[ ص: 552 ] لما تبين إعجاز القرآن وانضمت إليه المعجزات الأخر والبينات ولزمتهم الحجة وغلبوا، أخذوا يتعللون باقتراح الآيات: فعل المبهوت المحجوج المتعثر في أذيال الحيرة، فقالوا: لن نؤمن لك حتى... وحتى "تفجر": تفتح، وقرئ : "تفجر" بالتخفيف، من الأرض : يعنون: أرض مكة، ينبوعا : عينا غزيرة من شأنها أن تنبع بالماء لا تقطع، "يفعول": من نبع الماء، كيعبوب من عب الماء، كما زعمت : يعنون قول الله تعالى: إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء [سبأ: 9]. قرئ: "كسفا": بسكون السين، جمع كسفة، كسدرة وسدر، وبفتحه، قبيلا : كفيلا بما تقول شاهدا بصحته، والمعنى: أو تأتي بالله قبيلا، وبالملائكة قبيلا; كقوله [من الطويل]:
....كنت منه ووالدي ... بريا........................
[ومن الطويل]:
......................... ... فإني وقيار بها لغريب
أو مقابلا، كالعشير بمعنى: المعاشر، ونحوه: لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا [الفرقان: 21]، أو جماعة حالا من الملائكة، من زخرف : من ذهب، في السماء : في معارج السماء، فحذف المضاف، يقال: رقى في السلم وفي الدرجة، ولن نؤمن لرقيك : ولن نؤمن لأجل رقيك، حتى تنزل علينا كتابا : من السماء فيه تصديقك، عن رضي الله عنهما: قال ابن عباس عبد الله بن أبي أمية: لن نؤمن لك حتى تتخذ إلى السماء سلما، ثم ترقى فيه وأنا أنظر حتى تأتيها، ثم تأتي معك بصك منشور، معه أربعة من الملائكة يشهدون لك أنك كما تقول، وما كانوا يقصدون بهذه الاقتراحات إلا العناد [ ص: 553 ] واللجاج، ولو جاءتهم كل آية لقالوا: هذا سحر، كما قال عز وجل: ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس [الأنعام: 7]، ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون [الحجر: 14]، وحين أنكروا الآية الباقية التي هي القرآن وسائر الآيات وليست بدون ما اقترحوه -بل هي أعظم- لم يكن إلى تبصرتهم سبيل، قل سبحان ربي ، وقرئ : "قال سبحان ربي"، أي: قال الرسول، و "سبحان ربي": تعجب من اقتراحاتهم عليه، هل كنت إلا : رسولا كسائر الرسل، ( ويبشر المؤمنين ) : مثلهم، وكان الرسل لا يأتون قومهم إلا بما يظهره الله عليهم من الآيات، فليس أمر الآيات إلي، إنما هو إلى الله فما بالكم تتخيرونها علي.