( أو ) أو لا يتسرى كما بحثه حلف ( لا يتزوج ) أبو زرعة ، ورد ما يتوهم من الفرق أن التزوج إيجاب وقبول ، وهو منقض لا دوام له ، والتسري فعل ، وهو التحصين عن العيون والوطء والإنزال ، وهذا مستمر بأن هذا إنما يأتي إن حمل التسري على مدلوله اللغوي لا العرفي إذ أهله لا يطلقون التسري إلا على ابتدائه دون دوامه ا هـ . وفيه نظر ، والأولى على رأي الرافعي منع أن التزوج هو ما ذكر لا غير ، بل يطلق لغة وعرفا على الصفة الحاصلة بعد الصيغة فساوى التسري ( أو لا يتطهر أو لا يلبس أو لا يركب أو لا يقوم أو لا يقعد ) أو لا يشارك فلانا أو لا يستقبل القبلة ( فاستدام هذه الأحوال حنث ) ؛ لأنها تقدر بزمان كلبست يوما وركبت ليلة وشاركته شهرا وكذا البقية ، وإذا لزمه كفارة أخرى لانحلال اليمين الأولى بالاستدامة الأولى ، وقضيته أنه لو حنث باستدامة شيء ثم حلف أن لا يفعله فاستدامه تكرر الطلاق بتكرر الاستدامة ، فتطلق ثلاثا بمضي ثلاث لحظات وهي لابسة وما قيل ذكر كلما قرينة صارفة للابتداء مردود بمنع ذلك ويتردد النظر في لابس مثلا قال : كلما لبست فأنت طالق فلا يحنث إلا إن استمر لابسا إليه كل محتمل ، لكن قضية قولهم : الفعل المنفي بمنزلة النكرة المنفية في إفادة العموم ترجيح الأول فلذا جرى عليه [ ص: 25 ] بعضهم . حلف لا يلبس إلى وقت كذا ، هل تحمل يمينه على أن لا يوجد لبسا قبل ذلك الوقت فيحنث باستدامة اللبس ولو لحظة أو على الاستدامة إلى ذلك الوقت
وفي الأنوار : لم يحنث وهو مشكل على ما تقرر في اللبس إلا أن يفرق بأن صيغة التفعل تقتضي إيجاد معاناة للفعل ، والاستدامة ليس فيها ذلك فلم يمكن التقدير هنا بمدة بخلاف صيغة أصل الفعل كاللبس ، وعليه فهل يختص هذا بالنحوي أو لا لأن العامي يدرك الفرق بين الصيغتين ، وإن لم يحسن التعبير عنه كل محتمل ، والثاني أقرب ؛ وبذلك يعلم أنه لو حلف لا يلبس هذا الخاتم وهو لابسه حنث بالاستدامة ، ( قلت تحنيثه باستدامة التزوج والتطهر ) على ما في أكثر نسخ المحرر ( غلط لذهول ) عما في شرحيه ، فإن الذي جزم به فيهما عدم الحنث كما هو المنقول المنصوص ؛ إذ لا يقدران بمدة كالدخول والخروج فلا يقال : تزوجت ولا تسريت ولا تطهرت شهرا مثلا ، بل منذ شهر ، وزعم حلف لا يتختم وهو لابس الخاتم فاستدامه البلقيني أنه يقال : ذلك مردود ، ولك أن تقول : إن أريد لا يقال ذلك عرفا اتجه الرد ؛ لأن كلامهم صريح في أنه لا يقال عرفا وهم أحق بمعرفة العرف من غيرهم أو نحوا اتجه ما قاله إذ النحو لا يمنعه ، لكن من الواضح أن المراد هو الأول ومحل عدم الحنث فيهما إن لم ينو استدامتهما وإلا حنث بها جزما ( واستدامة طيب ليست تطيبا في الأصح ؛ ) إذ لا يقدر عادة بمدة ومن ثم لم يلزمه بها فدية فيما لو تطيب ثم أحرم واستدام .
( وكذا وطء ) وغصب ( وصوم وصلاة ) فلا يحنث باستدامتها في الأصح ( والله أعلم ) ، ونازع في هذه الأربعة البلقيني وغيره ؛ لأنها تقدر بزمان وليس كذلك ، فإن المراد في نحو نكح أو وطئ فلانة وغصب كذا وصام شهرا استمرار أحكام تلك لا حقيقتها لانقضائها بانقضاء أدنى زمن في الثلاثة الأول وبمضي يوم لا بعضه في الصوم ؛ إذ حقيقته الإمساك من الفجر إلى الغروب وهذه الحقيقة لا يمكن تقديرها بزمن إلا حكما كما تقرر ، والصلاة لم يعهد عرفا ولا شرعا تقديرها بزمن ، بل بعدد الركعات فإن قلت ينافي ما ذكر في الوطء جعلهم مفسدا ، قلت : لا ينافيه ؛ لأن ذاك لمعنى آخر أشاروا إليه بقولهم تنزيلا لمنع الانعقاد منزلة الإبطال قال استدامة الصائم الوطء بعد الفجر مع علمه وطئا الماوردي وكل عقد أو فعل يحتاج لنية لا تكون استدامته كابتدائه .
وفيما أطلقه في العقد نظر لما مر في الشركة إلا أن يحمل ذاك على الشركة بغير عقد كالإرث ، [ ص: 26 ] أو لا يغصب فاستدام فلا كما قالاه ، واعترضه الإسنوي بصحة تقديره بمدة كغصبته شهرا وبتصريحهم بأنه في دوام الغصب غاصب ويرد بمنع تقديره بمدة عرفا على أن المراد وأقام عندي شهرا ، ومعنى قولهم المذكور أنه غاصب حكما وليس الكلام فيه ، ثم رأيت شارحا أجاب بنحو ذلك ، واستدامة السفر سفر ولو بالعود منه
نعم إن حلف على الامتناع منه لم يحنث بالعود وعلم مما تقرر أن كل ما يقدر عرفا بمدة من غير تأويل يكون دوامه كابتدائه فيحنث باستدامته وما لا فلا ، ولو حنث كما أفتى به بعضهم أخذا من كلامهم في نذر اعتكاف شهر أو سنة مثلا ، قالوا لصدق الاسم بالمتفرق والمتوالي بخلاف ما لو حلف لا يقيم بمحل ثلاثة أيام وأطلق فأقام به يومين ثم سافر ثم عاد فأقام به يوما ؛ لأن المقصود باليمين الهجر ولا يتحقق بغير تتابع ، واعترض بقول الروضة : لو حلف لا يكلمه شهرا فلا حنث حلف لا تمكث زوجته في الضيافة أكثر من ثلاثة أيام فخرجت منها الثلاث فأقل ثم رجعت إليها
وفرق بأن المعلق عليه وجد هنا لإثم ؛ لأنه المكث أكثر من ثلاثة أيام للضيافة ، والرجوع ولو بقصد الضيافة لا يسمى ضيافة ؛ لأنها مختصة بالمسافر بعد قدومه وهو واضح إن تم له هذا التعليل ، كيف والعرف قاض بأنها لا تختص بذلك