وإذا عرف شرائط الشهادة فنقول : سواء قتل بسلاح ، أو غيره ; لاستجماع شرائط الشهادة في حقه فالتحق بشهداء إذا قتل الرجل في المعركة ، أو غيرها وهو يقاتل أهل الحرب ، أو قتل مدافعا عن نفسه ، أو ماله ، أو أهله ، أو واحد من المسلمين ، أو أهل الذمة فهو شهيد أحد ، وكذلك ; لأنه قتل ظلما لم يخلف بدلا هو مال دل عليه قوله : عليه الصلاة والسلام { إذا صار مقتولا من جهة قطاع الطريق } ، وهذا قتل دون ماله فيكون شهيدا بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم وكذا من قتل دون ماله فهو شهيد وعند إذا قتل في محاربة أهل البغي يغسل في أحد قوليه ; لأن على أحد قوليه يجب القصاص على الباغي فهذا قتيل أخلف بدلا ، وهو القصاص ، وهذا يمنع الشهادة عنده على ما مر . الشافعي
ولنا ما روي عن أنه لما استشهد عمار بصفين تحت راية رضي الله عنه فقال : لا تغسلوا عني دما ، ولا تنزعوا عني ثوبا فإني ألتقي علي بالجادة ، وكان قتيل أهل البغي على ما قال النبي : صلى الله عليه وسلم { ومعاوية } . تقتلك الفئة الباغية
وروي أن زيد بن صوحان لما استشهد يوم الجمل فقال : لا تغسلوا عني دما ، ولا تنزعوا عني ثوبا فإني رجل محاج أحاج يوم القيامة من قتلني ، وعن رضي الله عنه أنه كان لا يغسل من قتل من أصحابه ; ولأنه في معنى شهداء علي أحد ; لأنه قتل قتلا تمحض ظلما ، ولم يخلف بدلا هو مال ، ووجوب القصاص في قتل الباغي ممنوع ، وعليه إجماع الصحابة أن كل دم أريق بتأويل القرآن فهو باطل وقتيل غير الباغي وإن وجب عليه القصاص لكن ذلك أمارة تغلظ الجناية على ما مر فلا يوجب قدحا في الشهادة ، بخلاف وجوب الدية .
ولو وجد في المعركة فإن لم يكن به أثر القتل من جراحة ، أو خنق ، أو ضرب ، أو خروج الدم لم يكن شهيدا ; لأن المقتول إنما يفارق الميت حتف أنفه بالأثر فإذا لم يكن به أثر فالظاهر أنه لم يكن بفعل مضاف إلى العدو ، بل لما التقى الصفان انخلع قناع قلبه من شدة الفزع ، وقد يبتلى الجبان بهذا فإن كان به أثر القتل كان شهيدا ; لأن الظاهر أن موته كان بذلك السبب ، وإنه كان من العدو ، والأصل أن الحكم متى ظهر عقيب سبب يحال عليه وإن كان الدم يخرج من محارقه ينظر إن كان موضعا يخرج الدم منه من غير آفة في الباطن كالأنف ، والذكر ، والدبر لم يكن شهيدا ; لأن المرء قد يبتلى بالرعاف ، وقد يبول دما لشدة الفزع ، وقد يخرج الدم من الدبر من غير جرح في الباطن فوقع الشك في سقوط الغسل فلا يسقط بالشك .