( 1116 ) مسألة قال : ( ويؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله تعالى ) لا خلاف في على غيرهما . واختلف في أيهما يقدم على صاحبه ؟ فمذهب التقديم بالقراءة والفقه ، رحمه الله ، تقديم القارئ . وبهذا قال أحمد ، ابن سيرين ، والثوري وإسحاق ، وأصحاب الرأي . وقال ، عطاء ، ومالك والأوزاعي ، ، والشافعي : يؤمهم أفقههم إذا كان يقرأ ما يكفي في الصلاة ; لأنه قد ينوبه في الصلاة ما لا يدري ما يفعل فيه إلا بالفقه ، فيكون أولى ، كالإمامة الكبرى والحكم . وأبو ثور
ولنا ما روى أوس بن ضمرة ، عن أبي مسعود ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { } أو قال : " سلما " . وروى يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة ، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة ، فإن كانوا في الهجرة سواء [ ص: 6 ] فأقدمهم سنا . ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { أبو سعيد } رواهما إذا اجتمع ثلاثة فليؤمهم أحدهم ، وأحقهم بالإمامة أقرؤهم . . وعن مسلم ، قال : لما قدم ابن عمر المهاجرون الأولون العصبة ، موضع بقباء ، كان يؤمهم سالم مولى أبي حذيفة ، وكان أكثرهم قرآنا رواه ، البخاري وأبو داود . وكان فيهم ، عمر بن الخطاب . وأبو سلمة بن عبد الأسد
وفي حديث عمرو بن سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { } . ولأن القراءة ركن في الصلاة فكان القادر عليها أولى ، كالقادر على القيام مع العاجز عنه . فإن قيل : إنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتقديم القارئ لأن أصحابه كان أقرؤهم أفقههم ، فإنهم كانوا إذا تعلموا القرآن تعلموا معه أحكامه ، قال : ليؤمكم أكثركم قرآنا كنا لا نجاوز عشر آيات حتى نعرف أمرها ، ونهيها ، وأحكامها . ابن مسعود
قلنا : اللفظ عام فيجب الأخذ بعمومه دون خصوص السبب ، ولا يخص ما لم يقم دليل على تخصيصه ، على أن في الحديث ما يبطل هذا التأويل ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { } . ففاضل بينهم في العلم بالسنة مع تساويهم في القراءة ، ولو قدم القارئ لزيادة علم لما نقلهم عند التساوي فيه إلى الأعلم بالسنة ، ولو كان العلم بالفقه على قدر القراءة للزم من التساوي في القراءة التساوي فيه ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : { فإن استووا فأعلمهم بالسنة أبي ، وأقضاكم وأعلمكم بالحلال والحرام علي ، ، وأفرضكم معاذ بن جبل زيد بن ثابت } . فقد فضل بالفقه من هو مفضول بالقراءة ، وفضل بالقراءة من هو مفضول بالقضاء والفرائض وعلم الحلال والحرام . أقرؤكم
قيل لأبي عبد الله : حديث النبي صلى الله عليه وسلم : " مروا أبا بكر يصلي بالناس " أهو خلاف حديث أبي مسعود ؟ قال : لا ، إنما قوله لأبي بكر - عندي - " يصلي بالناس " للخلافة ، يعني أن الخليفة أحق بالإمامة ، وإن كان غيره أقرأ منه ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر بالصلاة يدل على أنه أراد استخلافه . ( 1117 ) فصل : لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { ويرجح أحد القارئين على الآخر بكثرة القرآن ; } : ليؤمكم أكثركم قرآنا . وكان أحدهما أجود قراءة وإعرابا فهو أولى ; لأنه أقرأ ، فيدخل في عموم قوله : { وإن تساويا في قدر ما يحفظ كل واحد منهما ، } . يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله
وإن كان أحدهما أكثر حفظا ، والآخر أقل لحنا وأجود قراءة ، فهو أولى ; لأنه أعظم أجرا في قراءته ; لقوله عليه السلام : { } رواه من قرأ القرآن فأعربه فله بكل حرف عشر حسنات ، ومن قرأه ولحن فيه فله بكل حرف حسنة . الترمذي ، وقال : حديث حسن صحيح . ( 1118 ) مسألة قال : ( فإن استووا فأفقههم ) وذلك لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم { فأعلمهم بالسنة ، كانوا في القراءة سواء } ولأن الفقه يحتاج إليه في الصلاة [ ص: 7 ] للإتيان بواجباتها وسننها ، وجبرها إن عرض ما يحوج إليه فيها ، فإن قدم الأقرأ . نص عليه للخبر . فإن اجتمع فقيهان قارئان ، وأحدهما أقرأ ، والآخر أفقه ،
وقال : الأفقه أولى ; لتميزه بما لا يستغنى عنه في الصلاة . وهذا يخالف عموم الخبر ، فلا يعول عليه . ابن عقيل فالأعلم بأحكام الصلاة أولى ، لأن علمه يؤثر في تكميل الصلاة بخلاف الآخر . وإن اجتمع فقيهان ، أحدهما أعلم بأحكام الصلاة ، والآخر أعرف بما سواها ،
( 1119 ) مسألة ; قال : ( فإن استووا فأسنهم ) . يعني : أكبرهم سنا ، يقدم . وظاهر قول عند استوائهم في القراءة والفقه ، أنه يقدم أقدمهما هجرة ، ثم أسنهما ; لأنه ذهب إلى حديث أحمد أبي مسعود ، وهو مرتب هكذا . قال وعلى هذا الترتيب توجد أكثر أقاويل العلماء . ومعنى تقدم الهجرة أن يكون أحدهما أسبق هجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام ، لأن الهجرة قربة وطاعة فيقدم السابق إليها لسبقه إلى الطاعة . الخطابي : ، فأسنهم ; { فإذا استويا فيها ، إما لهجرتهما معا ، أو عدمها منهما لمالك بن الحويرث وصاحبه : ليؤمكما أكبركما } . متفق عليه . ولأن الأسن أحق بالتوقير والتقديم . وكذلك { لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن سهل ، لما تكلم في أخيه : كبر كبر } . أي دع الأكبر يتكلم . قال النبي صلى الله عليه وسلم
وقال أبو عبد الله بن حامد أحقهم بعد القراءة والفقه أشرفهم ، ثم أقدمهم هجرة ، ثم أسنهم . والصحيح ، الأخذ بما دل عليه حديث النبي صلى الله عليه وسلم في تقديم السابق بالهجرة ، ثم الأسن ; لتصريحه بالدلالة ، ولا دلالة في حديث مالك بن الحويرث على تقديم الأسن ; لأنه لم يثبت في حقهما هجرة ولا تفاضلهما في شرف ، ويرجح بتقديم الإسلام كالترجيح بتقديم الهجرة ، فإن في بعض ألفاظ حديث أبي مسعود : { } ولأن الإسلام أشرف من الهجرة ، فإذا قدم بتقدمها فتقدمه أولى . فإذا استووا في هذا كله قدم أشرفهم ، أي أعلاهم نسبا ، وأفضلهم في نفسه ، وأعلاهم قدرا ; لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : { فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلما قريشا ولا تقدموها } . قدموا
( 1120 ) فصل : قدم أتقاهم وأورعهم ; لأنه أشرف في الدين ، وأفضل وأقرب إلى الإجابة ، وقد جاء : " إذا أم الرجل القوم وفيهم من هو خير منه لم يزالوا في سفال " . ذكره الإمام فإن استووا في هذه الخصال ، في " رسالته " ، ويحمل تقديم هذا على الأشرف ، لأن شرف الدين خير من شرف الدنيا ، وقد قال الله تعالى : { أحمد إن أكرمكم عند الله أتقاكم } . فإذا استووا في هذا كله أقرع بينهم . نص عليه ، رحمه الله . وذلك لأن أحمد أقرع بينهم في الأذان ، فالإمامة أولى ، ولأنهم تساووا في الاستحقاق ، وتعذر الجمع ، فأقرع بينهم [ ص: 8 ] كسائر الحقوق . سعد بن أبي وقاص
وإن كان أحدهما يقوم بعمارة المسجد وتعاهده فهو أحق به ، وكذلك إن رضي الجيران أحدهما دون الآخر ، قدم بذلك . ولا يقدم بحسن الوجه ; لأنه لا مدخل له في الإمامة ، ولا أثر له فيها ، وهذا كله تقديم استحباب ، لا تقديم اشتراط ، ولا إيجاب ، لا نعلم فيه خلافا ، فلو قدم المفضول كان ذلك جائزا ; لأن الأمر بهذا أمر أدب واستحباب .