284 - مسألة : وأما ، فإن ذلك مستحب - مكروه تركه - في كل صلاة ، سواء كان صلى منفردا ; لعذر أو في جماعة ، وليصلها ولو مرات كلما وجد جماعة تصليها ، وقد قال قوم : لا يصليها ثانية أصلا . إعادة من صلى إذا وجد جماعة تصلي تلك الصلاة
وقال : لا يصلي ثانية إلا الظهر والعتمة فقط ، سواء كان صلاهما في جماعة أو منفردا ، والأولى هي صلاته ; حاشا صلاة الجمعة ; فإنه إن صلاها في بيته منفردا أجزأته ، ولم يكن عليه أن ينهض إلى الجامع ، فإن خرج إلى المسجد والإمام لم يسلم بعد من صلاة الجمعة ; فحين خروجه لذلك تبطل صلاته التي كان صلى في بيته ، وكانت التي تصلى مع الإمام فرضه . أبو حنيفة
وقال أبو يوسف : لا تبطل صلاته التي صلى في بيته بخروجه إلى الجامع ، لكن بدخوله مع الإمام في صلاة الجمعة تبطل التي صلى في [ ص: 25 ] منزله . ومحمد بن الحسن
وقال : يعيد من صلى في منزله صلاة فرض مع الجماعة إذا وجدها تصلي تلك الصلاة جميع الصلوات حاشا المغرب فلا يعيدها ، قال : والأمر في أي الصلاتين فرضه إلى الله تعالى ، قال : فإن صلى في جماعة لم يعد في أخرى . مالك
قال : أما من منع من الإعادة جملة فإنه احتج بما رويناه من طريق أبو محمد أبي داود : ثنا أبو كامل يزيد بن زريع ثنا - عن حسين هو المعلم عن عمرو بن شعيب قال : أتيت سليمان بن يسار على ابن عمر البلاط وهم يصلون ، فقلت : ألا تصلي معهم ؟ قال قد صليت ، وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { } . لا تصلوا صلاة في يوم مرتين
قال : وهذا خبر صحيح لا يحل خلافه ، ولا حجة لهم فيه ولم نقل قط ، ومعاذ الله من هذا ; إنه يصلي على نية أنها الصلاة التي صلى ، فيجعل في يوم واحد ظهرين أو عصرين أو صبحين أو مغربين أو عتمتين ; هذا كفر لا يحل القول به ; لأحد لكنه يصلي نافلة كما نص رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك . علي
وأما قول ، فإنه احتج بأن التطوع بعد الصبح وبعد العصر لا يجوز واحتج بالأخبار الواردة في ذلك ، وغلبها على أحاديث الأمر ; وغلبنا نحن أحاديث الأمر ، وسنذكر البرهان على الصحيح من العملين إن شاء الله تعالى ، بعد تمام كلامنا في هذه المسألة وفي التي بعدها إن شاء الله . أبي حنيفة
وأما قول فإنهم احتجوا في المنع من أن يصلي مع الجماعة التي تصلي المغرب خاصة بأن قالوا : إن المغرب وتر النهار ، فلو صلاها ثانية لشفعها ، فبطل كونها وترا . مالك
قال : وهذا خطأ ; لأن إحداهما نافلة والأخرى فريضة ، بإجماع منا ومنهم والنافلة لا تشفع الفريضة ، بإجماع منا ومنهم . علي
وقالوا : لا تطوع بثلاث ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { } وهذا لا حجة لهم فيه ; لأن الذي وجبت طاعته في إخباره بأن صلاة الليل والنهار مثنى مثنى ، هو الذي أمر من صلى ووجد جماعة تصلي أن يصلي معهم ولم يخص صلاة بعد صلاة ، وهو الذي أمر أن يتنفل في الوتر بواحدة أو بثلاث ، والعجب من [ ص: 26 ] احتجاجهم بهذا الخبر ، ونسوا أنفسهم في الوقت فقالوا : يصلي الظهر والعصر والعتمة مع الجماعة ; فأجازوا له التطوع بأربع ركعات لا يسلم بينها ; وليس ذلك مثنى مثنى ، وهذا تناقض منهم . صلاة الليل والنهار مثنى مثنى
والحق في هذا هو أن جميع أوامره صلى الله عليه وسلم حق لا يضرب بعضها ببعض ، بل يؤخذ بجميعها كما هي .
وقالوا : إن وقت صلاة المغرب ضيق ، وهذا خطأ ; لأن الجماعة التي وجدها تصلي ، لا شك في أنها تصلي في وقت تلك الصلاة بلا خلاف ، فما ضاق وقتها بعد ، فبطل كل ما شغبوا به في تخصيص المغرب هم والحنفيون معا ، وبالله تعالى التوفيق .
وأما تخصيص المالكيين بأن يصلي من صلاها منفردا فخطأ ; لأنه لم يأت بتخصيص ذلك قرآن ، ولا سنة ، ولا إجماع ، ولا قول صاحب ، ولا قياس ، ولا رأي صحيح ، وإن كانت الصلاة فضلا لمن صلى منفردا فإنها أفضل لمن يصلي في جماعة ، ولا فرق ، وفضل صلاة الجماعة قائم في كل جماعة يجدها ، ولا فرق .
وأما قولهم : إنه لا يدري أيهما صلاته فخطأ ; لأنهم لا يختلفون في أنه إن لم يصل مع الجماعة التي وجدها تصلي - غير راغب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم - فلا إثم عليه ، فإذ لا خلاف عندهم في أنه إن لم يصل فلا يلزمه أن يصلي ، ولا بد ; فلا شك في أنها نافلة إن صلاها ; لأن هذه هي صفة النافلة ; فلا خلاف في أنه إن شاء صلاها ، وإن شاء لم يصلها .
وأيضا فإنه لا يخلو إذا صلى مع الجماعة وقد صلى تلك الصلاة قبل من أن يكون نوى صلاته إياها أنه فرضه ، ونوى ذلك أيضا في التي صلى في منزله ، فإن كان فعل هذا ، فقد عصى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وخرق الإجماع ; في أن صلى صلاة واحدة في يوم مرتين ; على أن كل واحدة منهما فرضه الذي أمر به ، أو يكون لم ينو شيئا من ذلك في كلتيهما ; فهذا لم يصل أصلا .
ولا تجزيه واحدة منهن ، وهو عابث عاص ; لله تعالى أو يكون نوى في الأولى أنها فرضه وفي الثانية أنها نافلة أو في الأولى أنها نافلة وفي الثانية أنها فرضه ، فهو كما نوى ، ولا يمكن غير هذا أصلا وقال الأوزاعي : الثانية هي فرضه .
قال : والحق في هذا : أنه إن كان ممن له عذر في التخلف عن الجماعة فصلى وحده ، أو صلى في جماعة ، فالأولى فرضه بلا شك ; لأنها هي التي [ ص: 27 ] أدى على أنها فرضه ، ونوى ذلك فيها . علي
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { } ، وإن كان ممن لا عذر له في التأخر عن الجماعة ; فالأولى إن صلاها وحده باطل : والثانية فرضه ، وعليه أن يصلي ، ولا بد على ما نذكر في وجوب فرض الجماعة إن شاء الله تعالى ، والجمعة وغيرها في كل ذلك سواء . إنما الأعمال بالنيات وإنما ; لكل امرئ ما نوى
وأما قول وأصحابه فيمن صلى الجمعة في منزله ; لغير عذر فباطل لوجوه : أولها : تفريقه في ذلك بين الجمعة وغيرها بلا برهان . أبي حنيفة
والثاني : أنه فرق بين الجمعة وغيرها فقد أخطأ في قوله : إنها تجزئه إذا صلاها منفردا ; لغير عذر في منزله .
والثالث : إبطاله تلك الصلاة بعد أن جوزها : إما بخروجه إلى الجامع ، وإما بدخوله مع الإمام ، وكل ذلك آراء فاسدة مدخولة ، وقول في الدين بغير علم .
قال : فإذ قد بطلت هذه الأقوال كلها فلنذكر ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك . علي
حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي : حدثني مسلم بن الحجاج أبو الربيع الزهراني وأبو كامل الجحدري قالا : ثنا عن حماد بن زيد عن أبي عمران الجوني عبد الله بن الصامت عن قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم { أبي ذر } . وكيف أنت إذا كانت عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها ، أو يميتون الصلاة عن وقتها ؟ قلت : فما تأمرني ؟ قال : صل الصلاة لوقتها ، فإن أدركتها فيهم فصل فإنها لك نافلة
وبه إلى : حدثني مسلم زهير بن حرب ثنا - عن إسماعيل هو ابن إبراهيم بن علية عن أيوب السختياني أبي العالية البراء قال : أخر الصلاة ، فجاء ابن زياد عبد الله بن الصامت فذكرت له صنيع فقال : سألت ابن زياد كما سألتني فقال { أبا ذر } . إني سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتني فضرب فخذي وقال : صل الصلاة لوقتها فإن أدركت الصلاة معهم فصل ولا تقل إني قد صليت فلا أصلي
فهذا عموم منه صلى الله عليه وسلم لكل صلاة ، ولمن صلاها في جماعة أو منفردا لا يجوز تخصيص شيء من ذلك بالدعوى بلا دليل ، وبالله تعالى التوفيق .
وأخذ بهذا جماعة من السلف كما روينا عن : أنه أفتى بذلك ; وكما [ ص: 28 ] روينا عن أبي ذر عن حماد بن سلمة حميد عن أن أنس بن مالك أبا موسى الأشعري اتعدا موعدا فجاء أحدهما إلى صاحبه وقد صلى ، فصلى الفجر مع صاحبه . والنعمان بن مقرن
وبه إلى عن حماد بن سلمة ثابت البناني وحميد كلاهما عن قال : قدمنا مع أنس بن مالك فصلى بنا الفجر في المربد ، ثم جئنا إلى المسجد الجامع فإذا أبي موسى الأشعري يصلي بالناس ، والرجال والنساء مختلطون ، فصلينا معهم . المغيرة بن شعبة
فهذا فعل الصحابة في صلاة الفجر بخلاف قول ; وبعد أن صلوا جماعة بخلاف قول أبي حنيفة ، ولا يعرف لهم من الصحابة مخالف يخص صلاة المنفرد دون غيره . مالك
وروينا من طريق عن عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن جابر عن سعد بن عبيد : خرجت مع صلة بن زفر العبسي فمر بمسجد فصلى معهم الظهر وقد كان صلى ; ثم مر بمسجد فصلى معهم العصر وقد كان صلى ، ثم مر بمسجد فصلى معهم المغرب وشفع بركعة وكان قد صلى ، وعن حذيفة قال : يعيد العصر إذا جاء الجماعة . قتادة
قال : صل مع القوم فإن صلاتك معهم تفضل صلاتك وحدك بضعا وعشرين صلاة . سعيد بن المسيب
وعن سفيان عن عن جابر الشعبي : لا بأس أن تعاد الصلاة كلها .
وعن عن ابن جريج : إذا صليت المكتوبة في البيت ثم أدركتها مع الناس فإني أجعل التي صليتها في بيتي نافلة ، وأجعل التي صليت مع الناس المكتوبة ولو لم أدرك إلا ركعة واحدة منها . عطاء
قال : وسئل عن المغرب يصليها الرجل في بيته ثم يجد الناس فيها ؟ قال : أشفع التي صليت في بيتي بركعة ثم أسلم ثم ألحق بالناس ، فأجعل التي هم فيها المكتوبة . عطاء
وروينا عن عن وكيع عمرو بن حسان عن وبرة قال : صليت أنا وإبراهيم النخعي وعبد الرحمن بن الأسود المغرب ، ثم جئنا إلى الناس وهم في الصلاة ، فدخلنا معهم فلما سلم الإمام قام فشفع بركعة . إبراهيم
قال : لم يشفع أبو محمد ، وكل ذلك مباح ; لأنه تطوع لم يأت نهي عن شيء منه . عبد الرحمن
[ ص: 29 ] وعن أخبرنا حماد بن سلمة عن عثمان البتي أن أبي الضحى صلى المغرب ، ثم رأى قوما يصلون فصلى المغرب معهم في جماعة ، ثم شفع المغرب بركعة . مسروقا
وعن عن وكيع قال : تعاد الصلاة إلا الفجر والعصر ; ولكن إذا أذن في المسجد فالفرار أقبح من الصلاة . الربيع بن صبيح
قال : فإن ذكروا ما رويناه من طريق أبو محمد عن عبد الرزاق عن ابن جريج أن نافع قال : إن كنت قد صليت في أهلك ثم أدركت الصلاة في المسجد مع الإمام فصل معه ; غير صلاة الصبح والمغرب ، فإنهما لا يصليان في يوم مرتين ، فلا حجة لهم في هذا ; لأنهم قد خالفوه فخالفه ابن عمر في زيادته العصر فيما لا يعاد ; وخالفه أبو حنيفة في إعادة صلاة الصبح ، ومن أقر على نفسه بخلاف الحق والحجة ، فقد كفى خصمه مؤنته ، وبالله تعالى التوفيق . مالك