[ ص: 311 ]
سورة القدر
مكية في قول الأكثرين ، ومدنية في قول ، وذكر الضحاك أنها الواقدي بالمدينة . بسم الله الرحمن الرحيم أول سورة نزلت
إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر
قوله تعالى إنا أنزلناه في ليلة القدر فيه وجهان :
أحدهما : يعني جبريل ، أنزله الله في ليلة القدر بما نزل به من الوحي .
الثاني : يعني القرآن; وفيه قولان :
أحدهما : ما روى قال : ابن عباس من عند الله تعالى في اللوح المحفوظ إلى السفرة الكرام الكاتبين في السماء الدنيا ، فنجمته السفرة على نزل القرآن في رمضان وفي ليلة القدر في ليلة مباركة جملة واحدة جبريل في عشرين ليلة ، ونجمه جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم في عشرين سنة ، وكان ينزل على مواقع النجوم أرسالا في الشهور والأيام .
[ ص: 312 ]
القول الثاني : أن الله تعالى ابتدأ بإنزاله في ليلة القدر ، قاله . واختلف في الشعبي مع اتفاقهم أنها في العشر الأواخر من رمضان ، وأنها في وتر العشر أوجد ، إلا ليلة القدر فإنه زعم أنها في الشهر كله . فذهب ابن عمر رحمه الله إلى أنها في إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين لحديث الشافعي ، وذهب أبي سعيد الخدري أبي بن كعب إلى أنها في ليلة سبع وعشرين . واختلف في الدليل ، فاستدل وابن عباس بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أبي ، قال : وقد رأيت ذلك في صبيحة سبع وعشرين ، واستدل (من علامتها أن تصبح الشمس لا شعاع لها) بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ابن عباس فهي في قوله (سلام) و(هي) الكلمة السابعة والعشرون ، فدل أنها فيها . وقال آخرون : هي في ليلة أربع وعشرين للخبر المروي في تنزيل الصحف ، وقال آخرون : إن الله تعالى ينقلها في كل عام من ليلة إلى أخرى ليكون الناس في جميع العشر مجتهدين ، ولرؤيتها متوقعين . وفي تسميتها ليلة القدر أربعة أوجه : سورة القدر ثلاثون كلمة
أحدها : لأن الله تعالى قدر فيها إنزال القرآن .
الثاني : لأن الله تعالى يقدر فيها أمور السنة ، أي يقضيها ، وهو معنى قول . مجاهد
الثالث : لعظم قدرها وجلالة خطرها ، من قولهم رجل له قدر ، ذكره . ابن عيسى
الرابع : لأن للطاعات فيها قدرا عظيما وثوابا جزيلا . وما أدراك ما ليلة القدر تنبيها لرسول الله صلى الله عليه وسلم على فضلها ، وحثا على العمل فيها ، قال : وليلتها كيومها ، ويومها كليلتها . الشعبي
[ ص: 313 ]
قال : كل ما في القرآن من قوله تعالى : (وما أدراك) فقد أدراه ، وما كان من قوله (وما يدريك) فلم يدره . قال الفراء : لا يقدر الله في ليلة القدر إلا السعادة والنعم ، ويقدر في غيرها البلايا والنقم ، وقال الضحاك : كان عكرمة يسمي ليلة القدر ليلة التعظيم ، وليلة النصف من شعبان ليلة البراءة ، وليلتي العيدين ليلة الجائزة . ابن عباس ليلة القدر خير من ألف شهر فيه ستة أقاويل : أحدها : ليلة القدر خير من عمر ألف شهر ، قاله . الربيع
الثاني : أن ، قاله العمل في ليلة القدر خير من العمل في غيرها ألف شهر . مجاهد
الثالث : أن ليلة القدر خير من ألف شهر ليس فيها ليلة القدر ، قاله . قتادة
الرابع : أنه كان رجل في بني إسرائيل يقوم الليل حتى يصبح ثم يجاهد العدو حتى يمسي ، ففعل ذلك ألف شهر ، فأخبر الله تعالى أن قيام ليلة القدر خير من عمل ذلك الرجل ألف شهر ، رواه ابن أبي نجيح . ومجاهد
الخامس : أن ملك سليمان كان خمسمائة شهر ، وملك ذي القرنين كان خمسمائة شهر ، فصار ملكهما ألف شهر ، فجعل العمل في ليلة القدر خيرا من زمان ملكهما . تنزل الملائكة والروح فيها قال : الملائكة في ليلة القدر في الأرض أكثر من عدد الحصى . وفي (الروح) ها هنا أربعة أقاويل : أحدها : أبو هريرة جبريل عليه السلام ، قاله . سعيد بن جبير
الثاني : حفظة الملائكة ، قاله . ابن أبي نجيح
الثالث : أنهم أشرف الملائكة وأقربهم من الله ، قاله . مقاتل
الرابع : أنهم جند من الله من غير الملائكة ، رواه عن مجاهد مرفوعا . ابن عباس
[ ص: 314 ]
ويحتمل إن لم يثبت فيه نص قولا خامسا : أن الروح والرحمة تنزل بها الملائكة على أهلها ، دليله قوله تعالى : ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أي بالرحمة . بإذن ربهم يعني بأمر ربهم . من كل أمر يعني يقضى في تلك الليلة من رزق وأجل إلى مثلها من العام القابل . وقرأ : من كل امرئ ، فتأولها ابن عباس على أن الكلبي جبريل ينزل فيها مع الملائكة فيسلمون على كل امرئ مسلم . سلام هي حتى مطلع الفجر فيه ثلاثة تأويلات : أحدها : أن ، لا يحدث فيها حدث ولا يرسل فيها شيطان ، قاله ليلة القدر هي ليلة سالمة من كل شر . مجاهد
الثاني : أن ، قاله ليلة القدر هي سلام وخير وبركة . قتادة
الثالث : أن ، قاله الملائكة تسلم على المؤمنين في ليلة القدر إلى مطلع الفجر . الكلبي