ذكر الأحداث في سنة عشر
ذكر وفد نجران مع العاقب والسيد
وفيها أرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى خالد بن الوليد بني الحارث بن كعب بنجران ، وأمره أن يدعوهم إلى الإسلام ثلاثا ، فإن أجابوا أقام فيهم وعلمهم شرائع الإسلام ، وإن لم يفعلوا قاتلهم . فخرج إليهم ودعاهم إلى الإسلام ، فأجابوا وأسلموا ، فأقام فيهم ، وكتب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمه إسلامهم ، وعاد خالد ومعه وفدهم ، فيهم قيس بن الحصين بن يزيد بن قينان ذي الغصة ، ويزيد بن عبد المدان وغيرهما ، فقدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم عادوا عنه في بقية شوال أو في ذي الحجة ، وأرسل إليهم عمرو بن حزم يعلمهم شرائع الإسلام ، ويأخذ صدقاتهم ، وكتب معه كتابا ، وتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعمرو بن حزم على نجران .
وأما نصارى نجران فإنهم أرسلوا العاقب والسيد في نفر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأرادوا مباهلته ، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه علي وفاطمة والحسن والحسين ، فلما رأوهم قالوا : هذه وجوه لو أقسمت على الله أن يزيل الجبال لأزالها ، ولم يباهلوه ، وصالحوه على ألفي حلة ، ثمن كل حلة أربعون درهما ، وعلى أن يضيفوا رسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجعل لهم ذمة الله - تعالى - وعهده ألا يفتنوا عن دينهم ، ولا يعشروا ، وشرط عليهم أن لا يأكلوا الربا ولا يتعاملوا به . فلما استخلف أبو بكر عاملهم بذلك ، فلما استخلف عمر أجلى أهل الكتاب عن الحجاز ، وأجلى أهل نجران ، فخرج بعضهم إلى الشام ، وبعضهم إلى نجرانية الكوفة ، واشترى منهم عقارهم وأموالهم .
[ ص: 159 ] وقيل : إنهم كانوا قد كثروا ، فبلغوا أربعين ألفا ، فتحاسدوا بينهم ، فأتوا وقالوا : أجلنا ، وكان عمر بن الخطاب قد خافهم على المسلمين ، فاغتنمها ، فأجلاهم ، فندموا بعد ذلك ، ثم استقالوه فأبى ، فبقوا كذلك إلى خلافة عمر بن الخطاب عثمان . فلما ولي علي أتوه وقالوا : ننشدك الله خطك بيمينك . فقال : إن عمر كان رشيد الأمر ، وأنا أكره خلافه ، وكان عثمان قد أسقط عنهم مائتي حلة ، وكان صاحب النجرانية بالكوفة يبعث إلى من بالشام والنواحي من أهل نجران يجبونهم الحلل .
فلما ولي معاوية شكوا إليه تفرقهم ، وموت من مات منهم ، وإسلام من أسلم منهم ، وكانوا قد قلوا ، وأروه كتاب ويزيد بن معاوية عثمان ، فوضع عنهم مائتي حلة تكملة أربعمائة حلة . فلما ولي الحجاج العراق ، وخرج عليه - اتهم عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث الدهاقين بموالاته ، واتهمهم معهم ، فردهم إلى ألف وثلاثمائة حلة ، وأخذهم بحلل وشيء . فلما ولي شكوا إليه فناءهم ونقصهم ، وإلحاح العرب عليهم بالغارة ، وظلم عمر بن عبد العزيز الحجاج ، فأمر بهم فأحصوا ، ووجدوا على العشر من عدتهم الأولى ، فقال : أرى هذا الصلح جزية ، وليس على أرضهم شيء ، وجزية المسلم والميت ساقطة ، فألزمهم مائتي حلة . فلما تولى ردهم إلى أمرهم الأول عصبية يوسف بن عمر الثقفي للحجاج . فلما استخلف السفاح عمدوا إلى طريقه يوم ظهوره من الكوفة ، فألقوا فيها الريحان ونثروا عليه ، فأعجبه ذلك من فعلهم ، ثم رفعوا إليه أمرهم ، وتقربوا إليه بأخواله بني الحارث بن كعب ، فكلمه فيهم عبد الله بن الحارث ، فردهم إلى مائتي حلة . فلما ولي الرشيد شكوا إليه العمال فأمر أن يعفوا من العمال ، وأن يكون مؤداهم بيت المال .
وفيها قدم وفد سلامان في شوال ، وهم سبعة نفر ، رأسهم حبيب السلاماني .
وفيها قدم وفد غسان في رمضان ، ووفد غامد في شهر رمضان أيضا .
[ ص: 160 ] وفيها قدم وفد الأزد ، رأسهم صرد بن عبد الله ، في بضعة عشر رجلا ، فأسلم ، وأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على من أسلم من قومه ، وأمره أن يجاهد المشركين ، فسار إلى مدينة جرش ، وفيها قبائل من اليمن فيهم خثعم ، فحاصرهم قريبا من شهر ، فامتنعوا منه ، فرجع حتى كان بجبل يقال له : كشر ، فظن أهل جرش أنه منهزم ، فخرجوا في طلبه فأدركوه ، فعطف عليهم فقاتلهم قتالا شديدا ، وقد كان أهل جرش بعثوا رجلين منهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينظران حاله . فبينما هما عنده إذ قال : بأي بلاد الله شكر ؟ فقالا : ببلادنا جبل يقال له كشر . فقال : إنه ليس بكشر ، ولكنه شكر ، وإن بدن الله لتنحر عنده الآن . فقال لهما أبو بكر أو عثمان : ويحكما ! إنه ينعي لكما قومكما ، فاسألاه أن يدعو الله يرفع عنهم ، ففعلا ، فقال : اللهم ارفع عنهم ، فخرجا من عنده إلى قومهما ، فوجداهم قد أصيبوا ذلك اليوم في تلك الساعة التي ذكر فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - حالهم ، وخرج وفد جرش إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأسلموا .
وفيها قدم وفد مراد مع فروة بن مسيك المرادي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مفارقا لملوك كندة ، وقد كان قبيل الإسلام بين مراد وهمدان وقعة ظفرت فيها همدان ، وأكثروا القتل في مراد ، وكان يقال لذلك اليوم : يوم الرزم ، وكان رئيس همدان الأجدع بن مالك والد مسروق ، وفي ذلك يقول فروة :
فإن نغلب فغلابون قدما وإن نهزم فغير مهزمينا وما إن طبنا جبن ولكن
منايانا ودولة آخرينا كذاك الدهر دولته سجال
تكر صروفه حينا وحينا فبينا ما يسر به ويرضى
ولو لبست غضارته سنينا إذ انقلبت به كرات دهر
فألفى للأولى غبطوا طحينا ومن يغبط بريب الدهر منهم
يجد ريب الزمان له خئونا فلو خلد الملوك إذا خلدنا
ولو بقي الكرام إذا بقينا [ ص: 161 ] فأفنى ذاكم سروات قوم
كما أفنى القرون الأولينا
ولما توجه فروة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مفارقا لقومه قال :
لما رأيت ملوك كندة أعرضت كالرجل خان الرجل عرق نسائها
يممت راحلتي أؤم محمدا أرجو فضائلها وحسن ثرائها
فلما انتهى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له : يا فروة ، هل ساءك ما أصاب قومك يوم الرزم ؟ فقال : يا رسول الله ، من ذا يصيب قومه مثل ما أصاب قومي ، ولم يسؤه ذلك ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : إن ذلك لا يزيد قومك في الإسلام إلا خيرا . فاستعمله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على مراد وزبيد ومذحج كلها ، وبعث معه ، فكان على الصدقات إلى أن توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . خالد بن سعيد بن العاص
وفيها أرسل فروة بن عمرو الجذامي ، ثم النفاثي ، رسولا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بإسلامه ، وأهدى له بغلة بيضاء ، وكان فروة عاملا للروم على من يليهم من العرب ، وكان منزله معان في أرض الشام ، فلما بلغ الروم إسلامه طلبوه حتى أسروه ، فحبسوه ، فقال في محبسه ذلك :
طرقت سليمي موهنا فشجاني والروم بين الباب والقربان
صد الخيال وساءه ما قد رأى وهممت أن أغفي وقد أبكاني
لا تكحلن العين بعدي إثمدا سلمى ولا تدنن للإنسان
[ ص: 162 ]
ألا هل أتى سلمى بأن خليلها على ماء عفرى فوق إحدى الرواحل
على ناقة لم يلقح الفحل أمها مشذبة أطرافها بالمناجل
بلغ سراة المسلمين بأنني سلم لربي أعظمي ومقامي
ثم ضربوا عنقه ، وصلبوه .
وفيها قدم وفد زبيد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع عمرو بن معدي كرب ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد استعمل على زبيد ومراد فروة بن مسيك في هذه السنة قبل قدوم عمرو ، فلما عاد عمرو من عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقام في قومه بني زبيد وعليهم فروة ، فلما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ارتد عمرو .
وفيها قدم وفد عبد القيس على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفيهم الجارود بن عمرو ، وكان نصرانيا فأسلم وأسلم من معه ، وكان الجارود حسن الإسلام ، نهى قومه عن الردة بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم - لما ارتدوا مع الغرور ، وهو المنذر بن النعمان ، وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث قبل الفتح إلى العلاء بن الحضرمي المنذر بن ساوى العبدي ، فأسلم وحسن إسلامه ، ثم هلك بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقبل ردة أهل البحرين ، والعلاء أمير لرسول الله صلى الله عليه وسلم على البحرين .
وفيها قدم وفد بني حنيفة وفيهم مسيلمة ، وكان منزله في دار ابنة الحارث ، امرأة من الأنصار ، واجتمع مسيلمة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم عاد إلى اليمامة وتنبأ ، وتكذب لهم ، وادعى أنه شريك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في النبوة ، فاتبعه بنو حنيفة .
[ ص: 163 ] وفيها كندة مع ، وكانوا ستين راكبا ، فقال الأشعث بن قيس الأشعث : نحن بنو آكل المرار ، وأنت ابن آكل المرار ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم : نحن بنو النضر بن كنانة لا نقفو أمنا ، ولا ننتفي من أبينا . قدم وفد
وفيها قدم وفد محارب .
وفيها قدم وفد الرهاويين ، وهم بطن من مذحج ( ورهاء بفتح الراء ، قاله ) . عبد الغني بن سعيد
وفيها قدم وفد عبس .
وفيها قدم وفد صدف ، وافوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع .
وفيها قدم وفد خولان ، وكانوا عشرة .
وفيها قدم وفد بني عامر بن صعصعة ، فيهم عامر بن الطفيل ، وأربد بن قيس ، وجبار بن سلمى - بضم السين وبالإمالة - بن مالك بن جعفر ، وكان عامر يريد الغدر برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له قومه : إن الناس قد أسلموا فأسلم . فقال : لا أتبع عقب هذا الفتى ، ثم قال لأربد : إذا قدمنا عليه فإني شاغله عنك ، فاعله بالسيف من خلفه . فلما قدموا جعل يكلم النبي - صلى الله عليه وسلم - يشغله ليفتك به أربد ، فلم يفعل أربد شيئا ، فقال عامر للنبي - صلى الله عليه وسلم : لأملأنها عليك خيلا ورجالا ، فلما ولى قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : عامرا . فلما خرجوا قال اللهم اكفني عامر لأربد : لم لم تقتله ؟ قال : كلما هممت بقتله دخلت بيني وبينه حتى ما أرى غيرك ، أفأضربك بالسيف ؟ ورجعوا ، فلما كانوا ببعض الطريق أرسل الله على عامر بن الطفيل الطاعون فقتله ، وإنه لفي بيت امرأة سلولية ، فمات وجعل يقول : يا بني عامر ، أغدة كغدة البعير ، وموت في بيت سلولية ! وأرسل الله إلى أربد صاعقة فأحرقته ، وكان أربد بن قيس أخا لبيد بن ربيعة لأمه .
[ ص: 164 ] وفيها قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفد طيئ فيهم زيد الخيل ، وهو سيدهم ، فأسلموا وحسن إسلامهم . وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : ما ذكر لي رجل من العرب بفضل ثم جاءني إلا رأيته دون ما يقال فيه ، إلا ما كان من زيد الخيل . ثم سماه زيد الخير ، وأقطع له فيد وأرضين معها . فلما رجع أصابته الحمى بقرية من نجد ، فمات بها .
وفيها كتب مسيلمة الكذاب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكر أنه شريكه في النبوة ، وأرسل الكتاب مع رسولين ، فسألهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنه فصدقاه . فقال لهما : لولا أن الرسل لا تقتل لقتلتكما .
وكان كتاب مسيلمة : من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله ، أما بعد فإني قد أشركت معك في الأمر ، وإن لنا نصف الأرض ولقريش نصفها ، ولكن قريشا قوم يعتدون .
فكتب إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم : محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب ، أما بعد ، فالسلام على من اتبع الهدى ، فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده ، والعاقبة للمتقين . بسم الله الرحمن الرحيم ، من
وقيل : إن دعوى مسيلمة وغيره النبوة كانت بعد حجة الوداع ومرضته التي مات فيها . فلما سمع الناس بمرضه وثب الأسود العنسي باليمن ، ومسيلمة باليمامة ، وطليحة في بني أسد .