عداوة دنيوية ظاهرة للخبر الصحيح فيه ولأنه قد ينتقم منه بشهادة باطلة عليه ومن ذلك أن يشهدا على ميت بعين فيقيم الوارث بينة بأنهما عدوان له فلا يقبلان عليه على الأوجه من وجهين في البحر ؛ لأنه الخصم في الحقيقة إذ التركة ملكه وبه يرد بحث ( ولا تقبل من عدو ) على عدوه التاج الفزاري أن ذلك غير قادح وإن أفتى شيخنا بما يوافقه محتجا بأن المشهود عليه بالحقيقة الميت . ا هـ .
وليس كما قال على أنه لو قيل لا يقبل عدوا الميت ولا عدوا الوارث عملا بكل من التعليلين المذكورين لكان أظهر وليس هذا إحداث وجه ثالث ؛ لأنه لم يخرج عما يقول به كل من الوجهين ( تنبيه ) .
وظاهر كلامهم قبولها من ولد العدو ويوجه بأنه لا يلزم من عداوة الأب عداوة الابن وزعم أنه أبلغ في العداوة من أبيه وأنه ينبغي أن لا تقبل ولو بعد موت أبيه وإن كان الأصح على ما قيل عند المالكية قبوله بعد موته لا في حياته ليس في محله ؛ لأن الكلام في ولد عدو لم يعلم وحينئذ يبطل زعم أنه أبلغ في العداوة من أبيه بإطلاقه ، أما معلوم الحال من عداوة أو عدمها فحكمه واضح ( وهو من يبغضه بحيث يتمنى زوال نعمته ويحزن بسروره ويفرح بمصيبته ) لشهادة العرف بذلك واعترضه البلقيني بأن البغض دون العداوة ؛ لأنه بالقلب وهي بالفعل فكيف يفسر الأغلظ بالأخف ويرد بأنه لم يفسرها بالبغض فقط بل به [ ص: 234 ] بقيد ما بعده وهذا مساو لعداوة الظاهر بل أشد منه والأذرعي بأنها إذا انتهت إلى ذلك فسق بها ؛ لأنه حينئذ حاسد ، والحسد فسق والفاسق مردود الشهادة حتى على صديقه وقد صرح الرافعي بأن المراد العداوة الخالية عن الفسق وقد يجاب بأن بعضهم فرق بأن العداوة أن يتمنى مطلق زوالها ، والحسد أن يتمنى زوالها إليه أو أن المراد أن يصل فيها لتلك الحيثية بالقوة لا بالفعل فحينئذ هو لم توجد منه حقيقة الحسد المفسقة بل حقيقة العداوة الغير المفسقة فصح كونه عدوا غير حاسد ، وحصر البلقيني العداوة في الفعل ممنوع وإنما الفعل قد يكون دليلا عليها على أن جمعا نقلوا عن الأصحاب أن المراد بها المفسقة فحينئذ لا إشكال قالا وقد تمنع العداوة من الجانبين ومن أحدهما فلو عادى من يريد أن يشهد عليه وبالغ في خصومته فلم يجبه قبلت شهادته عليه ( تنبيه ) .
حاصل كلام الروضة وأصلها أن من قذف آخر لا تقبل شهادة كل منهما على الآخر وإن لم يطلب المقذوف حده وكذا من ادعى على آخر أنه قطع عليه الطريق وأخذ ماله فلا تقبل شهادة أحدهما على الآخر . ا هـ .
ويوجه بأن رد القاذف والمدعي ظاهر ؛ لأنه نسبه فيهما إلى الفسق وهذه النسبة تقتضي العداوة عرفا وإن صدق ، ورد المقذوف والمدعى عليه كذلك ؛ لأن نسبته الزنا أو القطع تورث عنده عداوة له تقتضي أنه ينتقم منه بشهادة باطلة عليه وحينئذ يؤخذ من ذلك أن كل من نسب آخر إلى فسق اقتضى وقوع عداوة بينهما فلا يقبل من أحدهما على الآخر نعم يتردد النظر فيمن اغتاب آخر بمفسق تجوز له الغيبة به وإن أثبت السبب المجوز لذلك وقضية ما تقرر في الدعوى بالقطع من أنه لا تقبل شهادة أحدهما على الآخر وإن أثبت المدعي دعواه أنه كما هنا وعليه فيفرق بأن المعنى المجوز للغيبة وهو أن المغتاب هتك عرضه بظلمه للمغتاب فجوز له الشارع الانتقام منه بالغيبة غير المعنى المقتضي للرد وهو أن ذلك الأمر يحمل على الانتقام بشهادة باطلة وذلك جائز وقوعه من كل منهما فلم تقبل شهادة أحدهما على الآخر ( وتقبل له ) [ ص: 235 ] حيث لم تصل إلى حسد مفسق لانتفاء التهمة ( وكذا ) تقبل ( عليه في عداوة دين ككافر ) شهد عليه مسلم ؛ لأنها لما كانت لأجل الدين انتفت التهمة عنها ومن ( ومبتدع شهد عليه سني ) عليه كفلان لا يحسن الفتوى قبلت شهادته عليه أبغض فاسقا لفسقه أو قدح فيه بما هو واجب