؛ لأن ( والصبح ) يدخل وقتها ( بالفجر الصادق ) جبريل صلاها أول يوم حين حرم الفطر على الصائم وإنما يحرم بالصادق إجماعا ولا نظر لمن شذ فلم يحرمه إلا بطلوع الشمس ومن ثم رد وإن نقل عن أجلاء صحابة وتابعين بأنه مخالف للإجماع وإن استدل له بقوله تعالى { فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة } الدال على أنه لا آية للنهار إلا الشمس المؤيد بآية { يولج الليل في النهار } الدالة على أنه لا فاصل بينهما ؛ لأن كل ذلك سفساف ومن ثم استبعد غير واحد صحة ذلك عن أحد يعتد به ( وهو ) بياض شعاع الشمس عند قربها من الأفق الشرقي ( المنتشر ضوءه معترضا بالأفق ) أي نواحي السماء بخلاف الكاذب وهو ما يبدو مستطيلا وأعلاه أضوأ من باقيه ، ثم تعقبه ظلمة
( تنبيه )
في تحقيق هذا وكونه مستطيلا كلام طويل لأهل الهيئة مبني على الحدس المبني على قواعد الحكماء الباطلة شرعا من منع الخرق ، والالتئام ، أو التي لم يشهد بصحتها [ ص: 426 ] على أنه لا يفي ببيان سبب كون أعلاه أضوأ مع أنه أبعد من أسفله من مستمده وهو الشمس ولا ببيان سبب انعدامه بالكلية حتى تعقبه ظلمة كما صرح به الأئمة وقدروها بساعة ، والظاهر أن مرادهم مطلق الزمن ؛ لأنها تطول تارة وتقصر أخرى وزعم بعض أهل الهيئة عدم انعدامه وإنما يتناقص حتى ينغمر في الفجر الصادق ولعله باعتبار التقدير لا الحس وفي خبر { مسلم ولا هذا العارض لعمود الصبح حتى يستطير بلال } أي ينتشر ذلك العمود أي في نواحي الأفق وقد يؤخذ من تسمية الفجر الأول عارضا للثاني شيئان أحدهما أنه يعرض للشعاع الناشئ عند الفجر الثاني انحباس قرب ظهوره كما يشعر به التنفس في قوله تعالى { لا يغرنكم أذان والصبح إذا تنفس } وعند ذلك الانحباس يتنفس منه شيء من شبه كوة ، والمشاهد في المنحبس إذا خرج بعضه دفعة أن يكون أوله أكثر من آخره وهذا لكون كلام الصادق قد يدل عليه ولإنبائه عن سبب طوله وإضاءة أعلاه واختلاف زمنه وانعدامه بالكلية الموافق للحس أولى مما ذكره أهل الهيئة القاصر عن كل ذلك ، ثانيهما أنه صلى الله عليه وسلم أشار بالعارض إلى أن المقصود بالذات هو الصادق وأن الكاذب إنما قصد بطريق العرض ليتنبه الناس به لقرب ذلك فيتهيئوا ليدركوا فضيلة أول الوقت لاشتغالهم بالنوم الذي لولا هذه العلامة لمنعهم إدراك أول الوقت فالحاصل أنه نور يبرزه الله من ذلك الشعاع ، أو يخلقه حينئذ علامة على قرب الصبح ومخالفا له في الشكل ليحصل التمييز وتتضح العلامة العارضة من المعلم عليه المقصود فتأمل ذلك فإنه غريب مهم
وفي حديث عند { أحمد } وفيه شاهد لما ذكرته آخرا ومما يؤيد ما أشرت إليه من الكوة ما أخرجه غير واحد عن ليس الفجر الأبيض المستطيل في الأفق ولكن الفجر الأحمر المعترض أن للشمس ثلثمائة وستين كوة تطلع كل يوم من كوة فلا بدع أنها عند قربها من تلك الكوة ينحبس شعاعها ، ثم يتنفس كما مر ، ثم رأيت ابن عباس للقرافي المالكي وغيره كالأصبحي من أئمتنا فيه كلاما يوضحه ويبين صحة ما ذكرته من الكوة ويوافق استشكالي لكونه يظهر ، ثم يغيب وحاصله وإن كان فيه طول لمس الحاجة إليه أنه بياض يطلع قبل الفجر الصادق ، ثم يذهب عند أكثر الأبصار دون الراصد المجتهد القوي النظر
وذكر ابن بشير المالكي أنه من نور الشمس إذا قربت من الأفق فإذا ظهر أنست به الأبصار فيظهر لها أنه غاب وليس كذلك ونقل الأصبحي إبراهيم أن بعضهم ذكر أنه يذهب بعد طلوعه ويعود مكانه ليلا وهذا البعض كثيرون من أئمتنا كما مر وأن أبا جعفر البصري بعد أن عرفه بأنه عند بقاء نحو ساعتين يطلع مستطيلا إلى نحو ربع السماء كأنه عمود وربما لم ير إذا كان الجو نقيا شتاء وأبين ما يكون إذا كان الجو كدرا صيفا أعلاه دقيق وأسفله واسع أي ولا ينافي هذا ما قدمته أن أعلاه أضوأ ؛ لأن ذاك عند أول الطلوع وهذا عند مزيد قربه من الصادق [ ص: 427 ] وتحته سواد ، ثم بياض ، ثم يظهر ضوء يغشي ذلك كله ، ثم يعترض : ورده بأنه رصده نحو خمسين سنة فلم يره غاب وإنما ينحدر ليلتقي مع المعترض في السواد ويصيران فجرا واحدا وزعم غيبته ، ثم عوده وهم ، أو رآه يختلف باختلاف الفصول فظنه يذهب وبعض الموقتين يقول هو المجرة إذا كان الفجر بالسعود ويلزمه أنه لا يوجد إلا نحو شهرين في السنة قال القرافي وقال آخرون هو شعاع الشمس يخرج من طاق بجبل قاف ، ثم أبطله بأن جبل قاف لا وجود له وبرهن عليه بما يرده ما جاء عن من طرق خرجها الحفاظ وجماعة منهم ممن التزموا تخريج الصحيح وقول الصحابي ذلك ونحوه مما لا مجال للرأي فيه حكمه حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم منها { ابن عباس أن وراء أرضنا بحرا محيطا ، ثم جبلا يقال له قاف ، ثم أرضا ، ثم بحرا ، ثم جبلا وهكذا حتى عد سبعا من كل }
وأخرج بعض أولئك عن أنه جبل من زمرد محيط بالدنيا عليه كنفا السماء وعن عبد الله بن بريدة مثله وكما اندفع بذلك قوله لا وجود له اندفع قوله : أثره ولا يجوز اعتقاد ما لا دليل عليه ؛ لأنه إن أراد بالدليل مطلق الإمارة فهذا عليه أدلة أو الإمارة القطعية فهذا مما يكفي فيه الظن كما هو جلي ، ثم نقل أعني مجاهد القرافي عن أهل الهيئة أنه يظهر ، ثم يخفى دائما ، ثم استشكله ، ثم أطال في جوابه بما لا يتضح إلا لمن أتقن علمي الهندسة ، والمناظرة وأولى منه أنه يختلف باختلاف النظر لاختلافه باختلاف الفصول ، والكيفيات العارضة لمحله قد يدق في بعض ذلك حتى لا يكاد يرى أصلا وحينئذ فهذا عذر من عبر بأنه يغيب وتعقبه ظلمة لخبر ( ويبقى حتى تطلع الشمس ) بذلك ويكفي طلوع بعضها بخلاف الغروب إلحاقا لما لم يظهر بما ظهر لقوته ( والاختيار أن لا مسلم ) وهو الإضاءة بحيث يميز الناظر القريب منه ؛ لأن تؤخر عن الإسفار جبريل صلاها ثاني يوم كذلك ولها غير هذا ، والأوقات الأربعة السابقة وقت كراهة من الحمرة إلى أن يبقى ما يسعها