فإن قلت: ما فائدة البدل؟ وهلا قيل: اهدنا صراط الذين أنعمت عليهم؟ قلت: فائدته التوكيد لما فيه من التثنية والتكرير، والإشعار بأن الطريق المستقيم بيانه وتفسيره: صراط المسلمين; ليكون ذلك شهادة لصراط المسلمين بالاستقامة على أبلغ وجه وآكده، كما تقول: هل أدلك على أكرم الناس وأفضلهم؟ فلان، فيكون ذلك أبلغ في وصفه بالكرم والفضل من قولك: هل أدلك على فلان الأكرم الأفضل؟ لأنك ثنيت ذكره مجملا أولا، ومفصلا ثانيا، وأوقعت فلانا تفسيرا وإيضاحا للأكرم الأفضل، فجعلته علما في الكرم والفضل، فكأنك قلت: من أراد رجلا جامعا للخصلتين فعليه بفلان، فهو المشخص المعين; لاجتماعهما فيه غير مدافع ولا منازع.
والذين أنعمت عليهم: هم المؤمنون، وأطلق الإنعام; ليشمل كل إنعام; لأن من [ ص: 122 ] أنعم عليه بنعمة الإسلام لم تبق نعمة إلا أصابته، واشتملت عليه، وعن : هم أصحاب ابن عباس موسى قبل أن يغيروا، وقيل: هم الأنبياء. وقرأ : "صراط من أنعمت عليهم". ابن مسعود
غير المغضوب عليهم : بدل من الذين أنعمت عليهم، على معنى أن المنعم عليهم هم الذين سلموا من غضب الله والضلال، أو صفة على معنى أنهم جمعوا بين النعمة المطلقة وهي نعمة الإيمان، وبين السلامة من غضب الله والضلال.
فإن قلت: كيف صح أن يقع: "غير" صفة للمعرفة وهو لا يتعرف وإن أضيف إلى المعارف؟ قلت: الذين أنعمت عليهم لا توقيت فيه كقوله [ من الكامل]:
ولقد أمر على اللئيم يسبني
ولأن المغضوب عليهم والضالين خلاف المنعم عليهم، فليس في (غير) إذن الإبهام [ ص: 123 ] الذي يأبى عليه أن يتعرف، وقرئ بالنصب على الحال، وهي قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ورويت عن وعمر بن الخطاب ، وذو الحال الضمير في عليهم، والعامل: أنعمت، وقيل: المغضوب عليهم هم اليهود; لقوله -عز وجل-: ابن كثير من لعنه الله وغضب عليه [المائدة: 60] والضالون هم النصارى; لقوله تعالى: قد ضلوا من قبل [المائدة: 77].
فإن قلت: ما قلت: هو إرادة الانتقام من العصاة، وإنزال العقوبة بهم، وأن يفعل بهم ما يفعله الملك إذا غضب على من تحت يده، نعوذ بالله من غضبه، ونسأله رضاه ورحمته. معنى غضب الله؟
فإن قلت:أي فرق بين "عليهم" الأولى و"عليهم" الثانية؟ قلت: الأولى: محلها النصب على المفعولية، والثانية: محلها الرفع على الفاعلية.
فإن قلت: لم دخلت: "لا" في ولا الضالين ؟ قلت: لما في (غير) من معنى النفي، كأنه قيل: لا المغضوب عليهم ولا الضالين.
وتقول: أنا زيدا غير ضارب، مع امتناع قولك: أنا زيدا مثل ضارب; لأنه بمنزلة قولك: أنا زيدا لا ضارب.
وعن عمر -رضي الله عنهما- أنهما قرآ: (وغير الضالين) وقرأ وعلي : "ولا الضألين" بالهمز، كما قرأ أيوب السختياني "ولا جأن"، وهذه لغة من جد في الهرب من التقاء الساكنين، ومنها ما حكاه عمرو بن عبيد: من قولهم: شأبة، ودأبة. أبو زيد
آمين: صوت سمي به الفعل الذي هو استجب، كما أن: "رويد، وحيهل، وهلم": أصوات سميت بها الأفعال التي هي "أمهل، وأسرع، وأقبل"، وعن [ ص: 124 ] -رضي الله عنهما-: ابن عباس سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن فقال: "افعل" معنى آمين؟ وفيه لغتان: مد ألفه وقصرها; قال [من البسيط]:
ويرحم الله عبدا قال آمينا
وقال [من الطويل]:
أمين فزاد الله ما بيننا بعدا
وعن النبي - صلى الله عليه وسلم-: "لقنني جبريل -عليه السلام- آمين عند فراغي من قراءة فاتحة [ ص: 125 ] الكتاب" وقال: "إنه كالختم على الكتاب"، وليس من القرآن، بدليل أنه لم يثبت في المصاحف، وعن لا يقولها الإمام; لأنه الداعي، وعن الحسن: -رحمه الله- مثله، والمشهور عنه وعن أصحابه أنه يخفيها، وروى الإخفاء أبي حنيفة ، عبد الله بن مغفل ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعند وأنس يجهر بها. الشافعي
وعن ، وائل بن حجر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قرأ: ولا الضالين، قال: آمين، ورفع بها صوته.
وعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "ألا أخبرك بسورة لم ينزل في التوراة والإنجيل والقرآن مثلها؟ قلت: بلى يا رسول الله. قال: "فاتحة الكتاب; إنها السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته". لأبي بن كعب أنه قال [ ص: 126 ]
[ ص: 127 ] وعن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: حذيفة بن اليمان "إن القوم ليبعث الله عليهم العذاب حتما مقضيا، فيقرأ صبي من صبيانهم في الكتاب: الحمد لله رب العالمين فيسمعه الله تعالى فيرفع عنهم بذلك العذاب أربعين سنة".