( تتمة ) في فروع يعلم أكثرها مما مر لو انتزعت من المشتري ورجع بثمنه على البائع ، ويصرف له ما حصل في حياته من الغلة إن صدق الشهود ، وإلا وقفت فإن مات مصرا صرفت لأقرب الناس إلى الواقف قاله باع دارا ثم قامت بينة حسبة أن أباه وقفها ، وهو يملكها عليه ثم على أولاده الرافعي كالقفال ومرت الإشارة إليه في مبحث شهادة الحسبة ولو قدمت البراءة كما مر ، وإن أرختا فالمتأخرة ، والأوجه فيما لو شهد واحد بالمال وآخر به ثم بالبراءة منه أن الشهادة بالمال تمت ، وهذا شاهد بالبراءة فيحلف معه مدعيها ، ويجب تفصيل سبب الشهادة في مسائل ، ولو من فقيه موافق على المعتمد لاختلاف أئمتنا أنفسهم في ذلك منها الإكراه وقول شهدا بدين وآخران بالبراءة منه وأطلقتا أو إحداهما الغزالي وغيره : يكفي إطلاقه من فقيه لا يشتبه عليه أي : موافق ضعيف كما يعلم مما مر بما فيه أواخر الشهادات والسرقة ما لم يقصد المسروق منه مجرد التغريم والرشد وانقضاء العدة والرضاع والقتل وكل مختلف في موجبه كالطلاق ، والنكاح والبلوغ بالسن فإن لم يقل بالسن لم يحتج لتفصيل ، وكونه وارث فلان أو يستحق وقف كذا أو نظره أو الشفعة في كذا وكون هذا وقفا أو وصية فلا بد من بيان المصرف أي : إلا في شهادة الحسبة فيما يظهر وزعم الأصبحي أنه لا يكفي هذا وقف على مسجد كذا إلا إن عينا الواقف ، وهو بعيد ، بل لا وجه له ، وكون نحو البائع زائل العقل وبراءته من دين فلان كما رجحه الغزي ورجح غيره الاكتفاء بإطلاقه وقولهما : أوصى له بكذا فيذكران أنه بيده حتى مات ومن عهد له جنون وعقل فقامت بينة بأنه حال بيعه مثلا عاقل وأخرى بأنه مجنون تعارضتا إن أرختا بوقت واحد أو أطلقتا أو إحداهما ، وكذا إن جهل حاله ، والفعل يصدر من العاقل والمجنون فإن لم يعرف له إلا عقل قدمت بينة الجنون ؛ لأنها ناقلة أو إلا جنون قدمت بينة العقل لذلك ، ولو قدمت إن بينت ما أيسر به وسببه ، وأنه باق معه إلى الآن أما إذا علم أحدهما فتقدم الناقلة عنه شهدت بينة بإعسار من جهل حاله وأخرى بيساره
وكذا بينة السفه والرشد فإن علم أحدهما قدمت الناقلة عنه ، وإلا كأن شهدت بسفهه أول بلوغه والأخرى برشده قدمت فإن لم تقيد بأول بلوغه قدمت الأولى ؛ لأن الأصل الغالب الرشد ، وعليه يحمل إطلاق تقديمها قال : كالجرح قال ، ولو تكررت بينتا يسار وإعسار كلما شهدت واحدة بواحد منهما شهدت الأخرى بضده قدمت المتأخرة إلا أن يظن أن بينة الإعسار مستصحبة إعساره الأول ، ولو ابن الصلاح بلا حاجة أو بأن قيمته مائتان نقض الحكم وحكم بفساد البيع عند قامت بينة باحتياج نحو يتيم لبيع ماله ، وأن قيمته مائة وخمسون فباعه القيم به ، وحكم حاكم بصحة البيع ثم قامت أخرى بأنه بيع قال ؛ لأنه إنما حكم [ ص: 347 ] بناء على سلامة البينة من المعارض ولم تسلم فهو كما لو أزيلت يد داخل ببينة خارج ثم أقام ذو اليد بينة فإن الحكم ينقض لذلك وخالفه ابن الصلاح السبكي قال ؛ لأن الحكم لا ينقض بالشك إذ التقويم حدس وتخمين ، وقد تطلع بينة الأقل على عيب فمعها زيادة علم ، وإنما نقض في المقيس عليه لأجل اليد أي : الثابتة قبل ، ولقولهم : لو وجب الأقل ؛ لأنه المتيقن بخلاف نظيره في الوزن ؛ لأن مع بينة الأكثر زيادة علم ا هـ . وأطال غيرهما كولده شهدا بأن قيمة المسروق عشرة وشهد آخران بأنها عشرون التاج وأبي زرعة في فتاويه في الإجارة وغيرها الكلام في المسألة حتى زعم التاج أن المسألة في الرافعي فيها قولان من تخريج ابن سريج ، وهو عجيب منه فإن صورة الرافعي في أمرين محسوسين ، وهما الموت في رمضان أو شوال ومسألتنا في أمرين تخمينيين وشتان ما بينهما على أنه اختلف في الراجح من ذينك القولين فرجح الحجازي في مختصر الروضة أخذا من عبارتها النقض ونبه غيره من مختصريها على أنه مبني على ضعيف ، وأنه على الصحيح لا يتصور فيه نقض وعلى كل فلا شاهد في واحد من هذين لما نحن فيه لما علمت من بعد ما بين التخمينيات والمحسوسات ، ومما يتعجب منه أيضا زعم بعضهم أن المسألة في التنبيه وغيره ، وهذا
والذي يتعين اعتماده أخذا من تعليل السبكي بالشك وبه يصرح قوله : في فتاويه في الرهن لا يبطل بقيام البينة الثانية مهما كان التقويم الأول محتملا ووفاقا لأبي زرعة وغيره ، وإن وافق السبكي والإسنوي والأذرعي وغيرهما حمل الأول على ما إذا بقيت العين بصفاتها وقطع بكذب الأولى والثاني على ما إذا تلفت ولا تواتر أو لم يقطع بكذب الأولى واعتمد شيخنا كلام ورد كلام ابن الصلاح السبكي فقال : ويجاب بأنا لا نسلم أن ذلك نقض بالشك ، وما قالوه قبل الحكم بخلاف مسألتنا ، ولهذا لو وقع التعارض فيها قبل البيع والحكم امتنعا كما صرح هو به أي : خلافا لبعضهم ا هـ . ونفي تسليم ذلك بإطلاقه غير متضح ، والفرق بين ما قبل الحكم وما بعده واضح كيف والدوام يغتفر فيه ما لا يغتفر في الابتداء ؟ وأيضا فالتعارض قبل الحكم محرم له وعدمه موجب له فإذا وقع واجبا ثم عورض وجب أن لا ينظر لمعارضه إلا إن كان أرجح على أن السبكي جوز عند التعارض قبل الحكم البيع بالأقل بعد إشهاره ما لم يوجد راغب بزيادة وبهذا يعلم ما في إطلاق شيخنا عنه منع البيع عند التعارض ويجري ذلك كله في نظائر هذه المسألة ، وبحث السبكي أن القول قول القيم في الإشهار وأن ما باع به ثمن المثل ، وكذا نحو وكيل وعامل قراض قال ، وإنما صدق المولى إذا ادعى بعد كماله عليه البيع بلا مصلحة ؛ لأنها المسوغة للبيع كما يحتاج الوكيل لإثبات الوكالة ، وثمن المثل من صفات البيع فإذا ثبت جوازه له صدق في صفته لادعائه الصحة وادعاء غيره الفساد ا هـ . وفيه نظر ظاهر ، بل الذي يتجه أنه لا بد من إثباته الإشهار وثمن المثل ، وليس كالوكيل وغيره لأن نحو الوكيل لا يكلف إثبات مصلحة ، فثمن المثل أولى ، وأما القيم أو الوصي فيكلفها ؛ لأنه لم يتصرف بإذن المالك ، فكذا ثمن المثل وفرقه المذكور يرد بأن ثمن المثل مسوغ أيضا ، وكون هذا الشيء يباع لحاجة المولى من صفات البيع أيضا فجعله الثمن صفة والحاجة مسوغة كالتحكم [ ص: 348 ] فتأمله .
ونظره لادعائه الصحة يلزم عليه أنه لا يكلف إثبات المصلحة لادعائه الصحة أيضا فمحل تصديق مدعي الصحة حينئذ حيث لم يكلف إثبات مسوغ البيع ، ولو فقيل يحكم بالحكم الأخير ؛ لأنه ناسخ وقيل : يتعارضان فيتساقطان أي : ويرجح بواحد مما مر مما يمكن مجيئه هنا فإن اتحد الحاكم فقيل : كذلك وقيل : يلغى الثاني والذي يتجه أنه لا فرق ، وأن الحكمين حيث اختلف تاريخهما قدم السابق إلا أن يرجح الثاني بشيء مما مر نظير ما مر في البينتين ، وزعم النسخ هنا مشكل جدا إلا على القول المردود أنه ينفذ باطنا ، وإن لم يكن باطن الأمر كظاهره فإن لم يؤرخا كذلك تعارضا نظير ما مر في البينتين أيضا شهدت بينة بأن فلانا حكم لهذا به وبينة بأن آخر حكم به لآخر