وإن فلبس فهو ضامن ; لأن الناس يتفاوتون في لبس الثوب ، ولبس القصاب والدباغ لا يكون كلبس البزاز والعطار فكان هذا تقييدا مفيدا في حق صاحب الثوب ، فإذا ألبسه المستعير غيره صار مخالفا ، وكذلك الدابة إذا استعارها ليركبها هو ; لأن الناس يتفاوتون في الركوب فرب راكب يروض الدابة ، وآخر يقتلها ، فأما إذا استعار ثوبا ليلبسه هو فأعطاه غيره لم يضمن ; لأن صاحب الثوب رضي باستيفاء منفعة اللبس من ثوبه مطلقا ، فسواء لبسه المستعير أو غيره لم يكن مخالفا لما نص عليه المستعير ، وكذلك إن استعاره ولم يسم من يلبسه فأعاره غيره كسكنى الدار وخدمة العبد ; لأن تقييده هنا بنفسه غير مفيد فيكون وجوده كعدمه ، وهو بناء على أصلنا أن للمستعير أن يعير ، وعند كان المستعار مما لا تتفاوت الناس في الانتفاع به رحمه الله تعالى ليس للمستعير أن يعير ; لأنه منتفع بملك الغير بإذنه ، فلا يكون له أن يأذن لغيره في ذلك كالمباح له الطعام لا يبيح لغيره ، وهذا لأنه يسوي غيره بنفسه فيما هو من حق الغير ، وإنما له هذه الولاية في حق نفسه لا في حق الغير ألا ترى أن الوكيل بالتصرف لا يوكل غيره به ، وحجتنا في ذلك أن المستعير مالك للانتفاع بهذه العين فيملك أن يعيره من غيره كالمستأجر ، والموصى له بالخدمة ، وهذا لما بينا أن المستعير يملك المنفعة بالعارية ، وإليه أشار بعد هذا فقال : ( من أعارك شيئا فقد جعل لك منفعة ذلك ) والدليل عليه أنه لو الشافعي كانت عارية صحيحة . فإذا ثبت أنه مالك للمنفعة فهو بالتمليك من الغير يتصرف في ملك نفسه ، ويستوي غيره بنفسه في حق نفسه ، وذلك صحيح بخلاف المباح له الطعام ، فإنه لا يملك الطعام ، وإنما يتناوله على ملك المبيح إلا أن العين بقي على ملك صاحبه ففيما يتفاوت الناس في الانتفاع به لا يعيره من غيره ، وإن كان تصرفه في ملك نفسه لدفع الضرر ، وذلك صحيح كما أن قال : ملكتك منفعة هذه العين لدفع الضرر عن نفسه ، والمشتري إذا تصرف في الشقص المشفوع فهو متصرف في ملكه ، ثم ينقض تصرفه لدفع الضرر على الشفيع . أحد الشريكين في العبد إذا كاتبه كان للآخر [ ص: 141 ] أن يفسخ