب عمر في خلافته ثمانين . وكان علي رضي الله عنه يضرب مرة أربعين ومرة ثمانين } . فمن العلماء من يقول : يجب ضرب الثمانين . ومنهم من يقول : الواجب أربعون والزيادة يفعلها الإمام عند الحاجة إذا أدمن الناس الخمر . أو كان الشارب ممن لا يرتدع بدونها ونحو ذلك . عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ضرب في الخمر بالجريد والنعال أربعين . وضرب
[ ص: 337 ] فأما مع قلة الشاربين وقرب أمر الشارب فتكفي الأربعون . وهذا أوجه القولين وهو قول الشافعي وأحمد . رحمهما الله في إحدى الروايتين عن أحمد .
وقد كان عمر رضي الله عنه - لما كثر الشرب - زاد فيه النفي وحلق الرأس مبالغة في الزجر عنه فلو غرب الشارب مع الأربعين لينقطع خبره أو عزله عن ولايته كان حسنا ; فإن رضي الله عنه بلغه عن بعض نوابه أنه تمثل بأبيات في الخمر فعزله . عمر بن الخطاب
من أي أصل كان سواء كان من الثمار كالعنب والرطب والتين . أو الحبوب كالحنطة والشعير . أو الطلول كالعسل . أو الحيوان كلبن الخيل . بل لما أنزل الله سبحانه وتعالى على نبيه والخمر التي حرمها الله ورسوله وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بجلد شاربها كل شراب مسكر محمد صلى الله عليه وسلم تحريم الخمر لم يكن عندهم بالمدينة من خمر العنب شيء ; لأنه لم يكن بالمدينة شجر عنب وإنما كانت تجلب من الشام كان عامة شرابهم من نبيذ التمر وقد تواترت السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين وأصحابه رضي الله عنهم أنه حرم كل مسكر وبين أنه خمر .
وكانوا يشربون النبيذ الحلو وهو أن ينبذ في الماء تمر وزبيب [ ص: 338 ] أي يطرح فيه والنبذ الطرح - ليحلو الماء لا سيما كثير من مياه الحجاز فإن فيه ملوحة فهذا النبيذ حلال بإجماع المسلمين ; لأنه لا يسكر ; كما ; وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد نهاهم أن ينبذوا هذا النبيذ في أوعية الخشب أو الجرى وهو ما يصنع من التراب أو القرع أو الظروف المزفتة وأمرهم أن ينبذوا في الظروف التي تربط أفواهها بالأوكية ; لأن الشدة تدب في النبيذ دبيبا خفيفا ولا يشعر الإنسان فربما شرب الإنسان ما قد دبت فيه الشدة المطربة وهو لا يشعر فإذا كان السقاء موكى انشق الظرف إذا غلا فيه النبيذ فلا يقع الإنسان في محذور وتلك الأوعية لا تنشق . يحل شرب عصير العنب قبل أن يصير مسكرا
وروي عنه أنه صلى الله عليه وسلم رخص بعد هذا في الانتباذ في الأوعية وقال : { } فاختلف كنت نهيتكم عن الانتباذ في الأوعية فانتبذوا ولا تشربوا المسكر الصحابة ومن بعدهم من العلماء . منهم من لم يبلغه النسخ أو لم يثبته فنهى عن الانتباذ في الأوعية . ومنهم من اعتقد ثبوته وأنه ناسخ فرخص في الانتباذ في الأوعية فسمع طائفة من الفقهاء أن بعض الصحابة كانوا يشربون النبيذ فاعتقدوا أنه المسكر فترخصوا في شرب أنواع من الأشربة التي ليست من العنب والتمر . وترخصوا في المطبوخ من نبيذ التمر والزبيب إذا لم يسكر الشارب .
[ ص: 339 ] والصواب ما عليه جماهير المسلمين : أن كل مسكر خمر يجلد شاربه ولو شرب منه قطرة واحدة لتداو أو غير تداو { فقال : إنها داء وليست بدواء . وإن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها الخمر يتداوى بها } . فإن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن
; فإن وجدت منه رائحة الخمر أو رئي وهو يتقيؤها ونحو ذلك . فقد قيل : لا يقام عليه الحد لاحتمال أنه شرب ما ليس بخمر أو شربها جاهلا بها أو مكرها ونحو ذلك . وقيل : بل يجلد إذا عرف أن ذلك مسكر . وهذا هو المأثور عن الخلفاء الراشدين وغيرهم من والحد واجب إذا قامت البينة أو اعترف الشارب الصحابة : كعثمان وعلي وابن مسعود ; وعليه تدل سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي يصلح عليه الناس وهو مذهب مالك . وأحمد في غالب نصوصه وغيرهما .
أيضا يجلد صاحبها كما يجلد شارب الخمر وهي أخبث من الخمر من جهة أنها تفسد العقل والمزاج حتى يصير في الرجل تخنث ودياثة وغير ذلك من الفساد والخمر أخبث ; من جهة أنها تفضي إلى المخاصمة والمقاتلة وكلاهما يصد عن ذكر الله تعالى وعن الصلاة . والحشيشة المصنوعة من ورق العنب حرام
وقد توقف بعض الفقهاء المتأخرين في حدها ورأى أن آكلها [ ص: 340 ] يعزر بما دون الحد ; حيث ظنها تغير العقل من غير طرب بمنزلة ولم نجد للعلماء المتقدمين فيها كلاما وليس كذلك بل آكلوها ينشون عنها ويشتهونها كشراب الخمر وأكثر وتصدهم عن ذكر الله وعن الصلاة إذا أكثروا منها مع ما فيها من المفاسد الأخرى : من الدياثة والتخنث وفساد المزاج والعقل وغير ذلك . البنج
ولكن لما كانت جامدة مطعومة ليست شرابا تنازع الفقهاء في نجاستها على ثلاثة أقوال : في مذهب أحمد وغيره . فقيل : هي نجسة كالخمر المشروبة وهذا هو الاعتبار الصحيح . وقيل : لا ; لجمودها . وقيل : يفرق بين جامدها ومائعها . وبكل حال فهي داخلة فيما حرمه الله ورسوله من الخمر والمسكر لفظا ومعنى . { أبو موسى الأشعري رضي الله عنه يا رسول الله أفتنا في شرابين كنا نصنعهما باليمن : البتع وهو من العسل ينبذ حتى يشتد . والمزر وهو من الذرة والشعير ينبذ حتى يشتد قال : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أعطي جوامع الكلم وخواتيمه . فقال : كل مسكر حرام } . متفق عليه في الصحيحين . قال
وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { } . رواه [ ص: 341 ] إن من الحنطة خمرا ومن الشعير خمرا ومن الزبيب خمرا ومن التمر خمرا ومن العسل خمرا وأنا أنهى عن كل مسكر أبو داود وغيره ; ولكن هذا في الصحيحين عن عمر موقوفا عليه ; أنه خطب به على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " الخمر ما خامر العقل " وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { } وفي رواية : { كل مسكر خمر وكل مسكر حرام } رواهما كل مسكر خمر وكل خمر حرام مسلم في صحيحه . وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { } قال كل مسكر حرام وما أسكر الفرق منه فملء الكف منه حرام الترمذي حديث حسن . وروى أهل السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه أنه قال : { } . وصححه الحفاظ . وعن ما أسكر كثيره فقليله حرام جابر رضي الله عنه { } رواه أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن شراب يشربونه بأرضهم من الذرة يقال لا : المزر فقال : أمسكر هو ؟ قال : نعم . فقال : كل مسكر حرام ; إن على الله عهدا لمن شرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال . قالوا : يا رسول الله وما طينة الخبال ؟ قال : عرق أهل النار أو عصارة أهل النار مسلم في صحيحه . وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { } رواه كل مخمر خمر كل مسكر حرام أبو داود .
والأحاديث في هذا الباب كثيرة مستفيضة جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 342 ] بما أوتيه من جوامع الكلم كل ما غطى العقل وأسكر ولم يفرق بين نوع ونوع ولا تأثير لكونه مأكولا أو مشروبا ; على أن الخمر قد يصطبغ بها والحشيشة قد تذاب في الماء وتشرب ; فكل خمر يشرب ويؤكل والحشيشة تؤكل وتشرب وكل ذلك حرام ; وإنما لم يتكلم المتقدمون في خصوصها ; لأنه إنما حدث أكلها من قريب في أواخر المائة السادسة أو قريبا من ذلك كما أنه قد أحدثت أشربة مسكرة بعد النبي صلى الله عليه وسلم وكلها داخلة في الكلم الجوامع من الكتاب والسنة .