ثم سواء في كونه سببا للزوم في قول أصحابنا الثلاثة ، وقال الشروع في التطوع في الوقت المكروه وغيره زفر غير ملزم حتى لو قطعها لا شيء عليه عنده ، وعندنا الأفضل أن يقطع وإن أتم فقد أساء ، ولا قضاء عليه ; لأنه أداها كما وجبت ، وإن قطعها فعليه القضاء . : الشروع في التطوع في الأوقات المكروهة
وأما فغير ملزم عند الشروع في الصوم في الوقت المكروه ، أبي حنيفة وعندهما ملزم فهما سويا بين الصوم والصلاة ، وجعلا الشروع فيهما ملزما كالنذر لكون المؤدى عبادة وزفر سوى بينهما بعلة ارتكاب المنهي وجعل الشروع فيهما غير ملزم ، وزفر فرق والفرق له من وجوه : أحدها : أنه لا بد له من تقديم مقدمة ، وهي أن ما تركب من أجزاء متفقة ينطلق اسم الكل فيه على البعض كالماء ، فإن ماء البحر يسمى ماء ، وقطرة منه تسمى ماء ، وكذا الخل والزيت ، وكل مائع ، وما تركب من أجزاء مختلفة لا يكون للبعض منه اسم الكل كالسكنجبين ، لا يسمى الخل وحده ولا السكر وحده سكنجيبا ، وكذا الأنف وحده لا يسمى وجها ، ولا الخد [ ص: 291 ] وحده ولا العظم وحده يسمى آدميا ، ثم الصوم يتركب من أجزاء متفقة فيكون لكل جزء اسم الصوم ، والصلاة تتركب من أجزاء مختلفة ، وهي : القيام ، والقراءة ، والركوع ، والسجود فلا يكون للبعض اسم الكل . وأبو حنيفة
ومن هذا قال أصحابنا : إن من فكما شرع يحنث ولو حلف لا يصوم ، ثم شرع في الصوم فما لم يقيد الركعة بالسجدة لا يحنث ، وإذا تقرر هذا الأصل فنقول : إنه نهي عن الصوم فكما شرع باشر الفعل المنهي ، ونهى عن الصلاة فما لم يقيد الركعة بالسجدة لم يباشر منها فيما انعقد انعقد قربة خالصة غير منهي عنها ، فبعد هذا يقول بعض مشايخنا : إن الشروع سبب الوجوب وهو في الصوم منهي ففسد في نفسه فلم يصر سبب الوجوب ، وفي الصلاة ليس بمنهي فصار سببا للوجوب وإذا تحقق هذا فنقول : وجوب المضي في التطوع لصيانة ما انعقد قربة ، وفي باب الصوم ما انعقد انعقد معصية من وجه والمضي أيضا معصية والمضي لو وجب وجب لصيانة ما انعقد وما انعقد عبادة وهو منهي عنه وتقرير العبادة وصيانتها واجب ، وتقرير المعصية وصيانتها معصية ، فالصيانة واجبة من وجه ، محظورة من وجه فلم تجب الصيانة عند الشك ، وترجحت جهة الحظر على ما هو الأصل ، والصيانة لا تحصل إلا بما هو عبادة وبما هو معصية وإيجاب العبادة ممكن ، وإيجاب المعصية غير ممكن فلم يجب المضي عند التعارض ، بل يرجح جانب الحظر فأما في باب الصلاة فما انعقد انعقد عبادة خالصة لا حظر فيها فوجب تقريرها وصيانتها ، ثم صيانتها وإن كانت بالمضي وبالمضي يقع في المحظور ولكن لو مضى تقررت العبادة ، وتقريرها واجب ، وما يأتي به عبادة ومحظور أيضا فكان محصلا للعبادة من وجهين ومرتكبا للنهي من وجه فترجحت جهة العبادة . حلف لا يصلي
ولو امتنع عن المضي امتنع عن تحصيل ما هو منهي ، ولكن امتنع أيضا عن تحصيل ما هو عبادة وأبطل العبادة المتقررة ، وإبطالها محظور محض فكان المضي للصيانة أولى من الامتناع فيلزمه المضي فإذا أفسده يلزمه القضاء ، ومنهم من فرق بينهما فقال : إن النهي عن الصلاة في هذه الأوقات ثبت بدليل فيه شبهة العدم ، وهو خبر الواحد .
وقد اختلف العلماء في صحته ووروده فكان في ثبوته شك وشبهة ، وما كان هذا سبيله كان قبوله بطريق الاحتياط ، والاحتياط في حق إيجاب القضاء على من أفسد بالشروع أن يجعل كأنه ما ورد بخلاف النهي عن الصوم ; لأنه ثبت بالحديث المشهور وتلقته أئمة الفتوى بالقبول ، فكان النهي ثابتا من جميع الوجوه فلم يصح الشروع فلم يجب القضاء بالإفساد ، والفقيه الجليل أبو أحمد العياضي السمرقندي ذكر هذه الفروق ، وأشار إلى فرق آخر وهو أن الصوم وجوبه بالمباشرة ، وهو فعل من الصوم المنهي عنه ، فأما الصلاة فوجوبها بالتحريمة وهي قول ، وليست من الصلاة فكانت بمنزلة النذر والله أعلم غير أنه لو أفسدها مع هذا وقضى في وقت آخر كان أحسن ; لأن الإفساد ليؤدي أكمل لا يعد إفسادا وههنا كذلك ; لأنه يؤدى خاليا عن اقتران النهي به ، ولكن لو صلى مع هذا جاز ; لأنه ما لزمه إلا هذه الصلاة ، وقد أساء حيث أدى مقرونا بالنهي .