فصل
فيما في خطبته العظيمة ثاني يوم الفتح من أنواع العلم
فمنها قوله (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002164إن مكة حرمها الله ، ولم يحرمها الناس ) فهذا تحريم شرعي قدري سبق به قدره يوم خلق هذا العالم ، ثم ظهر به على لسان خليله
إبراهيم ومحمد صلوات الله وسلامه عليهما ، كما في " الصحيح " عنه ، أنه - صلى الله عليه وسلم - قال : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002165اللهم إن إبراهيم خليلك حرم مكة ، وإني أحرم المدينة ) فهذا إخبار عن ظهور التحريم السابق يوم خلق السماوات والأرض على لسان
إبراهيم ، ولهذا لم ينازع أحد من أهل الإسلام في تحريمها ، وإن تنازعوا في
nindex.php?page=treesubj&link=30684تحريم المدينة ، والصواب المقطوع به تحريمها ، إذ قد صح فيه بضعة وعشرون حديثا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا مطعن فيها بوجه .
[ ص: 389 ] ومنها : قوله (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002166nindex.php?page=treesubj&link=33010فلا يحل لأحد أن يسفك بها دما ) هذا التحريم لسفك الدم المختص بها ، وهو الذي يباح في غيرها ، ويحرم فيها لكونها حرما ، كما أن
nindex.php?page=treesubj&link=25508تحريم عضد الشجر بها ، واختلاء خلائها ،
nindex.php?page=treesubj&link=25511والتقاط لقطتها ، هو أمر مختص بها ، وهو مباح في غيرها ، إذ الجميع في كلام واحد ، ونظام واحد ، وإلا بطلت فائدة التخصيص ، وهذا أنواع :
أحدها_ وهو الذي ساقه
أبو شريح العدوي لأجله - : أن الطائفة الممتنعة بها من مبايعة الإمام لا تقاتل ، لا سيما إن كان لها تأويل ، كما امتنع
أهل مكة من مبايعة
يزيد ، وبايعوا
ابن الزبير ، فلم يكن قتالهم ونصب المنجنيق عليهما ، وإحلال حرم الله جائزا بالنص والإجماع ، وإنما خالف في ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=5947عمرو بن سعيد الفاسق وشيعته ، وعارض نص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برأيه وهواه ، فقال : إن الحرم لا يعيذ عاصيا ، فيقال له : هو لا يعيذ عاصيا من عذاب الله ولو لم يعذه من سفك دمه لم يكن حرما بالنسبة إلى الآدميين ، وكان حرما بالنسبة إلى الطير والحيوان البهيم ، وهو لم يزل يعيذ العصاة من عهد
إبراهيم صلوات الله عليه وسلامه ، وقام الإسلام على ذلك ، وإنما لم يعذ
مقيس بن صبابة ،
وابن خطل ، ومن سمي معهما ، لأنه في تلك الساعة لم يكن حرما ، بل حلا ، فلما انقضت ساعة الحرب عاد إلى ما وضع عليه يوم خلق الله السماوات والأرض . وكانت العرب في
[ ص: 390 ] جاهليتها يرى الرجل قاتل أبيه ، أو ابنه في الحرم ، فلا يهيجه ، وكان ذلك بينهم خاصية الحرم التي صار بها حرما ، ثم جاء الإسلام ، فأكد ذلك وقواه ، وعلم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن من الأمة من يتأسى به في إحلاله بالقتال والقتل ، فقطع الإلحاق ، وقال لأصحابه : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002167فإن أحد ترخص لقتال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقولوا : " إن الله أذن لرسوله ، ولم يأذن لك ) وعلى هذا فمن
nindex.php?page=treesubj&link=25002أتى حدا أو قصاصا خارج الحرم يوجب القتل ، ثم لجأ إليه ، لم يجز إقامته عليه فيه . وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : ( لو وجدت فيه قاتل
الخطاب ما مسسته حتى يخرج منه ) .
وذكر عن
nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر أنه قال : ( لو لقيت فيه قاتل
عمر ما ندهته ) وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، أنه قال : ( لو لقيت قاتل أبي في الحرم ما هجته حتى يخرج منه ) وهذا قول جمهور التابعين ومن بعدهم ، بل لا يحفظ عن تابعي ولا صحابي خلافه ، وإليه ذهب
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة ومن وافقه من
أهل العراق ،
nindex.php?page=showalam&ids=12251والإمام أحمد ومن وافقه من أهل الحديث .
وذهب
مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي إلى أنه يستوفى منه في الحرم ، كما يستوفى منه في الحل ، وهو اختيار
ابن المنذر ، واحتج لهذا القول بعموم النصوص الدالة على استيفاء الحدود والقصاص في كل مكان وزمان ، (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002168وبأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قتل ابن خطل ، وهو متعلق بأستار الكعبة ) .
وبما يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002169إن الحرم لا يعيذ عاصيا ولا فارا بدم ولا بخربة ) وبأنه لو كان الحدود والقصاص فيما دون النفس ، لم يعذه الحرم ، ولم يمنعه من إقامته عليه ، وبأنه لو أتى فيه بما يوجب حدا أو قصاصا ، لم يعذه الحرم ، ولم يمنع من إقامته عليه ، فكذلك إذا أتاه خارجه ، ثم لجأ إليه ، إذ كونه حرما بالنسبة إلى عصمته ، لا يختلف بين الأمرين
[ ص: 391 ] وبأنه حيوان أبيح قتله لفساده ، فلم يفترق الحال بين قتله لاجئا إلى الحرم ، وبين كونه قد أوجب ما أبيح قتله فيه كالحية والحدأة والكلب العقور ، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002170خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم ) فنبه بقتلهن في الحل والحرم على العلة وهي فسقهن ، ولم يجعل التجاءهن إلى الحرم مانعا من قتلهن ، وكذلك فاسق بني آدم الذي قد استوجب القتل .
قال الأولون : ليس في هذا ما يعارض ما ذكرنا من الأدلة ، ولا سيما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=97ومن دخله كان آمنا ) [ آل عمران : 97 ] ، وهذا إما خبر بمعنى الأمر لاستحالة الخلف في خبره تعالى ، وإما خبر عن شرعه ودينه الذي شرعه في حرمه ، وإما إخبار عن الأمر المعهود المستمر في حرمه في الجاهلية والإسلام ، كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=67أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم ) [ العنكبوت : 67 ] ، وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=57وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء ) [ القصص : 57 ] وما عدا هذا من الأقوال الباطلة فلا يلتفت إليه كقول بعضهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=97ومن دخله كان آمنا ) من النار ، وقول بعضهم : كان آمنا من الموت على غير الإسلام ونحو ذلك ، فكم ممن دخله وهو في قعر الجحيم . وأما العمومات الدالة على استيفاء الحدود والقصاص في كل زمان ومكان فيقال أولا : لا تعرض في تلك العمومات لزمان الاستيفاء ولا مكانه ، كما لا تعرض فيها لشروطه وعدم موانعه ، فإن اللفظ لا يدل عليها بوضعه ولا بتضمنه ، فهو مطلق بالنسبة إليها ، ولهذا إذا كان للحكم شرط أو مانع ، لم يقل : إن توقف الحكم عليه تخصيص لذلك العام فلا يقول محصل : إن قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=24وأحل لكم ما وراء ذلكم ) [ النساء : 24 ] مخصوص بالمنكوحة في عدتها ، أو بغير إذن وليها ، أو بغير شهود ، فهكذا النصوص العامة في استيفاء الحدود والقصاص ، لا تعرض فيها لزمنه ولا مكانه ولا شرطه ولا مانعه ، ولو قدر تناول اللفظ
[ ص: 392 ] لذلك ، لوجب تخصيصه بالأدلة الدالة على المنع ، لئلا يبطل موجبها ، ووجب حمل اللفظ العام على ما عداها كسائر نظائره ، وإذا خصصتم تلك العمومات بالحامل والمرضع والمريض الذي يرجى برؤه والحال المحرمة للاستيفاء كشدة المرض أو البرد أو الحر فما المانع من تخصيصها بهذه الأدلة ؟ وإن قلتم ليس ذلك تخصيصا ، بل تقييدا لمطلقها ، كلنا لكم بهذا الصاع سواء بسواء .
وأما قتل
ابن خطل ، فقد تقدم أنه كان في وقت الحل ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قطع الإلحاق ، ونص على أن ذلك من خصائصه ، وقوله - صلى الله عليه وسلم - : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002171وإنما أحلت لي ساعة من نهار ) صريح في أنه إنما أحل له سفك دم حلال في غير الحرم في تلك الساعة خاصة ، إذ لو كان حلالا في كل وقت لم يختص بتلك الساعة ، وهذا صريح في أن الدم الحلال في غيرها حرام فيها ، فيما عدا تلك الساعة ، وأما قوله (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002172الحرم لا يعيذ عاصيا ) فهو من كلام الفاسق
nindex.php?page=showalam&ids=16695عمرو بن سعيد الأشدق ، يرد به حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين روى له
أبو شريح الكعبي هذا الحديث كما جاء مبينا في " الصحيح " ، فكيف يقدم على قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وأما قولكم : لو كان الحد والقصاص فيما دون النفس ، لم يعذه الحرم منه ، فهذه المسألة فيها قولان للعلماء ، وهما روايتان منصوصتان عن
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد ، فمن منع الاستيفاء نظر إلى عموم الأدلة العاصمة بالنسبة إلى النفس وما دونها ، ومن فرق قال : سفك الدم إنما ينصرف إلى القتل ، ولا يلزم من تحريمه في الحرم تحريم ما دونه ؛ لأن حرمة النفس أعظم والانتهاك بالقتل أشد ، قالوا : ولأن الحد بالجلد أو القطع يجري مجرى التأديب ، فلم يمنع منه ، كتأديب السيد عبده ، وظاهر هذا المذهب أنه لا فرق بين النفس وما دونها في ذلك ، قال
أبو بكر : هذه مسألة وجدتها
لحنبل عن عمه ، أن
nindex.php?page=treesubj&link=25002الحدود كلها تقام في الحرم إلا القتل ، قال : والعمل على أن كل جان دخل الحرم لم يقم عليه الحد حتى يخرج منه ، قالوا : وحينئذ فنجيبكم بالجواب المركب ، وهو أنه إن كان بين النفس وما دونها في ذلك فرق مؤثر بطل الإلزام ، وإن لم يكن بينهما فرق مؤثر ، سوينا
[ ص: 393 ] بينهما في الحكم ، وبطل الاعتراض ، فتحقق بطلانه على التقديرين .
قالوا : وأما قولكم : إن الحرم لا يعيذ من انتهك فيه الحرمة ، إذ أتى فيه ما يوجب الحد ، فكذلك اللاجئ إليه ، فهو جمع بين ما فرق الله ورسوله والصحابة بينهما ، فروى
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد ، حدثنا
عبد الرزاق ، حدثنا
معمر ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16446ابن طاوس ، عن أبيه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : ( من سرق أو قتل في الحل ثم دخل الحرم ، فإنه لا يجالس ولا يكلم ولا يؤوى ، ولكنه يناشد حتى يخرج فيؤخذ فيقام عليه الحد ، وإن سرق أو قتل في الحرم ، أقيم عليه في الحرم ) وذكر الأثرم ، عن ابن عباس أيضا : ( من أحدث حدثا في الحرم ، أقيم عليه ما أحدث فيه من شيء ) .
وقد أمر الله سبحانه بقتل من قاتل في الحرم ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=191ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم ) [ البقرة : 191 ] .
nindex.php?page=treesubj&link=25002_33010والفرق بين اللاجئ والمنتهك فيه من وجوه :
أحدها : أن الجاني فيه هاتك لحرمته بإقدامه على الجناية فيه ، بخلاف من جنى خارجه ثم لجأ إليه ، فإنه معظم لحرمته مستشعر بها بالتجائه إليه ، فقياس أحدهما على الآخر باطل .
الثاني : أن الجاني فيه بمنزلة المفسد الجاني على بساط الملك في داره وحرمه ، ومن جنى خارجه ثم لجأ إليه فإنه بمنزلة من جنى خارج بساط السلطان وحرمه ، ثم دخل إلى حرمه مستجيرا .
الثالث : أن الجاني في الحرم قد انتهك حرمة الله سبحانه وحرمة بيته وحرمه ، فهو هاتك لحرمتين بخلاف غيره .
الرابع : أنه لو لم يقم الحد على الجناة في الحرم لعم الفساد ، وعظم الشر في حرم الله ، فإن أهل الحرم كغيرهم في الحاجة إلى صيانة نفوسهم وأموالهم وأعراضهم ، ولو لم يشرع الحد في حق من ارتكب الجرائم في الحرم ، لتعطلت حدود الله وعم الضرر للحرم وأهله .
[ ص: 394 ] والخامس : أن اللاجئ إلى الحرم بمنزلة التائب المتنصل ، اللاجئ إلى بيت الرب تعالى ، المتعلق بأستاره ، فلا يناسب حاله ولا حال بيته وحرمه أن يهاج ، بخلاف المقدم على انتهاك حرمته ، فظهر سر الفرق ، وتبين أن ما قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس هو محض الفقه .
وأما قولكم : إنه حيوان مفسد ، فأبيح قتله في الحل والحرم كالكلب العقور ، فلا يصح القياس ، فإن الكلب العقور طبعه الأذى ، فلم يحرمه الحرم ليدفع أذاه عن أهله ، وأما الآدمي فالأصل فيه الحرمة ، وحرمته عظيمة ، وإنما أبيح لعارض ، فأشبه الصائل من الحيوانات المباحة من المأكولات ، فإن الحرم يعصمها .
وأيضا فإن حاجة أهل الحرم إلى
nindex.php?page=treesubj&link=3488_16859قتل الكلب العقور والحية والحدأة كحاجة أهل الحل سواء ، فلو أعاذها الحرم لعظم عليهم الضرر بها .
فَصْلٌ
فِيمَا فِي خُطْبَتِهِ الْعَظِيمَةِ ثَانِيَ يَوْمِ الْفَتْحِ مِنْ أَنْوَاعِ الْعِلْمِ
فَمِنْهَا قَوْلُهُ (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002164إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ ، وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ ) فَهَذَا تَحْرِيمٌ شَرْعِيٌّ قَدَرِيٌّ سَبَقَ بِهِ قَدَرُهُ يَوْمَ خَلَقَ هَذَا الْعَالَمَ ، ثُمَّ ظَهَرَ بِهِ عَلَى لِسَانِ خَلِيلِهِ
إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمَا ، كَمَا فِي " الصَّحِيحِ " عَنْهُ ، أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002165اللَّهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَكَ حَرَّمَ مَكَّةَ ، وَإِنِّي أُحَرِّمُ الْمَدِينَةَ ) فَهَذَا إِخْبَارٌ عَنْ ظُهُورِ التَّحْرِيمِ السَّابِقِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ عَلَى لِسَانِ
إِبْرَاهِيمَ ، وَلِهَذَا لَمْ يُنَازِعْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فِي تَحْرِيمِهَا ، وَإِنْ تَنَازَعُوا فِي
nindex.php?page=treesubj&link=30684تَحْرِيمِ الْمَدِينَةِ ، وَالصَّوَابُ الْمَقْطُوعُ بِهِ تَحْرِيمُهَا ، إِذْ قَدْ صَحَّ فِيهِ بِضْعَةٌ وَعِشْرُونَ حَدِيثًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا مَطْعَنَ فِيهَا بِوَجْهٍ .
[ ص: 389 ] وَمِنْهَا : قَوْلُهُ (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002166nindex.php?page=treesubj&link=33010فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا ) هَذَا التَّحْرِيمُ لِسَفْكِ الدَّمِ الْمُخْتَصُّ بِهَا ، وَهُوَ الَّذِي يُبَاحُ فِي غَيْرِهَا ، وَيَحْرُمُ فِيهَا لِكَوْنِهَا حَرَمًا ، كَمَا أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=25508تَحْرِيمَ عَضْدِ الشَّجَرِ بِهَا ، وَاخْتِلَاءِ خَلَائِهَا ،
nindex.php?page=treesubj&link=25511وَالْتِقَاطِ لُقَطَتِهَا ، هُوَ أَمْرٌ مُخْتَصٌّ بِهَا ، وَهُوَ مُبَاحٌ فِي غَيْرِهَا ، إِذِ الْجَمِيعُ فِي كَلَامٍ وَاحِدٍ ، وَنِظَامٍ وَاحِدٍ ، وَإِلَّا بَطَلَتْ فَائِدَةُ التَّخْصِيصِ ، وَهَذَا أَنْوَاعٌ :
أَحَدُهَا_ وَهُوَ الَّذِي سَاقَهُ
أبو شريح العدوي لِأَجْلِهِ - : أَنَّ الطَّائِفَةَ الْمُمْتَنِعَةَ بِهَا مِنْ مُبَايَعَةِ الْإِمَامِ لَا تُقَاتَلُ ، لَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ لَهَا تَأْوِيلٌ ، كَمَا امْتَنَعَ
أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مُبَايَعَةِ
يزيد ، وَبَايَعُوا
ابن الزبير ، فَلَمْ يَكُنْ قِتَالُهُمْ وَنَصْبُ الْمَنْجَنِيقِ عَلَيْهِمَا ، وَإِحْلَالُ حَرَمِ اللَّهِ جَائِزًا بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ ، وَإِنَّمَا خَالَفَ فِي ذَلِكَ
nindex.php?page=showalam&ids=5947عَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ الْفَاسِقُ وَشِيعَتُهُ ، وَعَارَضَ نَصَّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرَأْيِهِ وَهَوَاهُ ، فَقَالَ : إِنَّ الْحَرَمَ لَا يُعِيذُ عَاصِيًا ، فَيُقَالُ لَهُ : هُوَ لَا يُعِيذُ عَاصِيًا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ وَلَوْ لَمْ يُعِذْهُ مِنْ سَفْكِ دَمِهِ لَمْ يَكُنْ حَرَمًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْآدَمِيِّينَ ، وَكَانَ حَرَمًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الطَّيْرِ وَالْحَيَوَانِ الْبَهِيمِ ، وَهُوَ لَمْ يَزَلْ يُعِيذُ الْعُصَاةَ مِنْ عَهْدِ
إِبْرَاهِيمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ ، وَقَامَ الْإِسْلَامُ عَلَى ذَلِكَ ، وَإِنَّمَا لَمْ يُعِذْ
مقيس بن صبابة ،
وابن خطل ، وَمَنْ سُمِّيَ مَعَهُمَا ، لِأَنَّهُ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ لَمْ يَكُنْ حَرَمًا ، بَلْ حِلًّا ، فَلَمَّا انْقَضَتْ سَاعَةُ الْحَرْبِ عَادَ إِلَى مَا وُضِعَ عَلَيْهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ . وَكَانَتِ الْعَرَبُ فِي
[ ص: 390 ] جَاهِلِيَّتِهَا يَرَى الرَّجُلُ قَاتِلَ أَبِيهِ ، أَوِ ابْنَهُ فِي الْحَرَمِ ، فَلَا يَهِيجُهُ ، وَكَانَ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ خَاصِّيَّةَ الْحَرَمِ الَّتِي صَارَ بِهَا حَرَمًا ، ثُمَّ جَاءَ الْإِسْلَامُ ، فَأَكَّدَ ذَلِكَ وَقَوَّاهُ ، وَعَلِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ مِنَ الْأُمَّةِ مَنْ يَتَأَسَّى بِهِ فِي إِحْلَالِهِ بِالْقِتَالِ وَالْقَتْلِ ، فَقَطَعَ الْإِلْحَاقَ ، وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002167فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ لِقَتَالِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُولُوا : " إِنَّ اللَّهَ أَذِنَ لِرَسُولِهِ ، وَلَمْ يَأْذَنْ لَكَ ) وَعَلَى هَذَا فَمَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=25002أَتَى حَدًّا أَوْ قِصَاصًا خَارِجَ الْحَرَمِ يُوجِبُ الْقَتْلَ ، ثُمَّ لَجَأَ إِلَيْهِ ، لَمْ يَجُزْ إِقَامَتُهُ عَلَيْهِ فِيهِ . وَذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=12251الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : ( لَوْ وَجَدْتُ فِيهِ قَاتِلَ
الخطاب مَا مَسِسْتُهُ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهُ ) .
وَذُكِرَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر أَنَّهُ قَالَ : ( لَوْ لَقِيتُ فِيهِ قَاتِلَ
عمر مَا نَدَهْتُهُ ) وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّهُ قَالَ : ( لَوْ لَقِيتُ قَاتِلَ أَبِي فِي الْحَرَمِ مَا هِجْتُهُ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهُ ) وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ ، بَلْ لَا يُحْفَظُ عَنْ تَابِعِيٍّ وَلَا صَحَابِيٍّ خِلَافُهُ ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ
أَهْلِ الْعِرَاقِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=12251وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ .
وَذَهَبَ
مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَوْفَى مِنْهُ فِي الْحَرَمِ ، كَمَا يُسْتَوْفَى مِنْهُ فِي الْحِلِّ ، وَهُوَ اخْتِيَارُ
ابن المنذر ، وَاحْتُجَّ لِهَذَا الْقَوْلِ بِعُمُومِ النُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى اسْتِيفَاءِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَزَمَانٍ ، (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002168وَبِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَتَلَ ابن خطل ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ ) .
وَبِمَا يُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002169إِنَّ الْحَرَمَ لَا يُعِيذُ عَاصِيًا وَلَا فَارًّا بِدَمٍ وَلَا بِخَرْبَةٍ ) وَبِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْحُدُودُ وَالْقِصَاصُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ ، لَمْ يُعِذْهُ الْحَرَمُ ، وَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ إِقَامَتِهِ عَلَيْهِ ، وَبِأَنَّهُ لَوْ أَتَى فِيهِ بِمَا يُوجِبُ حَدًّا أَوْ قِصَاصًا ، لَمْ يُعِذْهُ الْحَرَمُ ، وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ إِقَامَتِهِ عَلَيْهِ ، فَكَذَلِكَ إِذَا أَتَاهُ خَارِجَهُ ، ثُمَّ لَجَأَ إِلَيْهِ ، إِذْ كَوْنُهُ حَرَمًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى عِصْمَتِهِ ، لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ
[ ص: 391 ] وَبِأَنَّهُ حَيَوَانٌ أُبِيحَ قَتْلُهُ لِفَسَادِهِ ، فَلَمْ يَفْتَرِقِ الْحَالُ بَيْنَ قَتْلِهِ لَاجِئًا إِلَى الْحَرَمِ ، وَبَيْنَ كَوْنِهِ قَدْ أَوْجَبَ مَا أُبِيحَ قَتْلُهُ فِيهِ كَالْحَيَّةِ وَالْحِدَأَةِ وَالْكَلْبِ الْعَقُورِ ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002170خَمْسٌ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ ) فَنَبَّهَ بِقَتْلِهِنَّ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ عَلَى الْعِلَّةِ وَهِيَ فِسْقُهُنَّ ، وَلَمْ يَجْعَلِ الْتِجَاءَهُنَّ إِلَى الْحَرَمِ مَانِعًا مِنْ قَتْلِهِنَّ ، وَكَذَلِكَ فَاسِقُ بَنِي آدَمَ الَّذِي قَدِ اسْتَوْجَبَ الْقَتْلَ .
قَالَ الْأَوَّلُونَ : لَيْسَ فِي هَذَا مَا يُعَارِضُ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْأَدِلَّةِ ، وَلَا سِيَّمَا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=97وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ) [ آلِ عِمْرَانَ : 97 ] ، وَهَذَا إِمَّا خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ لِاسْتِحَالَةِ الْخُلْفِ فِي خَبَرِهِ تَعَالَى ، وَإِمَّا خَبَرٌ عَنْ شَرْعِهِ وَدِينِهِ الَّذِي شَرَعَهُ فِي حَرَمِهِ ، وَإِمَّا إِخْبَارٌ عَنِ الْأَمْرِ الْمَعْهُودِ الْمُسْتَمِرِّ فِي حَرَمِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=67أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ ) [ الْعَنْكَبُوتِ : 67 ] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=57وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ ) [ الْقَصَصِ : 57 ] وَمَا عَدَا هَذَا مِنَ الْأَقْوَالِ الْبَاطِلَةِ فَلَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ كَقَوْلِ بَعْضِهِمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=97وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ) مِنَ النَّارِ ، وَقَوْلِ بَعْضِهِمْ : كَانَ آمِنًا مِنَ الْمَوْتِ عَلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ وَنَحْوَ ذَلِكَ ، فَكَمْ مِمَّنْ دَخَلَهُ وَهُوَ فِي قَعْرِ الْجَحِيمِ . وَأَمَّا الْعُمُومَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى اسْتِيفَاءِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ فَيُقَالُ أَوَّلًا : لَا تَعَرُّضَ فِي تِلْكَ الْعُمُومَاتِ لِزَمَانِ الِاسْتِيفَاءِ وَلَا مَكَانِهِ ، كَمَا لَا تَعَرُّضَ فِيهَا لِشُرُوطِهِ وَعَدَمِ مَوَانِعِهِ ، فَإِنَّ اللَّفْظَ لَا يَدُلُّ عَلَيْهَا بِوَضْعِهِ وَلَا بِتَضَمُّنِهِ ، فَهُوَ مُطْلَقٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا ، وَلِهَذَا إِذَا كَانَ لِلْحُكْمِ شَرْطٌ أَوْ مَانِعٌ ، لَمْ يَقُلْ : إِنَّ تَوَقُّفَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ تَخْصِيصٌ لِذَلِكَ الْعَامِّ فَلَا يَقُولُ مُحَصِّلٌ : إِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=24وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ ) [ النِّسَاءِ : 24 ] مَخْصُوصٌ بِالْمَنْكُوحَةِ فِي عِدَّتِهَا ، أَوْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا ، أَوْ بِغَيْرِ شُهُودٍ ، فَهَكَذَا النُّصُوصُ الْعَامَّةُ فِي اسْتِيفَاءِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ ، لَا تَعَرُّضَ فِيهَا لِزَمَنِهِ وَلَا مَكَانِهِ وَلَا شَرْطِهِ وَلَا مَانِعِهِ ، وَلَوْ قُدِّرَ تَنَاوُلُ اللَّفْظِ
[ ص: 392 ] لِذَلِكَ ، لَوَجَبَ تَخْصِيصُهُ بِالْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْمَنْعِ ، لِئَلَّا يَبْطُلَ مُوجَبُهَا ، وَوَجَبَ حَمْلُ اللَّفْظِ الْعَامِّ عَلَى مَا عَدَاهَا كَسَائِرِ نَظَائِرِهِ ، وَإِذَا خَصَّصْتُمْ تِلْكَ الْعُمُومَاتِ بِالْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ وَالْمَرِيضِ الَّذِي يُرْجَى بُرْؤُهُ وَالْحَالِ الْمُحَرِّمَةِ لِلِاسْتِيفَاءِ كَشِدَّةِ الْمَرَضِ أَوِ الْبَرْدِ أَوِ الْحَرِّ فَمَا الْمَانِعُ مِنْ تَخْصِيصِهَا بِهَذِهِ الْأَدِلَّةِ ؟ وَإِنْ قُلْتُمْ لَيْسَ ذَلِكَ تَخْصِيصًا ، بَلْ تَقْيِيدًا لِمُطْلَقِهَا ، كِلْنَا لَكُمْ بِهَذَا الصَّاعِ سَوَاءً بِسَوَاءٍ .
وَأَمَّا قَتْلُ
ابن خطل ، فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ كَانَ فِي وَقْتِ الْحِلِّ ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطَعَ الْإِلْحَاقَ ، وَنَصَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002171وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ) صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ إِنَّمَا أُحِلَّ لَهُ سَفْكُ دَمٍ حَلَالٍ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ خَاصَّةً ، إِذْ لَوْ كَانَ حَلَالًا فِي كُلِّ وَقْتٍ لَمْ يَخْتَصَّ بِتِلْكَ السَّاعَةِ ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الدَّمَ الْحَلَالَ فِي غَيْرِهَا حَرَامٌ فِيهَا ، فِيمَا عَدَا تِلْكَ السَّاعَةِ ، وَأَمَّا قَوْلُهُ (
nindex.php?page=hadith&LINKID=16002172الْحَرَمُ لَا يُعِيذُ عَاصِيًا ) فَهُوَ مِنْ كَلَامِ الْفَاسِقِ
nindex.php?page=showalam&ids=16695عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ الْأَشْدَقِ ، يَرُدُّ بِهِ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ رَوَى لَهُ
أبو شريح الكعبي هَذَا الْحَدِيثَ كَمَا جَاءَ مُبَيَّنًا فِي " الصَّحِيحِ " ، فَكَيْفَ يُقَدَّمُ عَلَى قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .
وَأَمَّا قَوْلُكُمْ : لَوْ كَانَ الْحَدُّ وَالْقِصَاصُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ ، لَمْ يُعِذْهُ الْحَرَمُ مِنْهُ ، فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِيهَا قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ ، وَهُمَا رِوَايَتَانِ مَنْصُوصَتَانِ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12251الْإِمَامِ أَحْمَدَ ، فَمَنْ مَنَعَ الِاسْتِيفَاءَ نَظَرَ إِلَى عُمُومِ الْأَدِلَّةِ الْعَاصِمَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا ، وَمَنْ فَرَّقَ قَالَ : سَفْكُ الدَّمِ إِنَّمَا يَنْصَرِفُ إِلَى الْقَتْلِ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَحْرِيمِهِ فِي الْحَرَمِ تَحْرِيمُ مَا دُونَهُ ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ النَّفْسِ أَعْظَمُ وَالِانْتِهَاكَ بِالْقَتْلِ أَشَدُّ ، قَالُوا : وَلِأَنَّ الْحَدَّ بِالْجَلْدِ أَوِ الْقَطْعِ يَجْرِي مَجْرَى التَّأْدِيبِ ، فَلَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ ، كَتَأْدِيبِ السَّيِّدِ عَبْدَهُ ، وَظَاهِرُ هَذَا الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا فِي ذَلِكَ ، قَالَ
أبو بكر : هَذِهِ مَسْأَلَةٌ وَجَدْتُهَا
لحنبل عَنْ عَمِّهِ ، أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=25002الْحُدُودَ كُلَّهَا تُقَامُ فِي الْحَرَمِ إِلَّا الْقَتْلَ ، قَالَ : وَالْعَمَلُ عَلَى أَنَّ كُلَّ جَانٍ دَخَلَ الْحَرَمَ لَمْ يُقَمْ عَلَيْهِ الْحَدُّ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهُ ، قَالُوا : وَحِينَئِذٍ فَنُجِيبُكُمْ بِالْجَوَابِ الْمُرَكَّبِ ، وَهُوَ أَنَّهُ إِنْ كَانَ بَيْنَ النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا فِي ذَلِكَ فَرْقٌ مُؤَثِّرٌ بَطَلَ الْإِلْزَامُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ مُؤَثِّرٌ ، سَوَّيْنَا
[ ص: 393 ] بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْمِ ، وَبَطَلَ الِاعْتِرَاضُ ، فَتَحَقَّقَ بُطْلَانُهُ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ .
قَالُوا : وَأَمَّا قَوْلُكُمْ : إِنَّ الْحَرَمَ لَا يُعِيذُ مَنِ انْتَهَكَ فِيهِ الْحُرْمَةَ ، إِذْ أَتَى فِيهِ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ ، فَكَذَلِكَ اللَّاجِئُ إِلَيْهِ ، فَهُوَ جَمْعٌ بَيْنَ مَا فَرَّقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالصَّحَابَةُ بَيْنَهُمَا ، فَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=12251الْإِمَامُ أَحْمَدُ ، حَدَّثَنَا
عبد الرزاق ، حَدَّثَنَا
معمر ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=16446ابْنِ طَاوُسٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : ( مَنْ سَرَقَ أَوْ قَتَلَ فِي الْحِلِّ ثُمَّ دَخَلَ الْحَرَمَ ، فَإِنَّهُ لَا يُجَالَسُ وَلَا يُكَلَّمُ وَلَا يُؤْوَى ، وَلَكِنَّهُ يُنَاشَدُ حَتَّى يَخْرُجَ فَيُؤْخَذَ فَيُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ ، وَإِنْ سَرَقَ أَوْ قَتَلَ فِي الْحَرَمِ ، أُقِيمَ عَلَيْهِ فِي الْحَرَمِ ) وَذَكَرَ الْأَثْرَمُ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا : ( مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا فِي الْحَرَمِ ، أُقِيمَ عَلَيْهِ مَا أَحْدَثَ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ ) .
وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِقَتْلِ مَنْ قَاتَلَ فِي الْحَرَمِ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=191وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ ) [ الْبَقَرَةِ : 191 ] .
nindex.php?page=treesubj&link=25002_33010وَالْفَرَقُ بَيْنَ اللَّاجِئِ وَالْمُنْتَهِكِ فِيهِ مِنْ وُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّ الْجَانِيَ فِيهِ هَاتِكٌ لِحُرْمَتِهِ بِإِقْدَامِهِ عَلَى الْجِنَايَةِ فِيهِ ، بِخِلَافِ مَنْ جَنَى خَارِجَهُ ثُمَّ لَجَأَ إِلَيْهِ ، فَإِنَّهُ مُعَظِّمٌ لِحُرْمَتِهِ مُسْتَشْعِرٌ بِهَا بِالْتِجَائِهِ إِلَيْهِ ، فَقِيَاسُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ بَاطِلٌ .
الثَّانِي : أَنَّ الْجَانِيَ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ الْمُفْسِدِ الْجَانِي عَلَى بِسَاطِ الْمَلِكِ فِي دَارِهِ وَحَرَمِهِ ، وَمَنْ جَنَى خَارِجَهُ ثُمَّ لَجَأَ إِلَيْهِ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ جَنَى خَارِجَ بِسَاطِ السُّلْطَانِ وَحَرَمِهِ ، ثُمَّ دَخَلَ إِلَى حَرَمِهِ مُسْتَجِيرًا .
الثَّالِثُ : أَنَّ الْجَانِيَ فِي الْحَرَمِ قَدِ انْتَهَكَ حُرْمَةَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَحُرْمَةَ بَيْتِهِ وَحَرَمِهِ ، فَهُوَ هَاتِكٌ لِحُرْمَتَيْنِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ .
الرَّابِعُ : أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُقَمِ الْحَدُّ عَلَى الْجُنَاةِ فِي الْحَرَمِ لَعَمَّ الْفَسَادُ ، وَعَظُمَ الشَّرُّ فِي حَرَمِ اللَّهِ ، فَإِنَّ أَهْلَ الْحَرَمِ كَغَيْرِهِمْ فِي الْحَاجَةِ إِلَى صِيَانَةِ نَفُوسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَأَعْرَاضِهِمْ ، وَلَوْ لَمْ يُشْرَعِ الْحَدُّ فِي حَقِّ مَنِ ارْتَكَبَ الْجَرَائِمَ فِي الْحَرَمِ ، لَتَعَطَّلَتْ حُدُودُ اللَّهِ وَعَمَّ الضَّرَرُ لِلْحَرَمِ وَأَهْلِهِ .
[ ص: 394 ] وَالْخَامِسُ : أَنَّ اللَّاجِئَ إِلَى الْحَرَمِ بِمَنْزِلَةِ التَّائِبِ الْمُتَنَصِّلِ ، اللَّاجِئِ إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ تَعَالَى ، الْمُتَعَلِّقِ بِأَسْتَارِهِ ، فَلَا يُنَاسِبُ حَالُهُ وَلَا حَالُ بَيْتِهِ وَحَرَمِهِ أَنْ يُهَاجَ ، بِخِلَافِ الْمُقْدِمِ عَلَى انْتِهَاكِ حُرْمَتِهِ ، فَظَهَرَ سِرُّ الْفَرْقِ ، وَتَبَيَّنَ أَنَّ مَا قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ هُوَ مَحْضُ الْفِقْهِ .
وَأَمَّا قَوْلُكُمْ : إِنَّهُ حَيَوَانٌ مُفْسِدٌ ، فَأُبِيحَ قَتْلُهُ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ كَالْكَلْبِ الْعَقُورِ ، فَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ ، فَإِنَّ الْكَلْبَ الْعَقُورَ طَبْعُهُ الْأَذَى ، فَلَمْ يُحَرِّمْهُ الْحَرَمُ لِيَدْفَعَ أَذَاهُ عَنْ أَهْلِهِ ، وَأَمَّا الْآدَمِيُّ فَالْأَصْلُ فِيهِ الْحُرْمَةُ ، وَحُرْمَتُهُ عَظِيمَةٌ ، وَإِنَّمَا أُبِيحَ لِعَارِضٍ ، فَأَشْبَهَ الصَّائِلَ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ الْمُبَاحَةِ مِنَ الْمَأْكُولَاتِ ، فَإِنَّ الْحَرَمَ يَعْصِمُهَا .
وَأَيْضًا فَإِنَّ حَاجَةَ أَهْلِ الْحَرَمِ إِلَى
nindex.php?page=treesubj&link=3488_16859قَتْلِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ وَالْحَيَّةِ وَالْحِدَأَةِ كَحَاجَةِ أَهْلِ الْحِلِّ سَوَاءً ، فَلَوْ أَعَاذَهَا الْحَرَمُ لَعَظُمَ عَلَيْهِمُ الضَّرَرُ بِهَا .