فلنلق نظرة على وقفة "العلم " أمام "الغيب " في بحوث وأقوال العلماء من بني الإنسان لا لنصدق بها كلمة الفصل من الله سبحانه - فحاشا للمؤمن أن يصدق قول الله بقول البشر - ولكننا نقف هذه الوقفة لنحاكم الذين يلوكون كلمات العلم والغيب ، والعلمية والغيبية ، إلى ما يؤمنون هم به من قول البشر ! ليعلموا أن عليهم هم أن يحاولوا "الثقافة " و "المعرفة " ليعيشوا في زمانهم ; ولا يكونوا متخلفين عن عقليته ومقررات تجاربه ! وليستيقنوا أن "الغيب " هو الحقيقة "العلمية " الوحيدة المستيقنة من وراء كل التجارب والبحوث والعلم الإنساني ذاته ! وأن "العلمية " في ضوء التجارب والنتائج الأخيرة مرادفة تماما "للغيبية " . . أما الذي يقابل الغيبية حقا فهو "الجهلية " ! ! ! الجهلية التي تعيش في القرن السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر - ربما - ولكنها لا تعيش في القرن العشرين ! ! !
عالم معاصر - من
أمريكا - يقول عن "الحقائق " التي يصل إليها "العلم " بجملتها :
"إن العلوم حقائق مختبرة ; ولكنها مع ذلك تتأثر بخيال الإنسان وأوهامه ومدى بعده عن الدقة في ملاحظاته وأوصافه واستنتاجاته . ونتائج العلوم مقبولة داخل هذه الحدود . فهي بذلك مقصورة على الميادين الكمية في الوصف والتنبؤ . وهي تبدأ بالاحتمالات ، وتنتهي بالاحتمالات كذلك . . وليس باليقين . . ونتائج العلوم بذلك تقريبية ، وعرضة للأخطاء المحتملة في القياس والمقارنات ونتائجها اجتهادية ، وقابلة للتعديل بالإضافة
[ ص: 1116 ] والحذف ، وليست نهائية . وإننا لنرى أن العالم عندما يصل إلى قانون أو نظرية يقول : إن هذا هو ما وصلنا إليه حتى الآن ، ويترك الباب مفتوحا لما قد يستجد من التعديلات " .
وهذه الكلمة تلخص حقيقة جميع النتائج التي وصل إليها العلم ، والتي يمكن أن يصل إليها كذلك ، فطالما أن "الإنسان " بوسائله المحدودة ، بل بوجوده المحدود بالقياس إلى الأزل والأبد هو الذي يحاول الوصول إلى هذه النتائج ; فإنه من الحتم أن تكون مطبوعة بطابع هذا الإنسان ، ولها مثل خصائصه من كونها محدودة المدى ; وقابلة للخطأ والصواب ، والتعديل والتبديل . .
على أن الوسيلة التي يصل بها الإنسان إلى أية نتيجة هي التجربة والقياس . فهو يجرب ، ثم يعمم النتيجة التي يصل إليها عن طريق القياس ; والقياس - باعتراف العلم وأهله - وسيلة تؤدي إلى نتيجة ظنية ; ولا يمكن أبدا أن تكون قطعية ولا نهائية . والوسيلة الأخرى - وهي التجربة والاستقصاء بمعنى تعميم التجربة على كل ما هو من جنس ما وقعت عليه التجارب في جميع الأزمنة وفي جميع الظروف - وسيلة غير مهيأة للإنسان .
وهي إحدى الوسائل الموصلة إلى نتائج قطعية . ولا سبيل إلى نتيجة قطعية وحقيقة يقينية إلا عن طريق هدى الله الذي يبينه للناس . ومن ثم يبقى علم الإنسان فيما وراء ما قرره الله له ، علما ظنيا لا يصل إلى مرتبة اليقين بحال !
على أن "الغيب " ضارب حول الإنسان فيما وراء ما يصل إليه علمه الظني ذاك . . .
هذا الكون من حوله . . إنه ما يزال يضرب في الفروض والنظريات حول مصدره ونشأته وطبيعته وحول حركته ، وحول "الزمان " ما هو وحول "المكان " وارتباطه بالزمان وارتباط ما يجري في الكون بالزمان والمكان .
والحياة . ومصدرها . ونشأتها . وطبيعتها . وخط سيرها . والمؤثرات فيها . وارتباطها بهذا الوجود "المادي " ! إن كان هناك في الكون مادة على الإطلاق ذات طبيعة غير طبيعة "الفكر " وغير طبيعة الطاقة على العموم !
"والإنسان " ما هو ؟ ما الذي يميزه من المادة ؟ وما الذي يميزه عن بقية الأحياء ؟ وكيف جاء إلى هذه الأرض وكيف يتصرف ؟ وما "العقل " الذي يتميز به ويتصرف ؟ وما مصيره بعد الموت والانحلال ؟ . .
بل هذا الكيان الإنساني ذاته ، ما الذي يجري في داخله من تحليل وتركيب في كل لحظة ؟ وكيف يجري ؟ . . إنها كلها ميادين للغيب ، يقف العلم على حافاتها ، ولا يكاد يقتحمها ، حتى على سبيل الظن والترجيح . وإن هي إلا فروض واحتمالات !
ولندع ما لا يشغل العلم به نفسه - إلا قليلا في هذا القرن - من حقيقة الألوهية ، وحقيقة العوالم الأخرى من ملائكة وجن وخلق لا يعلمه إلا الله . ومن حقيقة الموت ، وحقيقة الآخرة . وحقيقة الحساب والجزاء . . لندع هذا كله لحظة ففي "الغيب " القريب ، الكفاية ، ومن هذا الغيب يقف العلم وقفة التسليم ، الذي لا يخرج عنه إلا من يؤثرون المراء على "العلم " والتبجح على الإخلاص !
[ ص: 1117 ] ونضرب بعض الأمثال . .
1 - في قاعدة بناء الكون وسلوكه :
الذرة - فيما يقول العلم الحديث - قاعدة بناء الكون . وليست هي أصغر وحدة في بناء هذا العالم . فهي مؤلفة من بروتونات (طاقة كهربية موجبة ) وإلكترونات (طاقة كهربية سالبة ) ونيوترونات (طاقة محايدة مكونة من طاقة كهربائية موجبة وطاقة كهربائية سالبة متعادلتين ساكنتين ) وحين تحطم الذرة تتحرر الكهارب (الإلكترونات ) ولكنها لا تسلك في المعمل سلوكا حتميا موحدا . فهي تسلك مرة كأنها أمواج ضوئية ومرة كأنها قذائف . ولا يمكن تحديد سلوكها المقبل مقدما . وإنما هي تخضع لقانون آخر - غير الحتمية - هو قانون الاحتمالات . وكذلك تسلك الذرة نفسها ، والمجموعة المحدودة من الذرات (في صورة جزئيات ) هذا السلوك .
يقول سير
جيمس جيننر - الإنجليزي - الأستاذ في الطبيعيات والرياضيات :
"لقد كان العلم القديم يقرر تقرير الواثق ، أن الطبيعة لا تستطيع أن تسلك إلا طريقا واحدا : وهو الطريق الذي رسم من قبل ، لتسير فيه من بداية الزمن إلى نهايته ، وفي تسلسل مستمر بين علة ومعلول ، وألا مناص من أن الحالة (أ ) تتبعها الحالة (ب ) أما العلم الحديث فكل ما يستطيع أن يقوله حتى الآن هو : أن الحالة (أ ) يحتمل أن تتبعها (ب ) أو (ج ) أو (د ) أو غيرها من الحالات الأخرى التي يخطئها الحصر . نعم إن في استطاعته أن يقول : إن حدوث الحالة (ب ) أكثر احتمالا من حدوث الحالة (ج ) وإن الحالة (ج ) أكثر احتمالا من الحالة (د ) . . وهكذا . بل إن في مقدوره أن يحدد درجة احتمال كل حالة من الحالات (ب ) و (ج ) و (د ) بعضها بالنسبة إلى بعض . ولكنه لا يستطيع أن يتنبأ عن يقين : أي الحالات تتبع الأخرى . لأنه يتحدث دائما عما يحتمل . أما ما يجب أن يحدث فأمره موكول إلى الأقدار مهما تكن حقيقة هذه الأقدار ! " .
فماذا يكون "الغيب " وماذا يكون قدر الله المغيب عن علم الإنسان ، إن لم يكن هو هذا الذي تنتهي إليه تجارب العلم الإنساني ، وتقف على عتباته في صلب الكون وذراته ؟
ويضرب مثلا لذلك إشعاع ذرات الراديوم ، وتحولها إلى رصاص وهليوم . . وهي خاضعة تماما لقدر مجهول ، وغيب مستور ، يقف دونه علم الإنسان :
"ولنضرب لذلك مثلا ماديا يزيده وضوحا : من المعروف أن ذرات الراديوم وغيره من المواد ذات النشاط الإشعاعي ، تتفكك بمجرد مرور الزمن عليها ، وتخلف وراءها ذرات من الرصاص والهليوم . ولهذا فإن كتلة من الراديوم ينقص حجمها باستمرار ، ويحل مكانها رصاص وهليوم . والقانون العام الذي يتحكم في معدل التناقص غريب غاية الغرابة . ذلك أن كمية من الراديوم تنقص بنفس الطريقة التي ينقص بها عدد من السكان ، إذا لم تجد عليهم مواليد ، وكانت نسبة تعرض كل منهم للوفاة واحدة بغض النظر عن السن ; أو أنها تنقص كما ينقص عدد أفراد كتيبة من الجند معرضين لنيران ترسل عليهم اعتباطا ، ومن غير أن يكون أحدهم مقصودا لذاته . ومجمل القول إنه ليس لكبر السن أثر ما في ذرة الراديوم الواحدة . فإنها لا تموت لأنها قد استوفت حظها من الحياة ، بل لأن المنية قد أصابتها خبط عشواء " .
[ ص: 1118 ] "ولنوضح هذه الحقيقة بمثل مادي فنقول : إذا فرض أن بحجرتنا ألفين من ذرات الراديوم . فإن العلم لا يستطيع أن يقول : كم منها يبقى حيا بعد عام . بل كل ما يستطيعه هو أن يذكر فقط الاحتمالات التي ترجح بقاء 2000 أو 1999 أو 1998 ، وهكذا . وأكثر الأمور احتمالا في الواقع هو أن يكون العدد 1999 ، أي أن أرجح الاحتمالات هو أن ذرة واحدة لا أكثر من الألفي ذرة ، هي التي تتحلل في العام التالي " .
"ولسنا ندري بأية طريقة تختار تلك الذرة المعينة من بين هذه الألفي ذرة . وقد نشعر في بادئ الأمر بميل إلى افتراض أن هذه الذرة ستكون هي التي تتعرض للاصطدام أكثر من غيرها ، أو التي تقع في أشد الأمكنة حرارة ، أو التي يصادفها غير هذا أو ذاك من الأسباب في العام التالي . ولكن هذا كله غير صحيح ، لأنه إذا كان في استطاعة الصدمات أو الحرارة أن تفكك ذرة واحدة ، فإن في استطاعتها أيضا أن تفكك الـ 1999 ذرة الباقية ، ويكون في استطاعتنا أن نعجل بتفكيك الراديوم بمجرد ضغطه أو تسخينه ; ولكن كل عالم من علماء الطبيعة يقرر أن ذلك مستحيل ; بل هو يعتقد على الأرجح أن الموت يصيب في كل عام ذرة واحدة من كل 2000 من ذرات الراديوم ، ويضطرها إلى أن تتفكك . وهذه هي نظرية "التفكك التلقائي " التي وضعها
"رذرفورد" "وسدي" في عام 1903 .
فكيف إذن يكون القدر الغيبي إن لم يكن هو هذا الذي تتشعع به الذرات على غير اختيار منها ولا من أحد . وعلى غير علم منها ولا من أحد ؟ !
إن الرجل الذي يقول هذا الكلام ، لا يريد أن يثبت به القدر الإلهي المغيب عن الناس . بل إنه ليحاول جاهدا أن يهرب من ضغط النتائج التي ينتهي إليها العلم البشري ذاته . ولكن حقيقة الغيب تفرض نفسها عليه فرضا على النحو الذي نراه !
2 - وكما تفرض حقيقة "الغيب " نفسها على قاعدة بناء الكون وحركته ، فهي كذلك تفرض نفسها على قاعدة انبثاق الحياة وحركتها بنفس القوة في النتائج التي ينتهي إليها العلم البشري .
يقول عالم الأحياء والنبات
"رسل تشارلز إرنست" الأستاذ
بجامعة فرانكفورت بألمانيا :
"لقد وضعت نظريات عديدة لكي تفسر نشأة الحياة من عالم الجمادات ; فذهب بعض الباحثين إلى أن الحياة قد نشأت من البروتوجين ، أو من الفيروس ، أو من تجمع بعض الجزئيات البروتينية الكبيرة . وقد يخيل إلى بعض الناس أن هذه النظريات قد سدت الفجوة التي تفصل بين عالم الأحياء وعالم الجمادات . ولكن الواقع الذي ينبغي أن نسلم به هو أن جميع الجهود التي بذلت للحصول على المادة الحية من غير الحية ، قد باءت بفشل وخذلان ذريعين . ومع ذلك فإن من ينكر وجود الله لا يستطيع أن يقيم الدليل المباشر للعالم المتطلع على أن مجرد تجمع الذرات والجزئيات عن طريق المصادفة ، يمكن أن يؤدي إلى ظهور الحياة وصيانتها وتوجيهها بالصورة التي شاهدناها في الخلايا الحية . وللشخص مطلق الحرية في أن يقبل هذا التفسير لنشأة الحياة ، فهذا شأنه وحده ! ولكنه إذ يفعل ذلك ، فإنما يسلم بأمر أشد إعجازا وصعوبة على العقل من الاعتقاد بوجود الله ، الذي خلق الأشياء ودبرها " .
"إنني أعتقد أن كل خلية من الخلايا الحية قد بلغت من التعقد درجة يصعب علينا فهمها . وأن ملايين الملايين من الخلايا الحية الموجودة على سطح الأرض تشهد بقدرته شهادة تقوم على الفكر والمنطق . ولذلك فإنني
[ ص: 1119 ] أؤمن بوجود الله إيمانا راسخا " .
والذي يهمنا هنا من هذه الشهادة هو أن
nindex.php?page=treesubj&link=29692سر الحياة ونشأتها غيب من غيب الله ، كنشأة الكون وحركته ; وأن ليس لدى البشر عن ذلك إلا الاحتمالات . وصدق الله العظيم :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=51ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم . . .
3 - ونخطو خطوة واسعة لنصل إلى الإنسان . . إن الدفقة الواحدة من ماء الرجل تحتوي على نحو ستين مليونا من الحيوانات المنوية . . كلها تدخل في سباق لتلحق بالبويضة في رحم المرأة . . ولا يعلم أحد من الذي يسبق ! فهو غيب ، أو هو قدر غيبي لا علم للبشر به - بما فيهم الرجل والمرأة صاحبا الدور في هذا الأمر ! - ثم يصل السابق من بين ستين مليونا ! ويلتحم مع البويضة ليكونا معا خلية واحدة ملقحة هي التي ينتج منها الجنين . ولما كانت كل كروموسومات البويضة مؤنثة ، بينما كروموسومات الحيوان المنوي بعضها مذكر وبعضها مؤنث فإن غلبة عدد كروموسومات التذكير أو كروموسومات التأنيث في الحيوان المنوي الذي يلتحم بالبويضة ، هو الذي يقرر مصير الجنين - ذكرا أو أنثى - وهذا خاضع لقدر الله الغيبي لا علم به ولا دخل للبشر بما فيهم أبوا الجنين أنفسهما :
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=8الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد. وكل شيء عنده بمقدار nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=9عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال . . . (الرعد : 8 - 9 )
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=49لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=50أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما، إنه عليم قدير . . . (الشورى : 49 - 50 )
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=6يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث ذلكم الله ربكم له الملك، لا إله إلا هو فأنى تصرفون؟ . . . (الزمر : 6 ) .
هذا هو "الغيب " الذي يقف أمامه "العلم " البشري ; ويواجهه في القرن العشرين . . بينما الذين يعيشون على فتات القرون الماضية يزعمون أن "الغيبية " تنافي "العلمية " . وأن المجتمع الذي يريد أن يعيش بعقلية علمية ينبغي له أن يتخلص من العقلية الغيبية ! ذلك بينما العلم البشري ذاته . . علم القرن العشرين . . يقول : إن كل ما يصل إليه من النتائج هو "الاحتمالات " ! وإن الحقيقة المستيقنة الوحيدة هي أن هنالك "غيبا " لا شك فيه !
فَلْنُلْقِ نَظْرَةً عَلَى وَقْفَةِ "الْعِلْمِ " أَمَامَ "الْغَيْبِ " فِي بُحُوثِ وَأَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ مِنْ بَنِي الْإِنْسَانِ لَا لِنُصَدِّقَ بِهَا كَلِمَةَ الْفَصْلِ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ - فَحَاشَا لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُصَدِّقَ قَوْلَ اللَّهِ بِقَوْلِ الْبَشَرِ - وَلَكِنَّنَا نَقِفُ هَذِهِ الْوَقْفَةَ لِنُحَاكِمَ الَّذِينَ يَلُوكُونَ كَلِمَاتِ الْعِلْمِ وَالْغَيْبِ ، وَالْعِلْمِيَّةِ وَالْغَيْبِيَّةِ ، إِلَى مَا يُؤْمِنُونَ هُمْ بِهِ مِنْ قَوْلِ الْبَشَرِ ! لِيَعْلَمُوا أَنَّ عَلَيْهِمْ هُمْ أَنْ يُحَاوِلُوا "الثَّقَافَةَ " وَ "الْمَعْرِفَةَ " لِيَعِيشُوا فِي زَمَانِهِمْ ; وَلَا يَكُونُوا مُتَخَلِّفِينَ عَنْ عَقْلِيَّتِهِ وَمُقَرَّرَاتِ تَجَارِبِهِ ! وَلِيَسْتَيْقِنُوا أَنَّ "الْغَيْبَ " هُوَ الْحَقِيقَةُ "الْعِلْمِيَّةُ " الْوَحِيدَةُ الْمُسْتَيْقَنَةُ مِنْ وَرَاءِ كُلِّ التَّجَارِبِ وَالْبُحُوثِ وَالْعِلْمِ الْإِنْسَانِيِّ ذَاتِهِ ! وَأَنَّ "الْعِلْمِيَّةَ " فِي ضَوْءِ التَّجَارِبِ وَالنَّتَائِجِ الْأَخِيرَةِ مُرَادِفَةٌ تَمَامًا "لِلْغَيْبِيَّةِ " . . أَمَّا الَّذِي يُقَابِلُ الْغَيْبِيَّةَ حَقًّا فَهُوَ "الْجَهْلِيَّةُ " ! ! ! الْجَهْلِيَّةُ الَّتِي تَعِيشُ فِي الْقَرْنِ السَّابِعِ عَشَرَ وَالثَّامِنِ عَشَرَ وَالتَّاسِعِ عَشَرَ - رُبَّمَا - وَلَكِنَّهَا لَا تَعِيشُ فِي الْقَرْنِ الْعِشْرِينَ ! ! !
عَالِمٌ مُعَاصِرٌ - مِنْ
أَمْرِيكَا - يَقُولُ عَنِ "الْحَقَائِقِ " الَّتِي يَصِلُ إِلَيْهَا "الْعِلْمُ " بِجُمْلَتِهَا :
"إِنَّ الْعُلُومَ حَقَائِقُ مُخْتَبَرَةٌ ; وَلَكِنَّهَا مَعَ ذَلِكَ تَتَأَثَّرُ بِخَيَالِ الْإِنْسَانِ وَأَوْهَامِهِ وَمَدَى بُعْدِهِ عَنِ الدِّقَّةِ فِي مُلَاحَظَاتِهِ وَأَوْصَافِهِ وَاسْتِنْتَاجَاتِهِ . وَنَتَائِجُ الْعُلُومِ مَقْبُولَةٌ دَاخِلَ هَذِهِ الْحُدُودِ . فَهِيَ بِذَلِكَ مَقْصُورَةٌ عَلَى الْمَيَادِينِ الْكَمِّيَّةِ فِي الْوَصْفِ وَالتَّنَبُّؤِ . وَهِيَ تَبْدَأُ بِالِاحْتِمَالَاتِ ، وَتَنْتَهِي بِالِاحْتِمَالَاتِ كَذَلِكَ . . وَلَيْسَ بِالْيَقِينِ . . وَنَتَائِجُ الْعُلُومِ بِذَلِكَ تَقْرِيبِيَّةٌ ، وَعُرْضَةٌ لِلْأَخْطَاءِ الْمُحْتَمَلَةِ فِي الْقِيَاسِ وَالْمُقَارَنَاتِ وَنَتَائِجُهَا اجْتِهَادِيَّةٌ ، وَقَابِلَةٌ لِلتَّعْدِيلِ بِالْإِضَافَةِ
[ ص: 1116 ] وَالْحَذْفِ ، وَلَيْسَتْ نِهَائِيَّةً . وَإِنَّنَا لَنَرَى أَنَّ الْعَالِمَ عِنْدَمَا يَصِلُ إِلَى قَانُونٍ أَوْ نَظَرِيَّةٍ يَقُولُ : إِنَّ هَذَا هُوَ مَا وَصَلْنَا إِلَيْهِ حَتَّى الْآنَ ، وَيَتْرُكُ الْبَابَ مَفْتُوحًا لِمَا قَدْ يَسْتَجِدُّ مِنَ التَّعْدِيلَاتِ " .
وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ تُلَخِّصُ حَقِيقَةَ جَمِيعِ النَّتَائِجِ الَّتِي وَصَلَ إِلَيْهَا الْعِلْمُ ، وَالَّتِي يُمْكِنُ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهَا كَذَلِكَ ، فَطَالَمَا أَنَّ "الْإِنْسَانَ " بِوَسَائِلِهِ الْمَحْدُودَةِ ، بَلْ بِوُجُودِهِ الْمَحْدُودِ بِالْقِيَاسِ إِلَى الْأَزَلِ وَالْأَبَدِ هُوَ الَّذِي يُحَاوِلُ الْوُصُولَ إِلَى هَذِهِ النَّتَائِجِ ; فَإِنَّهُ مِنَ الْحَتْمِ أَنْ تَكُونَ مَطْبُوعَةً بِطَابَعِ هَذَا الْإِنْسَانِ ، وَلَهَا مِثْلُ خَصَائِصِهِ مِنْ كَوْنِهَا مَحْدُودَةَ الْمَدَى ; وَقَابِلَةً لِلْخَطَأِ وَالصَّوَابِ ، وَالتَّعْدِيلِ وَالتَّبْدِيلِ . .
عَلَى أَنَّ الْوَسِيلَةَ الَّتِي يَصِلُ بِهَا الْإِنْسَانُ إِلَى أَيَّةِ نَتِيجَةٍ هِيَ التَّجْرِبَةُ وَالْقِيَاسُ . فَهُوَ يُجَرِّبُ ، ثُمَّ يُعَمِّمُ النَّتِيجَةَ الَّتِي يَصِلُ إِلَيْهَا عَنْ طَرِيقِ الْقِيَاسِ ; وَالْقِيَاسُ - بِاعْتِرَافِ الْعِلْمِ وَأَهْلِهِ - وَسِيلَةٌ تُؤَدِّي إِلَى نَتِيجَةٍ ظَنِّيَّةٍ ; وَلَا يُمْكِنُ أَبَدًا أَنْ تَكُونَ قَطْعِيَّةً وَلَا نِهَائِيَّةً . وَالْوَسِيلَةُ الْأُخْرَى - وَهِيَ التَّجْرِبَةُ وَالِاسْتِقْصَاءُ بِمَعْنَى تَعْمِيمِ التَّجْرِبَةِ عَلَى كُلِّ مَا هُوَ مِنْ جِنْسِ مَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ التَّجَارِبُ فِي جَمِيعِ الْأَزْمِنَةِ وَفِي جَمِيعِ الظُّرُوفِ - وَسِيلَةٌ غَيْرُ مُهَيَّأَةٍ لِلْإِنْسَانِ .
وَهِيَ إِحْدَى الْوَسَائِلِ الْمُوَصِّلَةِ إِلَى نَتَائِجَ قَطْعِيَّةٍ . وَلَا سَبِيلَ إِلَى نَتِيجَةٍ قَطْعِيَّةٍ وَحَقِيقَةٍ يَقِينِيَّةٍ إِلَّا عَنْ طَرِيقِ هُدَى اللَّهِ الَّذِي يُبَيِّنُهُ لِلنَّاسِ . وَمِنْ ثَمَّ يَبْقَى عِلْمُ الْإِنْسَانِ فِيمَا وَرَاءَ مَا قَرَّرَهُ اللَّهُ لَهُ ، عِلْمًا ظَنِّيًّا لَا يَصِلُ إِلَى مَرْتَبَةِ الْيَقِينِ بِحَالٍ !
عَلَى أَنَّ "الْغَيْبَ " ضَارِبٌ حَوْلَ الْإِنْسَانِ فِيمَا وَرَاءَ مَا يَصِلُ إِلَيْهِ عِلْمُهُ الظَّنِّيُّ ذَاكَ . . .
هَذَا الْكَوْنُ مِنْ حَوْلِهِ . . إِنَّهُ مَا يَزَالُ يَضْرِبُ فِي الْفُرُوضِ وَالنَّظَرِيَّاتِ حَوْلَ مَصْدَرِهِ وَنَشْأَتِهِ وَطَبِيعَتِهِ وَحَوْلَ حَرَكَتِهِ ، وَحَوْلَ "الزَّمَانِ " مَا هُوَ وَحَوْلَ "الْمَكَانِ " وَارْتِبَاطِهِ بِالزَّمَانِ وَارْتِبَاطِ مَا يَجْرِي فِي الْكَوْنِ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ .
وَالْحَيَاةُ . وَمَصْدَرُهَا . وَنَشْأَتُهَا . وَطَبِيعَتُهَا . وَخَطُّ سَيْرِهَا . وَالْمُؤَثِّرَاتُ فِيهَا . وَارْتِبَاطُهَا بِهَذَا الْوُجُودِ "الْمَادِّيِّ " ! إِنْ كَانَ هُنَاكَ فِي الْكَوْنِ مَادَّةٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ ذَاتُ طَبِيعَةٍ غَيْرَ طَبِيعَةِ "الْفِكْرِ " وَغَيْرَ طَبِيعَةِ الطَّاقَةِ عَلَى الْعُمُومِ !
"وَالْإِنْسَانُ " مَا هُوَ ؟ مَا الَّذِي يُمَيِّزُهُ مِنَ الْمَادَّةِ ؟ وَمَا الَّذِي يُمَيِّزُهُ عَنْ بَقِيَّةِ الْأَحْيَاءِ ؟ وَكَيْفَ جَاءَ إِلَى هَذِهِ الْأَرْضِ وَكَيْفَ يَتَصَرَّفُ ؟ وَمَا "الْعَقْلُ " الَّذِي يَتَمَيَّزُ بِهِ وَيَتَصَرَّفُ ؟ وَمَا مَصِيرُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالِانْحِلَالِ ؟ . .
بَلْ هَذَا الْكِيَانُ الْإِنْسَانِيُّ ذَاتُهُ ، مَا الَّذِي يَجْرِي فِي دَاخِلِهِ مِنْ تَحْلِيلٍ وَتَرْكِيبٍ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ ؟ وَكَيْفَ يَجْرِي ؟ . . إِنَّهَا كُلُّهَا مَيَادِينُ لِلْغَيْبِ ، يَقِفُ الْعِلْمُ عَلَى حَافَّاتِهَا ، وَلَا يَكَادُ يَقْتَحِمُهَا ، حَتَّى عَلَى سَبِيلِ الظَّنِّ وَالتَّرْجِيحِ . وَإِنْ هِيَ إِلَّا فُرُوضٌ وَاحْتِمَالَاتٌ !
وَلْنَدَعْ مَا لَا يَشْغَلُ الْعِلْمُ بِهِ نَفْسُهُ - إِلَّا قَلِيلًا فِي هَذَا الْقَرْنِ - مِنْ حَقِيقَةِ الْأُلُوهِيَّةِ ، وَحَقِيقَةِ الْعَوَالِمِ الْأُخْرَى مِنْ مَلَائِكَةٍ وَجِنٍّ وَخَلْقٍ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ . وَمِنْ حَقِيقَةِ الْمَوْتِ ، وَحَقِيقَةِ الْآخِرَةِ . وَحَقِيقَةِ الْحِسَابِ وَالْجَزَاءِ . . لِنَدَعْ هَذَا كُلَّهُ لَحْظَةً فَفِي "الْغَيْبِ " الْقَرِيبِ ، الْكِفَايَةُ ، وَمِنْ هَذَا الْغَيْبِ يَقِفُ الْعِلْمُ وَقْفَةَ التَّسْلِيمِ ، الَّذِي لَا يَخْرُجُ عَنْهُ إِلَّا مَنْ يُؤْثِرُونَ الْمِرَاءَ عَلَى "الْعِلْمِ " وَالتَّبَجُّحَ عَلَى الْإِخْلَاصِ !
[ ص: 1117 ] وَنَضْرِبُ بَعْضَ الْأَمْثَالِ . .
1 - فِي قَاعِدَةِ بِنَاءِ الْكَوْنِ وَسُلُوكِهِ :
الذَّرَّةُ - فِيمَا يَقُولُ الْعِلْمُ الْحَدِيثُ - قَاعِدَةُ بِنَاءِ الْكَوْنِ . وَلَيْسَتْ هِيَ أَصْغَرَ وَحْدَةٍ فِي بِنَاءِ هَذَا الْعَالَمِ . فَهِيَ مُؤَلَّفَةٌ مِنْ بُرُوتُونَاتِ (طَاقَةٌ كَهْرَبِيَّةٌ مُوجِبَةٌ ) وَإِلِكْتُرُونَاتٍ (طَاقَةٌ كَهْرَبِيَّةٌ سَالِبَةٌ ) وَنُيُوتْرُونَاتٍ (طَاقَةٌ مُحَايِدَةٌ مُكَوَّنَةٌ مِنْ طَاقَةٍ كَهْرَبَائِيَّةٍ مُوجِبَةٍ وَطَاقَةٍ كَهْرَبَائِيَّةٍ سَالِبَةٍ مُتَعَادِلَتَيْنِ سَاكِنَتَيْنِ ) وَحِينَ تُحَطَّمُ الذَّرَّةُ تَتَحَرَّرُ الْكَهَارِبُ (الْإِلِكْتِرُونَاتُ ) وَلَكِنَّهَا لَا تَسْلُكُ فِي الْمَعْمَلِ سُلُوكًا حَتْمِيًّا مُوَحَّدًا . فَهِيَ تَسْلُكُ مَرَّةً كَأَنَّهَا أَمْوَاجٌ ضَوْئِيَّةٌ وَمَرَّةً كَأَنَّهَا قَذَائِفُ . وَلَا يُمْكِنُ تَحْدِيدُ سُلُوكِهَا الْمُقْبِلِ مُقَدَّمًا . وَإِنَّمَا هِيَ تَخْضَعُ لِقَانُونٍ آخَرَ - غَيْرِ الْحَتْمِيَّةِ - هُوَ قَانُونُ الِاحْتِمَالَاتِ . وَكَذَلِكَ تَسْلُكُ الذَّرَّةُ نَفْسُهَا ، وَالْمَجْمُوعَةُ الْمَحْدُودَةُ مِنَ الذَّرَّاتِ (فِي صُورَةِ جُزْئِيَّاتٍ ) هَذَا السُّلُوكَ .
يَقُولُ سِيرُ
جِيمْسُ جِينَنَرُ - الْإِنْجِلِيزِيُّ - الْأُسْتَاذُ فِي الطَّبِيعِيَّاتِ وَالرِّيَاضِيَّاتِ :
"لَقَدْ كَانَ الْعِلْمُ الْقَدِيمُ يُقَرِّرُ تَقْرِيرَ الْوَاثِقِ ، أَنَّ الطَّبِيعَةَ لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَسْلُكَ إِلَّا طَرِيقًا وَاحِدًا : وَهُوَ الطَّرِيقُ الَّذِي رُسِمَ مِنْ قَبْلُ ، لِتَسِيرَ فِيهِ مِنْ بِدَايَةِ الزَّمَنِ إِلَى نِهَايَتِهِ ، وَفِي تَسَلْسُلٍ مُسْتَمِرٍّ بَيْنَ عِلَّةٍ وَمَعْلُولٍ ، وَأَلَّا مَنَاصَ مِنْ أَنَّ الْحَالَةَ (أَ ) تَتْبَعُهَا الْحَالَةُ (بَ ) أَمَّا الْعِلْمُ الْحَدِيثُ فَكُلُّ مَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقُولَهُ حَتَّى الْآنَ هُوَ : أَنَّ الْحَالَةَ (أَ ) يُحْتَمَلُ أَنْ تَتْبَعَهَا (بَ ) أَوْ (جَ ) أَوْ (دَ ) أَوْ غَيْرُهَا مِنَ الْحَالَاتِ الْأُخْرَى الَّتِي يُخْطِئُهَا الْحَصْرُ . نَعَمْ إِنَّ فِي اسْتِطَاعَتِهِ أَنْ يَقُولَ : إِنَّ حُدُوثَ الْحَالَةِ (بَ ) أَكْثَرُ احْتِمَالًا مِنْ حُدُوثِ الْحَالَةِ (جَ ) وَإِنَّ الْحَالَةَ (جَ ) أَكْثَرُ احْتِمَالًا مِنَ الْحَالَةِ (دَ ) . . وَهَكَذَا . بَلْ إِنَّ فِي مَقْدُورِهِ أَنْ يُحَدِّدَ دَرَجَةَ احْتِمَالِ كُلِّ حَالَةٍ مِنَ الْحَالَاتِ (بَ ) وَ (جَ ) وَ (دَ ) بَعْضُهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى بَعْضٍ . وَلَكِنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَنَبَّأَ عَنْ يَقِينٍ : أَيُّ الْحَالَاتِ تَتْبَعُ الْأُخْرَى . لِأَنَّهُ يَتَحَدَّثُ دَائِمًا عَمَّا يُحْتَمَلُ . أَمَّا مَا يَجِبُ أَنْ يَحْدُثَ فَأَمْرُهُ مَوْكُولٌ إِلَى الْأَقْدَارِ مَهْمَا تَكُنْ حَقِيقَةُ هَذِهِ الْأَقْدَارِ ! " .
فَمَاذَا يَكُونُ "الْغَيْبُ " وَمَاذَا يَكُونُ قَدَرُ اللَّهِ الْمُغَيَّبُ عَنْ عِلْمِ الْإِنْسَانِ ، إِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ هَذَا الَّذِي تَنْتَهِي إِلَيْهِ تَجَارِبُ الْعِلْمِ الْإِنْسَانِيِّ ، وَتَقِفُ عَلَى عَتَبَاتِهِ فِي صُلْبِ الْكَوْنِ وَذَرَّاتِهِ ؟
وَيَضْرِبُ مَثَلًا لِذَلِكَ إِشْعَاعَ ذَرَّاتِ الرَّادْيُومِ ، وَتَحَوُّلَهَا إِلَى رَصَاصٍ وَهِلْيُومَ . . وَهِيَ خَاضِعَةٌ تَمَامًا لِقَدَرٍ مَجْهُولٍ ، وَغَيْبٍ مَسْتُورٍ ، يَقِفُ دُونَهُ عِلْمُ الْإِنْسَانِ :
"وَلِنَضْرِبْ لِذَلِكَ مَثَلًا مَادِّيًّا يَزِيدُهُ وُضُوحًا : مِنَ الْمَعْرُوفِ أَنَّ ذَرَّاتِ الرَّادْيُومِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمَوَادِّ ذَاتِ النَّشَاطِ الْإِشْعَاعِيِّ ، تَتَفَكَّكُ بِمُجَرَّدِ مُرُورِ الزَّمَنِ عَلَيْهَا ، وَتُخَلِّفُ وَرَاءَهَا ذَرَّاتٍ مِنَ الرَّصَاصِ وَالْهِلْيُومِ . وَلِهَذَا فَإِنَّ كُتْلَةً مِنَ الرَّادْيُومِ يَنْقُصُ حَجْمُهَا بِاسْتِمْرَارٍ ، وَيَحُلُّ مَكَانَهَا رَصَاصٌ وَهِلْيُومُ . وَالْقَانُونُ الْعَامُّ الَّذِي يَتَحَكَّمُ فِي مُعَدَّلِ التَّنَاقُصِ غَرِيبٌ غَايَةَ الْغَرَابَةِ . ذَلِكَ أَنَّ كَمِّيَّةً مِنَ الرَّادْيُومِ تَنْقُصُ بِنَفْسِ الطَّرِيقَةِ الَّتِي يَنْقُصُ بِهَا عَدَدٌ مِنَ السُّكَّانِ ، إِذَا لَمْ تَجِدَّ عَلَيْهِمْ مَوَالِيدُ ، وَكَانَتْ نِسْبَةُ تَعَرُّضِ كُلٍّ مِنْهُمْ لِلْوَفَاةِ وَاحِدَةً بِغَضِّ النَّظَرِ عَنِ السِّنِّ ; أَوْ أَنَّهَا تَنْقُصُ كَمَا يَنْقُصُ عَدَدُ أَفْرَادِ كَتِيبَةٍ مِنَ الْجُنْدِ مُعَرَّضِينَ لِنِيرَانٍ تُرْسَلُ عَلَيْهِمُ اعْتِبَاطًا ، وَمِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمْ مَقْصُودًا لِذَاتِهِ . وَمُجْمَلُ الْقَوْلِ إِنَّهُ لَيْسَ لِكِبَرِ السِّنِّ أَثَرٌ مَا فِي ذَرَّةِ الرَّادْيُومِ الْوَاحِدَةِ . فَإِنَّهَا لَا تَمُوتُ لِأَنَّهَا قَدِ اسْتَوْفَتْ حَظَّهَا مِنَ الْحَيَاةِ ، بَلْ لِأَنَّ الْمَنَيَّةَ قَدْ أَصَابَتْهَا خَبْطَ عَشْوَاءَ " .
[ ص: 1118 ] "وَلْنُوَضِّحْ هَذِهِ الْحَقِيقَةَ بِمَثَلٍ مَادِّيٍّ فَنَقُولُ : إِذَا فُرِضَ أَنَّ بِحُجْرَتِنَا أَلْفَيْنِ مِنْ ذَرَّاتِ الرَّادْيُومِ . فَإِنَّ الْعِلْمَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقُولَ : كَمْ مِنْهَا يَبْقَى حَيًّا بَعْدَ عَامٍ . بَلْ كُلُّ مَا يَسْتَطِيعُهُ هُوَ أَنْ يَذْكُرَ فَقَطِ الِاحْتِمَالَاتِ الَّتِي تُرَجِّحُ بَقَاءَ 2000 أَوْ 1999 أَوْ 1998 ، وَهَكَذَا . وَأَكْثَرُ الْأُمُورِ احْتِمَالًا فِي الْوَاقِعِ هُوَ أَنْ يَكُونَ الْعَدَدُ 1999 ، أَيْ أَنَّ أَرْجَحَ الِاحْتِمَالَاتِ هُوَ أَنَّ ذَرَّةً وَاحِدَةً لَا أَكْثَرَ مِنَ الْأَلْفَيْ ذَرَّةٍ ، هِيَ الَّتِي تَتَحَلَّلُ فِي الْعَامِ التَّالِي " .
"وَلَسْنَا نَدْرِي بِأَيَّةِ طَرِيقَةٍ تُخْتَارُ تِلْكَ الذَّرَّةُ الْمُعَيَّنَةُ مِنْ بَيْنِ هَذِهِ الْأَلْفَيْ ذَرَّةٍ . وَقَدْ نَشْعُرُ فِي بَادِئِ الْأَمْرِ بِمَيْلٍ إِلَى افْتِرَاضِ أَنَّ هَذِهِ الذَّرَّةَ سَتَكُونُ هِيَ الَّتِي تَتَعَرَّضُ لِلِاصْطِدَامِ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهَا ، أَوِ الَّتِي تَقَعُ فِي أَشَدِّ الْأَمْكِنَةِ حَرَارَةً ، أَوِ الَّتِي يُصَادِفُهَا غَيْرُ هَذَا أَوْ ذَاكَ مِنَ الْأَسْبَابِ فِي الْعَامِ التَّالِي . وَلَكِنَّ هَذَا كُلَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ ، لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ فِي اسْتِطَاعَةِ الصَّدَمَاتِ أَوِ الْحَرَارَةِ أَنْ تُفَكِّكَ ذَرَّةً وَاحِدَةً ، فَإِنَّ فِي اسْتِطَاعَتِهَا أَيْضًا أَنْ تُفَكِّكَ الْـ 1999 ذَرَّةً الْبَاقِيَةَ ، وَيَكُونُ فِي اسْتِطَاعَتِنَا أَنْ نُعَجِّلَ بِتَفْكِيكِ الرَّادْيُومِ بِمُجَرَّدِ ضَغْطِهِ أَوْ تَسْخِينِهِ ; وَلَكِنْ كُلَّ عَالِمٍ مِنْ عُلَمَاءِ الطَّبِيعَةِ يُقَرِّرُ أَنَّ ذَلِكَ مُسْتَحِيلٌ ; بَلْ هُوَ يَعْتَقِدُ عَلَى الْأَرْجَحِ أَنَّ الْمَوْتَ يُصِيبُ فِي كُلِّ عَامٍ ذَرَّةً وَاحِدَةً مِنْ كُلِّ 2000 مِنْ ذَرَّاتِ الرَّادْيُومِ ، وَيَضْطَرُّهَا إِلَى أَنْ تَتَفَكَّكَ . وَهَذِهِ هِيَ نَظَرِيَّةُ "التَّفَكُّكِ التِّلْقَائِيِّ " الَّتِي وَضَعَهَا
"رِذِرْفُورْدُ" "وَسِدِي" فِي عَامِ 1903 .
فَكَيْفَ إِذَنْ يَكُونُ الْقَدَرُ الْغَيْبِيُّ إِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ هَذَا الَّذِي تَتَشَعَّعُ بِهِ الذَّرَّاتُ عَلَى غَيْرِ اخْتِيَارٍ مِنْهَا وَلَا مِنْ أَحَدٍ . وَعَلَى غَيْرِ عِلْمٍ مِنْهَا وَلَا مِنْ أَحَدٍ ؟ !
إِنَّ الرَّجُلَ الَّذِي يَقُولُ هَذَا الْكَلَامَ ، لَا يُرِيدُ أَنْ يُثْبِتَ بِهِ الْقَدَرَ الْإِلَهِيَّ الْمُغَيَّبَ عَنِ النَّاسِ . بَلْ إِنَّهُ لَيُحَاوِلُ جَاهِدًا أَنْ يَهْرَبَ مِنْ ضَغْطِ النَّتَائِجِ الَّتِي يَنْتَهِي إِلَيْهَا الْعِلْمُ الْبَشَرِيُّ ذَاتُهُ . وَلَكِنَّ حَقِيقَةَ الْغَيْبِ تَفْرِضُ نَفْسَهَا عَلَيْهِ فَرْضًا عَلَى النَّحْوِ الَّذِي نَرَاهُ !
2 - وَكَمَا تَفْرِضُ حَقِيقَةُ "الْغَيْبِ " نَفْسَهَا عَلَى قَاعِدَةِ بِنَاءِ الْكَوْنِ وَحَرَكَتِهِ ، فَهِيَ كَذَلِكَ تَفْرِضُ نَفْسَهَا عَلَى قَاعِدَةِ انْبِثَاقِ الْحَيَاةِ وَحَرَكَتِهَا بِنَفْسِ الْقُوَّةِ فِي النَّتَائِجِ الَّتِي يَنْتَهِي إِلَيْهَا الْعِلْمُ الْبَشَرِيُّ .
يَقُولُ عَالِمُ الْأَحْيَاءِ وَالنَّبَاتِ
"رَسَلُ تِشَارْلِزُ إِرْنِسْتُ" الْأُسْتَاذُ
بِجَامِعَةِ فَرَانْكِفُورْتَ بِأَلْمَانْيَا :
"لَقَدْ وُضِعَتْ نَظَرِيَّاتٌ عَدِيدَةٌ لِكَيْ تُفَسِّرَ نَشْأَةَ الْحَيَاةِ مِنْ عَالَمِ الْجَمَادَاتِ ; فَذَهَبَ بَعْضُ الْبَاحِثِينَ إِلَى أَنَّ الْحَيَاةَ قَدْ نَشَأَتْ مِنَ الْبُرُوتُوجِينِ ، أَوْ مِنَ الْفَيْرُوسِ ، أَوْ مِنْ تَجَمُّعِ بَعْضِ الْجُزْئِيَّاتِ الْبُرُوتِينِيَّةِ الْكَبِيرَةِ . وَقَدْ يُخَيَّلُ إِلَى بَعْضِ النَّاسِ أَنَّ هَذِهِ النَّظَرِيَّاتِ قَدْ سَدَّتِ الْفَجْوَةَ الَّتِي تَفْصِلُ بَيْنَ عَالَمِ الْأَحْيَاءِ وَعَالَمِ الْجَمَادَاتِ . وَلَكِنَّ الْوَاقِعَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ نُسَلِّمَ بِهِ هُوَ أَنَّ جَمِيعَ الْجُهُودِ الَّتِي بُذِلَتْ لِلْحُصُولِ عَلَى الْمَادَّةِ الْحَيَّةِ مِنْ غَيْرِ الْحَيَّةِ ، قَدْ بَاءَتْ بِفَشَلٍ وَخِذْلَانٍ ذَرِيعَيْنِ . وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ مَنْ يُنْكِرُ وُجُودَ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُقِيمَ الدَّلِيلَ الْمُبَاشِرَ لِلْعَالَمِ الْمُتَطَلِّعِ عَلَى أَنَّ مُجَرَّدَ تَجَمُّعِ الذَّرَّاتِ وَالْجُزْئِيَّاتِ عَنْ طَرِيقِ الْمُصَادَفَةِ ، يُمْكِنُ أَنْ يُؤَدِّيَ إِلَى ظُهُورِ الْحَيَاةِ وَصِيَانَتِهَا وَتَوْجِيهِهَا بِالصُّورَةِ الَّتِي شَاهَدْنَاهَا فِي الْخَلَايَا الْحَيَّةِ . وَلِلشَّخْصِ مُطْلَقُ الْحُرِّيَّةِ فِي أَنْ يَقْبَلَ هَذَا التَّفْسِيرَ لِنَشْأَةِ الْحَيَاةِ ، فَهَذَا شَأْنُهُ وَحْدَهُ ! وَلَكِنَّهُ إِذْ يَفْعَلُ ذَلِكَ ، فَإِنَّمَا يُسَلِّمُ بِأَمْرٍ أَشَدَّ إِعْجَازًا وَصُعُوبَةً عَلَى الْعَقْلِ مِنَ الِاعْتِقَادِ بِوُجُودِ اللَّهِ ، الَّذِي خَلَقَ الْأَشْيَاءَ وَدَبَّرَهَا " .
"إِنَّنِي أَعْتَقِدُ أَنَّ كُلَّ خَلِيَّةٍ مِنَ الْخَلَايَا الْحَيَّةِ قَدْ بَلَغَتْ مِنَ التَّعَقُّدِ دَرَجَةً يَصْعُبُ عَلَيْنَا فَهْمُهَا . وَأَنَّ مَلَايِينَ الْمَلَايِينِ مِنَ الْخَلَايَا الْحَيَّةِ الْمَوْجُودَةِ عَلَى سَطْحِ الْأَرْضِ تَشْهَدُ بِقُدْرَتِهِ شَهَادَةً تَقُومُ عَلَى الْفِكْرِ وَالْمَنْطِقِ . وَلِذَلِكَ فَإِنَّنِي
[ ص: 1119 ] أُؤْمِنُ بِوُجُودِ اللَّهِ إِيمَانًا رَاسِخًا " .
وَالَّذِي يَهُمُّنَا هُنَا مِنْ هَذِهِ الشَّهَادَةِ هُوَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29692سِرَّ الْحَيَاةِ وَنَشْأَتِهَا غَيْبٌ مِنْ غَيْبِ اللَّهِ ، كَنَشْأَةِ الْكَوْنِ وَحَرَكَتِهِ ; وَأَنْ لَيْسَ لَدَى الْبَشَرِ عَنْ ذَلِكَ إِلَّا الِاحْتِمَالَاتُ . وَصَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=51مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ . . .
3 - وَنَخْطُو خَطْوَةً وَاسِعَةً لِنَصِلَ إِلَى الْإِنْسَانِ . . إِنَّ الدَّفْقَةَ الْوَاحِدَةَ مِنْ مَاءِ الرَّجُلِ تَحْتَوِي عَلَى نَحْوِ سِتِّينَ مِلْيُونًا مِنَ الْحَيَوَانَاتِ الْمَنَوِيَّةِ . . كُلُّهَا تَدْخُلُ فِي سِبَاقٍ لِتَلْحَقَ بِالْبُوَيْضَةِ فِي رَحِمِ الْمَرْأَةِ . . وَلَا يَعْلَمُ أَحَدٌ مَنِ الَّذِي يَسْبِقُ ! فَهُوَ غَيْبٌ ، أَوْ هُوَ قَدَرٌ غَيْبِيٌّ لَا عِلْمَ لِلْبَشَرِ بِهِ - بِمَا فِيهِمُ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ صَاحِبَا الدَّوْرِ فِي هَذَا الْأَمْرِ ! - ثُمَّ يَصِلُ السَّابِقُ مِنْ بَيْنِ سِتِّينَ مِلْيُونًا ! وَيَلْتَحِمُ مَعَ الْبُوَيْضَةِ لِيُكَوِّنَا مَعًا خَلِيَّةً وَاحِدَةً مُلَقَّحَةً هِيَ الَّتِي يَنْتِجُ مِنْهَا الْجَنِينُ . وَلَمَّا كَانَتْ كُلُّ كُرُومُوسُومَاتِ الْبُوَيْضَةِ مُؤَنَّثَةً ، بَيْنَمَا كُرُومُوسُومَاتُ الْحَيَوَانِ الْمَنَوِيِّ بَعْضُهَا مُذَكَّرٌ وَبَعْضُهَا مُؤَنَّثٌ فَإِنَّ غَلَبَةَ عَدَدِ كُرُومُوسُومَاتِ التَّذْكِيرِ أَوْ كُرُومُوسُومَاتِ التَّأْنِيثِ فِي الْحَيَوَانِ الْمَنَوِيِّ الَّذِي يَلْتَحِمُ بِالْبُوَيْضَةِ ، هُوَ الَّذِي يُقَرِّرُ مَصِيرَ الْجَنِينِ - ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى - وَهَذَا خَاضِعٌ لِقَدَرِ اللَّهِ الْغَيْبِيِّ لَا عِلْمَ بِهِ وَلَا دَخْلَ لِلْبَشَرِ بِمَا فِيهِمْ أَبَوَا الْجَنِينِ أَنْفُسُهُمَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=8اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ. وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=9عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ . . . (الرَّعْدَ : 8 - 9 )
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=49لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=50أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا، إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ . . . (الشُّورَى : 49 - 50 )
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=6يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ، لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ؟ . . . (الزُّمُرَ : 6 ) .
هَذَا هُوَ "الْغَيْبُ " الَّذِي يَقِفُ أَمَامَهُ "الْعِلْمُ " الْبَشَرِيُّ ; وَيُوَاجِهُهُ فِي الْقَرْنِ الْعِشْرِينَ . . بَيْنَمَا الَّذِينَ يَعِيشُونَ عَلَى فُتَاتِ الْقُرُونِ الْمَاضِيَةِ يَزْعُمُونَ أَنَّ "الْغَيْبِيَّةَ " تُنَافِي "الْعِلْمِيَّةَ " . وَأَنَّ الْمُجْتَمَعَ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَعِيشَ بِعَقْلِيَّةٍ عِلْمِيَّةٍ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَخَلَّصَ مِنَ الْعَقْلِيَّةِ الْغَيْبِيَّةِ ! ذَلِكَ بَيْنَمَا الْعِلْمُ الْبَشَرِيُّ ذَاتُهُ . . عِلْمُ الْقَرْنِ الْعِشْرِينَ . . يَقُولُ : إِنَّ كُلَّ مَا يَصِلُ إِلَيْهِ مِنَ النَّتَائِجِ هُوَ "الِاحْتِمَالَاتُ " ! وَإِنَّ الْحَقِيقَةَ الْمُسْتَيْقَنَةَ الْوَحِيدَةَ هِيَ أَنْ هُنَالِكَ "غَيْبًا " لَا شَكَّ فِيهِ !