ومن
nindex.php?page=treesubj&link=28783_29692علم الله الشامل بمفاتح الغيب ، وبما يجري في جنبات الكون ، ينتقل السياق إلى مجال من مجالات هذا العلم الشامل ، في ذوات البشر ، ومجال كذلك من مجالات الهيمنة الإلهية ، بعد العلم المحيط :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=60وهو الذي يتوفاكم بالليل، ويعلم ما جرحتم بالنهار، ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى، ثم إليه مرجعكم، ثم ينبئكم بما كنتم تعملون . .
بضع كلمات أخرى ، كالتي رسمت آفاق الغيب وآماده وأغواره ، وأشارت إلى مدى العلم الإلهي وشموله في الآية السابقة . . بضع كلمات أخرى تضم حياة البشرية كلها في قبضة الله - سبحانه - وفي علمه وقدره وتدبيره . . صحوهم ومنامهم . . موتهم وبعثهم . حشرهم وحسابهم . . ولكن على "طريقة القرآن " المعجزة في الإحياء والتشخيص ، وفي لمس المشاعر واستجاشتها ، مع كل صورة وكل مشهد وكل حركة يرسمها تعبيره العجيب .
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=60وهو الذي يتوفاكم بالليل . .
فهي الوفاة إذن حين يأخذهم النعاس ; هي الوفاة في صورة من صورها بما يعتري الحواس من غفلة ، وما يعتري الحس من سهوة ، وما يعتري العقل من سكون ، وما يعتري الوعي من سبات - أي انقطاع - وهو السر الذي لا يعلم البشر كيف يحدث ; وإن عرفوا ظواهره وآثاره وهو "الغيب " في صورة من صوره الكثيرة المحيطة بالإنسان . . وهؤلاء هم البشر مجردين من كل حول وطول - حتى من الوعي - ها هم أولاء في سبات وانقطاع عن الحياة . ها هم أولاء في قبضة الله - كما هم دائما في الحقيقة - لا يردهم إلى الصحو والحياة الكاملة إلا إرادة الله . . فما أضعف البشر في قبضة الله !
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=60ويعلم ما جرحتم بالنهار . .
[ ص: 1122 ] فما تتحرك جوارحهم لأخذ أو ترك ، إلا وعند الله علم بما كسبت من خير أو شر . . وهؤلاء هم البشر مراقبين في الحركات والسكنات ; لا يند عن علم الله منهم شيء ، مما تكسبه جوارحهم بعد الصحو بالنهار !
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=60ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى . .
أي يوقظكم في النهار من سباتكم وانقطاعكم ; لتتم آجالكم التي قضاها الله . . وهؤلاء هم البشر داخل المجال الذي قدره الله . لا مهرب لهم منه ، ولا منتهى لهم سواه !
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=60ثم إليه مرجعكم . .
فهي الأوبة إلى الراعي بعد انقضاء المراح !
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=60ثم ينبئكم بما كنتم تعملون . .
فهو عرض السجل الذي وعى ما كان ، وهو العدل الدقيق الذي لا يظلم في الجزاء .
وهكذا تشمل الآية الواحدة ، ذات الكلمات المعدودة ، ذلك الشريط الحافل بالصور والمشاهد ، والمقررات والحقائق ، والإيحاءات والظلال . . فمن ذا الذي يملك أن يصنع ذلك ؟ وكيف تكون الآيات الخوارق ، إن لم تكن هي هذه ؟ التي يغفل عنها المكذبون ، ويطلبون الخوارق المادية وما يتبعها من العذاب الأليم !
وَمِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=28783_29692عِلْمِ اللَّهِ الشَّامِلِ بِمَفَاتِحِ الْغَيْبِ ، وَبِمَا يَجْرِي فِي جَنْبَاتِ الْكَوْنِ ، يَنْتَقِلُ السِّيَاقُ إِلَى مَجَالٍ مِنْ مَجَالَاتِ هَذَا الْعِلْمِ الشَّامِلِ ، فِي ذَوَاتِ الْبَشَرِ ، وَمَجَالٍ كَذَلِكَ مِنْ مَجَالَاتِ الْهَيْمَنَةِ الْإِلَهِيَّةِ ، بَعْدَ الْعِلْمِ الْمُحِيطِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=60وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ، وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ، ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى، ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ، ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ . .
بِضْعُ كَلِمَاتٍ أُخْرَى ، كَالَّتِي رَسَمَتْ آفَاقَ الْغَيْبِ وَآمَادَهُ وَأَغْوَارَهُ ، وَأَشَارَتْ إِلَى مَدَى الْعِلْمِ الْإِلَهِيِّ وَشُمُولِهِ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ . . بِضْعُ كَلِمَاتٍ أُخْرَى تَضُمُّ حَيَاةَ الْبَشَرِيَّةِ كُلَّهَا فِي قَبْضَةِ اللَّهِ - سُبْحَانَهُ - وَفِي عِلْمِهِ وَقَدَرِهِ وَتَدْبِيرِهِ . . صَحْوُهُمْ وَمَنَامُهُمْ . . مَوْتُهُمْ وَبَعْثُهُمْ . حَشْرُهُمْ وَحِسَابُهُمْ . . وَلَكِنْ عَلَى "طَرِيقَةِ الْقُرْآنِ " الْمُعْجِزَةِ فِي الْإِحْيَاءِ وَالتَّشْخِيصِ ، وَفِي لَمْسِ الْمَشَاعِرِ وَاسْتِجَاشَتِهَا ، مَعَ كُلِّ صُورَةٍ وَكُلِّ مَشْهَدٍ وَكُلِّ حَرَكَةٍ يَرْسُمُهَا تَعْبِيرُهُ الْعَجِيبُ .
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=60وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ . .
فَهِيَ الْوَفَاةُ إِذَنْ حِينَ يَأْخُذُهُمُ النُّعَاسُ ; هِيَ الْوَفَاةُ فِي صُورَةٍ مِنْ صُوَرِهَا بِمَا يَعْتَرِي الْحَوَاسَّ مِنْ غَفْلَةٍ ، وَمَا يَعْتَرِي الْحِسَّ مِنْ سَهْوَةٍ ، وَمَا يَعْتَرِي الْعَقْلَ مِنْ سُكُونٍ ، وَمَا يَعْتَرِي الْوَعْيَ مِنْ سُبَاتٍ - أَيِ انْقِطَاعٌ - وَهُوَ السِّرُّ الَّذِي لَا يَعْلَمُ الْبَشَرُ كَيْفَ يَحْدُثُ ; وَإِنْ عَرَفُوا ظَوَاهِرَهُ وَآثَارَهُ وَهُوَ "الْغَيْبُ " فِي صُورَةٍ مِنْ صُوَرِهِ الْكَثِيرَةِ الْمُحِيطَةِ بِالْإِنْسَانِ . . وَهَؤُلَاءِ هُمُ الْبَشَرُ مُجَرَّدِينَ مِنْ كُلِّ حَوْلٍ وَطَوْلٍ - حَتَّى مِنَ الْوَعْيِ - هَا هُمْ أُولَاءِ فِي سُبَاتٍ وَانْقِطَاعٍ عَنِ الْحَيَاةِ . هَا هُمْ أُولَاءِ فِي قَبْضَةِ اللَّهِ - كَمَا هُمْ دَائِمًا فِي الْحَقِيقَةِ - لَا يَرُدُّهُمْ إِلَى الصَّحْوِ وَالْحَيَاةِ الْكَامِلَةِ إِلَّا إِرَادَةُ اللَّهِ . . فَمَا أَضْعَفَ الْبَشَرَ فِي قَبْضَةِ اللَّهِ !
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=60وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ . .
[ ص: 1122 ] فَمَا تَتَحَرَّكُ جَوَارِحُهُمْ لِأَخْذٍ أَوْ تَرْكٍ ، إِلَّا وَعِنْدَ اللَّهِ عِلْمٌ بِمَا كَسَبَتْ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ . . وَهَؤُلَاءِ هُمُ الْبَشَرُ مُرَاقَبِينَ فِي الْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ ; لَا يَنِدُّ عَنْ عِلْمِ اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ ، مِمَّا تَكْسِبُهُ جَوَارِحُهُمْ بَعْدَ الصَّحْوِ بِالنَّهَارِ !
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=60ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى . .
أَيْ يُوقِظُكُمْ فِي النَّهَارِ مِنْ سُبَاتِكُمْ وَانْقِطَاعِكُمْ ; لِتَتِمَّ آجَالُكُمُ الَّتِي قَضَاهَا اللَّهُ . . وَهَؤُلَاءِ هُمُ الْبَشَرُ دَاخِلَ الْمَجَالِ الَّذِي قَدَّرَهُ اللَّهُ . لَا مَهْرَبَ لَهُمْ مِنْهُ ، وَلَا مُنْتَهَى لَهُمْ سِوَاهُ !
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=60ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ . .
فَهِيَ الْأَوْبَةُ إِلَى الرَّاعِي بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمَرَاحِ !
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=60ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ . .
فَهُوَ عَرْضُ السِّجِلِّ الَّذِي وَعَى مَا كَانَ ، وَهُوَ الْعَدْلُ الدَّقِيقُ الَّذِي لَا يَظْلِمُ فِي الْجَزَاءِ .
وَهَكَذَا تَشْمَلُ الْآيَةُ الْوَاحِدَةُ ، ذَاتُ الْكَلِمَاتِ الْمَعْدُودَةِ ، ذَلِكَ الشَّرِيطَ الْحَافِلَ بِالصُّوَرِ وَالْمَشَاهِدِ ، وَالْمُقَرَّرَاتِ وَالْحَقَائِقِ ، وَالْإِيحَاءَاتِ وَالظِّلَالِ . . فَمَنْ ذَا الَّذِي يَمْلِكُ أَنْ يَصْنَعَ ذَلِكَ ؟ وَكَيْفَ تَكُونُ الْآيَاتُ الْخَوَارِقُ ، إِنْ لَمْ تَكُنْ هِيَ هَذِهِ ؟ الَّتِي يَغْفُلُ عَنْهَا الْمُكَذِّبُونَ ، وَيَطْلُبُونَ الْخَوَارِقَ الْمَادِّيَّةَ وَمَا يَتْبَعُهَا مِنَ الْعَذَابِ الْأَلِيمِ !