الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا ماكثين فيه أبدا وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا ما لهم به من علم ولا لآبائهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا
قوله عز وجل: الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب يعني على محمد القرآن ، فتمدح بإنزاله لأنه أنعم عليه خصوصا ، وعلى الخلق عموما. ولم يجعل له عوجا في عوجا ثلاثة تأويلات: أحدها: يعني مختلفا ، قاله ، ومنه قول الشاعر : مقاتل
أدوم بودي للصديق تكرما ولا خير فيمن كان في الود أعوجا
الثاني: يعني مخلوقا ، قاله . ابن عباس
الثالث: أنه العدول عن الحق إلى الباطل ، وعن الاستقامة إلى الفساد ، وهو قول علي بن عيسى.
[ ص: 284 ] والفرق بين العوج بالكسر والعوج بالفتح أن العوج بكسر العين ما كان في الدين وفي الطريق وفيما ليس بقائم منتصب ، والعوج بفتح العين ما كان في القناة والخشبة وفيما كان قائما منتصبا. قيما فيه ثلاثة تأويلات: أحدها: أنه المستقيم المعتدل ، وهذا قول ابن عباس والضحاك.
الثاني: أنه قيم على سائر كتب الله تعالى يصدقها وينفي الباطل عنها.
الثالث: أنه المعتمد عليه والمرجوع إليه كقيم الدار الذي يرجع إليه في أمرها ، وفيه تقديم وتأخير في قول الجميع وتقديره: أنزل الكتاب على عبده قيما ولم يجعل له عوجا ولكن جعله قيما. لينذر بأسا شديدا من لدنه يحتمل وجهين: أحدهما: أنه عذاب الاستئصال في الدنيا.
الثاني: أنه عذاب جهنم في الآخرة.