وإذ قالت عطف على إذ يعدون مسوق لبيان تماديهم في العدوان وعدم انزجارهم عنه بعد العظات والإنذارات.
قال العلامتان الطيبي والتفتازاني: ولا يجوز أن يكون معطوفا على: إذ تأتيهم وإن كان أقرب لفظا لأنه إما بدل أو ظرف فيلزم أن يدخل هؤلاء القائلون في حكم أهل العدوان وليس كذلك، وهذا على ما قيل على تقدير الظرفية ظاهر، وأما على تقدير الإبدال فلأن البدل أقرب إلى الاستقلال، واستظهر في بيان وجه ذلك أن زمان القول بعد زمان العدوان ومغاير له، واعتبار كونه ممتدا كسنة مثلا يقع فيه ذلك كله تكلف من غير مقتض، والقول بأن العطف على ذاك يشعر أو يوهم أن القائلين من العادين في السبت لا من مطلق أهل القرية فيه ما فيه. أمة منهم أي: جماعة من صلحائهم الذين لم يألوا جهدا في عظتهم حين يئسوا من احتمال القبول لآخرين لم يقلعوا عن التذكير رجاء النفع والتأثير. لم تعظون قوما الله مهلكهم أي: مستأصلهم بالكلية ومطهر وجه الأرض منهم. أو معذبهم عذابا شديدا دون الاستئصال بالمرة، وقيل: مهلكهم في الدنيا أو معذبهم في الآخرة لعدم إقلاعهم عما هم عليه من الفسق والترديد لمنع الخلو على هذا، وإيثار صيغة اسم الفاعل في الشقين للدلالة على تحقق كل من الإهلاك والتعذيب وتقررهما البتة كأنهما واقعان، وإنما قالوا ذلك مبالغة في أن الوعظ لا ينجع فيهم؛ إذ المقصود: لا تعظوا، أو: أتعظون؛ فعدل عنه إلى السؤال عن السبب لاستغرابه لأن الأمر العجيب لا يدرى سببه، أو سؤالا عن حكمة الوعظ ونفعه، وقيل: إن هذا تقاول وقع بين الصلحاء الواعظين كأنه قال بعضهم لبعض: لم نشتغل بما لا يفيد، ويحتمل على كلا القولين أن ذلك صدر من القائل بمحضر من القوم فيكون متضمنا لحثهم على الاتعاظ، فإن بت القول بهلاكهم أو عذابهم مما يلقي في قلوبهم الخوف والخشية، وقيل: قائلو ذلك المعتدون في السبت قالوا تهكما بالناصحين المخوفين لهم بالهلاك والعذاب، وفيه بعد كما ستقف عليه قريبا إن شاء الله تعالى. قالوا أي: المقول لهم ذلك: معذرة إلى ربكم أي: نعظهم معذرة إليه تعالى على أنه مفعول، وهو الأنسب بظاهر قولهم: لم تعظون أو نعتذر معذرة على أنه مفعول مطلق لفعل محذوف، وقيل: هو مفعول به للقول، وهو إن كان مفردا في معنى الجملة لأنه الكلام الذي يعتذر به. والمعذرة في الأصل بمعنى العذر وهو التنصل من الذنب، وقال إنه بمعنى الاعتذار، وعداه ب إلى لتضمنه معنى الإنهاء والإبلاغ، وفي إضافة الرب إلى ضمير المخاطبين نوع تعريض بالسائلين، وهذا الجواب على القولين الأولين ظاهر، وعلى الأخير قيل: إنه من تلقي السائل بغير ما يترقب فهو من الأسلوب الحكيم، وقرأ من عدا حفص والمفضل: (معذرة) بالرفع على أنه خبر مبتدأ [ ص: 92 ] محذوف أي: موعظتنا معذرة إليه تعالى حتى لا ننسب إلى نوع تفريط في النهي عن المنكر. الأزهري: ولعلهم يتقون عطف على (معذرة) أي: ورجاء أن يتقوا بعض التقاة؛ فإن اليأس المحقق لا يحصل إلا بالهلاك، قال شيخ الإسلام: وهذا صريح في أن القائلين: لم تعظون ... إلخ. ليسوا من الفرقة الهالكة وإلا لوجب الخطاب. اهـ.
وقد يوجه ذلك على ذلك القول بأنه التفات أو مشاكلة لتعبيرهم عن أنفسهم في السؤال بقوم، وإما لجعله باعتبار غير الطائفة القائلين إلا أن كل ذلك خلاف الظاهر.