( 199 ) مسألة : قال : يعني طاهرا من الحدثين جميعا . روي هذا عن ولا يمس المصحف إلا طاهر ابن عمر والحسن وعطاء وطاوس والشعبي والقاسم بن محمد وهو قول مالك وأصحاب الرأي ، ولا نعلم مخالفا لهم إلا والشافعي فإنه أباح مسه . واحتج بأن { داود النبي صلى الله عليه وسلم كتب في كتابه آية إلى قيصر . } وأباح الحكم وحماد مسه بظاهر الكف ; لأن آلة المس باطن اليد ، فينصرف النهي إليه دون غيره .
ولنا قوله تعالى : { لا يمسه إلا المطهرون } . وفي { لعمرو بن حزم أن لا يمس القرآن إلا طاهر . } وهو كتاب مشهور ، رواه كتاب النبي صلى الله عليه وسلم أبو عبيد في فضائل القرآن وغيره ، ورواه ، فأما الآية التي كتب بها النبي صلى الله عليه وسلم فإنما قصد بها المراسلة ، والآية في الرسالة أو كتاب فقه أو نحوه لا تمنع مسه ، ولا يصير الكتاب بها مصحفا ، ولا تثبت له حرمته إذا ثبت هذا فإنه لا يجوز له مسه بشيء من جسده ; لأنه من جسده ، فأشبه يده . الأثرم
وقولهم : إن المس إنما يختص بباطن اليد ; ليس بصحيح ; فإن كل شيء لاقى شيئا فقد مسه . ( 200 ) فصل : ويجوز حمله بعلاقته . وهذا قول وروي ذلك عن أبي حنيفة الحسن وعطاء وطاوس والشعبي والقاسم وأبي وائل والحكم وحماد ومنع منه الأوزاعي ومالك قال والشافعي أحسن ما سمعت أنه لا مالك ولا في غلافه إلا وهو طاهر ; وليس ذلك لأنه يدنسه ، ولكن تعظيما للقرآن . واحتجوا بأنه مكلف محدث قاصد لحمل المصحف ، فلم يجز ، كما لو حمله مع مسه . يحمل المصحف بعلاقته
ولنا : أنه غير ماس له ، فلم يمنع منه ، كما لو حمله في رحله ; ولأن النهي إنما يتناول المس ، والحمل ليس بمس ، فلم يتناوله النهي ، وقياسهم فاسد ; فإن العلة في الأصل مسه ، وهو غير موجود في الفرع ، والحمل لا أثر له ، فلا يصح التعليل به . وعلى هذا لو حمله بعلاقة أو بحائل بينه وبينه مما لا يتبعه في البيع ، جاز ; لما ذكرنا . وعندهم لا يجوز .
ووجه المذهبين ما تقدم . ويجوز روايتان . وخرج تقليبه بعود ومسه به ، وكتب المصحف بيده من غير أن يمسه ، وفي تصفحه [ ص: 99 ] بكمه في مس غلافه وحمله بعلاقته رواية أخرى أنه لا يجوز ; بناء على مسه بكمه . والصحيح : جوازه ; لأن النهي إنما يتناول مسه ، والحمل ليس بمس . القاضي
( 201 ) فصل : ويجوز وغيرها ، والرسائل ، وإن كان فيها آيات من القرآن ، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى مس كتب التفسير والفقه قيصر كتابا فيه آية ; ولأنها لا يقع عليها اسم مصحف ، ولا تثبت لها حرمته . وفي وجهان : أحدهما الجواز ; لأنه موضع حاجة ، فلو اشترطنا الطهارة أدى إلى تنفيرهم عن حفظه . مس صبيان الكتاتيب ألواحهم التي فيها القرآن
والثاني المنع ; لدخولهم في عموم الآية . وفي وجهان : أحدهما المنع ، وهو قول الدراهم المكتوب عليها القرآن وكرهه أبي حنيفة عطاء والقاسم والشعبي ; لأن القرآن مكتوب عليها ، فأشبهت الورق . والثاني الجواز ; لأنه لا يقع عليها اسم المصحف ، فأشبهت كتب الفقه ; ولأن في الاحتراز منها مشقة ، أشبهت ألواح الصبيان .
( 202 ) فصل : تيمم ، وجاز مسه . ولو غسل المحدث بعض أعضاء الوضوء ، لم يجز له مسه به قبل إتمام وضوئه ; لأنه لا يكون متطهرا إلا بغسل الجميع . وإن احتاج المحدث إلى مس المصحف عند عدم الماء ،