( 8220 ) فصل : وإذا أراد الإمام تولية قاض ، فإن كان له خبرة بالناس ويعرف من يصلح للقضاء ، ولاه ، وإن لم يعرف ذلك ، سأل أهل المعرفة بالناس ، واسترشدهم على من يصلح . وإن ذكر له رجل لا يعرفه ، أحضره وسأله ، وإن عرف عدالته ، وإلا بحث عن عدالته ، فإذا عرفها ولاه ، ويكتب له عهدا يأمره فيه بتقوى الله ، والتثبت في القضاء ، ومشاورة أهل العلم ، وتصفح أحوال الشهود ، وتأمل الشهادات ، وتعاهد اليتامى ، وحفظ أموالهم وأموال الوقوف ، وغير ذلك مما يحتاج إلى مراعاته . ثم إن كان البلد الذي ولاه قضاءه بعيدا ، لا يستفيض إليه الخبر بما يكون في بلد الإمام ، أحضر [ ص: 92 ] شاهدين عدلين وقرأ عليهما العهد ، وأقرآه غيره بحضرته ، وأشهدهما على توليته ; ليمضيا معه إلى بلد ولايته ، فيقيما له الشهادة ، ويقول لهما : اشهدا على أني قد وليته قضاء البلد الفلاني ، وتقدمت إليه بما اشتمل هذا العهد عليه .
وإن كان البلد قريبا من بلد الإمام ، يستفيض إليه ما يجري في بلد الإمام ، مثل أن يكون بينهما خمسة أيام أو ما دونها ، جاز أن يكتفي بالاستفاضة دون الشهادة ; لأن الولاية تثبت بالاستفاضة . وبهذا قال ، إلا أن عنده في الشافعي في البلد القريب وجهين . ثبوت الولاية بالاستفاضة
وقال أصحاب : تثبت بالاستفاضة . ولم يفصلوا بين القريب والبعيد ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم ولى أبي حنيفة عليا قضاء ومعاذا اليمن وهو بعيد ، من غير شهادة ، وولى الولاة في البلدان البعيدة وفوض إليهم الولاية والقضاء ، ولم يشهد ، وكذلك خلفاؤه . ولم ينقل عنهم ، مع بعد بلدانهم . الإشهاد على تولية القضاء
ولنا ، أن القضاء لا يثبت إلا بأحد الأمرين ، وقد تعذرت الاستفاضة في البلد البعيد ; لعدم وصولها إليه ، فتعين الإشهاد ، ولا نسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشهد على توليته ، فإن الظاهر أنه لم يبعث واليا إلا ومعه جماعة ، فالظاهر أنه أشهدهم ، وعدم نقله لا يلزم منه عدم فعله ، وقد قام دليله فتعين وجوده .