في مصاحف أهل المدينة والشام "سارعوا" بغير واو، وقرأ الباقون بالواو، وتنصره قراءة أبي وعبد الله: وسابقوا، ومعنى المسارعة إلى المغفرة والجنة: الإقبال على ما يستحقان به.
عرضها السماوات والأرض أي: عرضها عرض السماوات والأرض، كقوله: عرضها كعرض السماء والأرض [الحديد: 21] والمراد: وصفها بالسعة والبسطة، [ ص: 627 ] فشبهت بأوسع ما علمه الناس من خلقه وأبسطه، وخص العرض; لأنه في العادة أدنى من الطول للمبالغة، كقوله: بطائنها من إستبرق [الرحمن: 54].
وعن - رضي الله عنه -: كسبع سماوات وسبع أرضين لو وصل بعضها ببعض ابن عباس في السراء والضراء : في حال الرخاء واليسر وحال الضيقة والعسر، لا يخلون بأن ينفقوا في كلتا الحالتين ما قدروا عليه من كثير أو قليل، كما حكي عن بعض السلف: أنه ربما تصدق ببصلة، وعن -رضي الله عنها- أنها تصدقت بحبة عنب، أو في جميع الأحوال؛ لأنها لا تخلو من حال مسرة ومضرة، لا تمنعهم حال فرح وسرور، ولا حال محنة وبلاء من المعروف، وسواء عليهم كان الواحد منهم في عرس أو في حبس، فإنه لا يدع الإحسان، وافتتح بذكر الإنفاق؛ لأنه أشق شيء على النفس وأدله على الإخلاص، ولأنه كان في ذلك الوقت أعظم الأعمال للحاجة إليه في مجاهدة العدو ومواساة فقراء المسلمين. عائشة
كظم القربة: إذا ملأها وشد فاها، وكظم البعير: إذا لم يجتر، ومنه كظم الغيظ، وهو أن يمسك على ما في نفسه منه بالصبر ولا يظهر له أثرا.
وعن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من كظم غيظا وهو يقدر على إنفاذه ملأ الله قلبه أمنا وإيمانا".
وعن - رضي الله عنها -: أن خادما لها غاظها فقالت: لله در التقوى، ما تركت لذي غيظ شفاء. عائشة
والعافين عن الناس : إذا جنى عليهم أحد لم يؤاخذوه.
وروي: "ينادي مناد يوم القيامة: أين الذين [ ص: 628 ] كانت أجورهم على الله فلا يقوم إلا من عفا".
وعن : أنه رواه للرشيد وقد غضب على رجل فخلاه، وعن النبي - صلى الله عليه وسلم - ابن عيينة :"إن هؤلاء في أمتي قليل إلا من عصم الله، وقد كانوا كثيرا في الأمم التي مضت".
والله يحب المحسنين : يجوز أن تكون اللام للجنس فيتناول كل محسن ويدخل تحته هؤلاء المذكورين، وأن تكون للعهد فتكون إشارة إلى هؤلاء، "والذين": عطف على المتقين، أي: أعدت للمتقين وللتائبين، وقوله: "وأولئك": إشارة إلى الفريقين، ويجوز أن يكون "والذين": مبتدأ، خبره "أولئك".
"فاحشة": فعلة متزايدة القبح أو ظلموا أنفسهم أو أذنبوا أي ذنب كان مما يؤاخذون به، وقيل: الفاحشة: الزنا، وظلم النفس ما دونه من القبلة واللمسة ونحوهما، وقيل: الفاحشة: الكبيرة، وظلم النفس: الصغيرة ذكروا الله تذكروا عقابه أو وعيده أو نهيه، أو حقه العظيم وجلاله الموجب للخشية والحياء منه فاستغفروا لذنوبهم : فتابوا عنها لقبحها نادمين عازمين ومن يغفر الذنوب إلا الله وصف لذاته بسعة الرحمة وقرب المغفرة، وإن عنده كمن لا ذنب له، وأنه لا مفزع للمذنبين إلا فضله وكرمه، وأن عدله يوجب المغفرة للتائب; لأن العبد إذا جاء في الاعتذار والتنصل بأقصى ما يقدر عليه وجب العفو والتجاوز، وفيه تطييب لنفوس العباد، وتنشيط للتوبة، وبعث عليها وردع عن اليأس والقنوط، وأن الذنوب - وإن جلت - فإن عفوه أجل وكرمه أعظم، والمعنى: أنه وحده معه مصححات المغفرة، وهذه جملة معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه. التائب من الذنب
ولم يصروا : ولم يقيموا على قبيح فعلهم غير مستغفرين.
وعن النبي - صلى الله عليه وسلم -:" ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة".
وروي: "لا كبيرة [ ص: 629 ] مع الاستغفار ولا صغيرة مع الإصرار" وهم يعلمون : حال من فعل الإصرار، وحرف النفي منصب عليهما معا، والمعنى: وليسوا ممن يصرون على الذنوب وهم عالمون بقبحها وبالنهي عنها وبالوعيد عليها; لأنه قد يعذر من لا يعلم قبح القبيح، وفي [ ص: 630 ] هذه الآيات بيان قاطع أن الذين آمنوا على ثلاث طبقات: متقون وتائبون ومصرون، وأن الجنة للمتقين والتائبين منهم دون المصرين، ومن خالف في ذلك فقد كابر عقله وعاند ربه.
قال: أجر العاملين بعد قوله: "جزاؤهم" [آل عمران : 87] لأنهما في معنى واحد، وإنما خالف بين اللفظين لزيادة التنبيه على أن ذلك جزاء واجب على عمل، وأجر مستحق عليه، لا كما يقول المبطلون.
وروي أن الله - عز وجل - أوحى إلى موسى: "ما أقل حياء من يطمع في جنتي بغير عمل، كيف أجود برحمتي على من يبخل بطاعتي".
وعن : طلب الجنة بلا عمل ذنب من الذنوب، وانتظار الشفاعة بلا سبب نوع من الغرور، وارتجاء الرحمة ممن لا يطاع حمق وجهالة. شهر بن حوشب
وعن -رضي الله عنه-: يقول الله تعالى يوم القيامة: "جوزوا الصراط بعفوي، وادخلوا الجنة برحمتي، واقتسموها بأعمالكم". الحسن
وعن رابعة البصرية -رضي الله عنها-: أنها كانت تنشد [من البسيط]:
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها إن السفينة لا تجري على اليبس
والمخصوص بالمدح محذوف، تقديره: ونعم أجر العاملين ذلك، يعني المغفرة والجنات.
قد خلت من قبلكم سنن يريد ما سنه الله في الأمم المكذبين من وقائعه، كقوله: وقتلوا تقتيلا سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا [الأحزاب: 61 62] سنة الله التي قد خلت من قبل [الفتح: 23].