الحيلة الثانية : إذا تعذر الاحتيال في الكلام المحلوف عليه : ، بأن يأمروه بمخالعة امرأته ليفعل المحلوف عليه في زمن البينونة ، وهذه الحيلة أحدث من التي قبلها ، وأظنها حدثت في حدود المائة الثالثة . فإن عامة الحيل إنما نشأت عن بعض احتالوا للفعل المحلوف عليه أهل الكوفة ، وحيلة الخلع لا تمشي على أصلهم ؛ لأنهم يقولون : إذا فعل المحلوف عليه في العدة وقع عليه به الطلاق ، لأن المعتدة من فرقة [ بائنة ] يلحقها الطلاق عندهم ، فيحتاج المحتال بهذه الحيلة إلى أن يتربص حتى تنقضي العدة ثم يفعل المحلوف عليه [ بعد انقضائها ] وهذا فيه ضرر عليه من جهة طول المدة . فصار يفتي بها بعض أصحاب ، وربما ركبوا معها أحد قوليه الموافق لأشهر الروايتين عن الشافعي أحمد : من أن الخلع فسخ وليس بطلاق ، فيصير [ الحالف ] كلما أراد الحنث خلع زوجته وفعل المحلوف عليه ، ثم تزوجها . فإما أن يفتوه بنقص عدد الطلاق أو يفتوه بعدمه .
وهذا الخلع - الذي هو خلع الأيمان - هو شبيه بنكاح المحلل [ ص: 354 ] سواء . فإن ذلك عقد عقدا لم يقصده ، وإنما قصد إزالته ، وهذا فسخ فسخا لم يقصده وإنما قصد إزالته ، وهذه حيلة محدثة باردة قد صنف جزءا في إبطالها ، وذكر عن السلف في ذلك من الآثار ما قد ذكرت بعضه في غير هذا الموضع . أبو عبد الله ابن بطة