وسارب : ذاهب في سربه بالفتح أي: في طريقه ووجهه، يقال: سرب في الأرض سروبا، والمعنى: سواء عنده من استخفي: أي طلب الخفاء في مختبأ بالليل: في ظلمته، ومن يضطرب في الطرقات ظاهرا بالنهار يبصره كل أحد .
فإن قلت: كان حق العبارة أن يقال: ومن هو مستخف بالليل ومن هو سارب بالنهار، حتى يتناول معنى الاستواء المستخفي والسارب; وإلا فقد تناول واحدا هو [ ص: 337 ] مستخف وسارب.
قلت: فيه وجهان:
أحدهما: أن قوله: "وسارب": عطف على "من هو مستخف"، لا على "مستخف".
والثاني: أنه عطف على "مستخف"; إلا أن "من" في معنى الاثنين، كقوله [من الطويل]:
.............................. ... نكن مثل من يا ذئب يصطحبان
كأنه قيل: سواء منكم اثنان: مستخف بالليل، وسارب بالنهار، والضمير في "له": مردود على "من"; كأنه قيل: لمن أسر ومن جهر، ومن استخفي ومن سرب، "معقبات": جماعات من الملائكة تعتقب في حفظه وكلاءته، والأصل: معتقبات، فأدغمت التاء في القاف، كقوله: وجاء المعذرون [التوبة: 90]، بمعنى: المعتذرون، [ ص: 338 ] ويجوز "معقبات"; بكسر العين ولم يقرأ به، أو هو مفعلات من عقبه إذا جاء على عقبه، كما يقال: قفاه، لأن بعضهم يعقب بعضا، أو: لأنهم يعقبون ما يتكلم به فيكتبونه، يحفظونه من أمر الله : هما صفتان جميعا، وليس "من أمر الله": بصلة للحفظ، كأنه قيل: له معقبات من أمر الله، أو يحفظونه من أجل أمر الله، أي: من أجل أن الله أمرهم بحفظه، والدليل عليه قراءة -رضي الله عنه - علي ، وابن عباس ، وزيد بن علي وجعفر بن محمد، : "يحفظونه بأمر الله"، أو يحفظونه من بأس الله ونقمته إذا أذنب، بدعائهم له ومسألتهم ربهم أن يمهله رجاء أن يتوب وينيب، كقوله: وعكرمة قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن [الأنبياء: 42]، وقيل: المعقبات الحرس والجلاوزة حول السلطان، يحفظونه في توهمه وتقديره من أمر الله، أي: من قضاياه ونوازله، أو على التهكم به، وقرئ: "له معاقيب": جمع معقب أو معقبة، والياء عوض من حذف إحدى القافين في التكسير، إن الله لا يغير ما بقوم : من العافية والنعمة، حتى يغيروا ما بأنفسهم : من الحال الجميلة بكثرة المعاصي، من وال : ممن يلي أمرهم ويدفع عنهم.