( وأما ) الجراح لما روي عنه عليه الصلاة والسلام [ ص: 319 ] أنه قال { ففي الجائفة ثلث الدية } فإن نفذت إلى الجانب الآخر فهما جائفتان وفيهما ثلثا الدية . في الجائفة ثلث الدية
وقد روي عن سيدنا أنه حكم في جائفة نفذت إلى الجانب الآخر بثلثي الدية . أبي بكر الصديق
وكان ذلك بمحضر من الصحابة الكرام ، ولم ينقل أنه خالفه في ذلك أحد منهم فيكون إجماعا .
وعلى هذا يخرج ما إذا بأن جعل موضع البول والغائط واحدا ، وهي تستمسك البول أن عليه ثلث الدية لأن هذا في معنى الجائفة ، وجملة الكلام أن المفضاة لا يخلو ( إما ) أن كانت أجنبية ( وإما ) أن كانت زوجته ، والإفضاء لا يخلو ( إما ) أن يكون بالآلة ( وإما ) أن يكون بالحجر أو بالخشب أو الأصبع وما يجري مجراه فإن كانت أجنبية والإفضاء بالآلة فإن كانت مطاوعة ولم يوجد دعوى الشبهة لا من الرجل ولا من المرأة فعليهما الحد لوجود الزنا منهما ، ولا مهر على الرجل لأن العقر مع الحد لا يجتمعان ، ولا أرش لها بالإفضاء سواء كانت تستمسك البول أو لا تستمسك ; لأن التلف تولد من فعل مأذون فيه من قبلها فلا يجب به الضمان كما رمى امرأة بحجر فأصاب فرجها فأفضاها به لا ضمان على القاطع ، كذا هذا . لو أذنت بقطع يدها فقطعت
وإن كان الرجل يدعي الشبهة سقط عنه الحد وعنها أيضا ، وعلى الزوج العقر لأن الوطء لا يخلو من إيجاب حد أو غرامة ، ولا أرش لها بالإفضاء لما ذكرنا .
وإن كانت مستكرهة فإن لم يدع الرجل الشبهة فعليه الحد لوجود الزنا منه ، ولا حد عليها لعدم الزنا منها ، ولا عقر على الرجل لوجوب الحد عليه ، والحد مع العقر لا يجتمعان .
وعلى الرجل الأرش بالإفضاء لعدم الرضا منها بذلك ثم إن كانت تستمسك البول ففيه ثلث الدية لأنه جائفة ، وإن كانت لا تستمسك البول ففيه كمال الدية لوجود إتلاف العضو بتفويت منفعة الحبس ، وإن كان الرجل يدعي الشبهة سقط الحد عنه للشبهة وعنها أيضا لوجود الإكراه ولها الأرش بالإفضاء لما ذكرنا ثم إن كانت تستمسك البول فلها ثلث الدية لأنها جائفة وكمال المهر ، وإن كانت لا تستمسك فلها الدية ولا مهر لها في قولهما .
وعند - رحمه الله - لها المهر والدية . محمد
وجه قوله أن سبب وجوب المهر والدية مختلف ; لأن المهر يجب بإتلاف المنفعة والدية تجب بإتلاف العضو فلا يدخل أحدهما في الآخر ، ولهذا لم يدخل المهر في ثلث الدية فيما إذا كانت تستمسك البول حتى وجب عليه كمال المهر مع ثلث الدية ، كذا هذا .
ولهما أن سبب الوجوب متحد لأن الدية تجب بإتلاف هذا العضو .
، ومنافع البضع ملحقة بأجزاء البضع فكان سبب وجوبهما واحدا فكان المهر عوضا عن جزء من البضع وضمان الجزء والكل إذا وجد السبب واحد يدخل ضمان الجزء في ضمان الكل كالأب إذا استولد جارية ابنه أنه لا يلزمه العقر ، ويدخل في قيمة الجارية لما قلنا ، كذا هذا . والعقر يجب بإتلاف منافع البضع
وأما وجوب كمال المهر مع ثلث الدية حالة الاستمساك فعلى رواية الحسن عن رضي الله عنهما لا يجمع بينهما بل الأقل يدخل في الأكثر كما يدخل أرش الموضحة في دية الشعر فكانت المسألة ممنوعة . أبي حنيفة
ولئن سلمنا على ظاهر الرواية فلا يلزم ; لأن المنافي لضمان الجزء هو ضمان كل العين وثلث الدية ضمان الجزء ، وضمان الجزء لا يمنع ضمان جزء واحد هذا إذا كان الإفضاء بالآلة ( فأما ) إذا كان بغيرها من الحجر ونحوه فالجواب في هذا الفصل في جميع وجوهه كالجواب في الفصل الأول في الوفاق والخلاف والجمع بين الضمانين وعدم الجمع إلا أن الأرش في هذا الفصل يجب في ماله ، وفي الفصل الأول تتحمله العاقلة لأن الإفضاء بالآلة يكون في معنى الخطأ وبغيرها يكون عمدا .
وقال بعض مشايخنا لا وجه لإيجاب المهر في هذا الفصل ; لأن وجوبه متعلق بقضاء الشهوة ولم يوجد .
وقال بعضهم يجب ويلحق غير الآلة بالآلة تعظيما لأمر الأبضاع كما ألحق الإيلاج بدون الإنزال بالإيلاج مع الإنزال في وجوب الحد وغيره من الأحكام مع قيام شبهة القصور في قضاء الشهوة تفخيما لشأن الفروج ، والله سبحانه وتعالى أعلم هذا إذا كانت المرأة أجنبية ( فأما ) فلا شيء عليه سواء كانت تستمسك البول أو لا تستمسك في قولهما . إذا كانت زوجته فأفضاها
وقال كانت لا تستمسك البول فعليه الدية في ماله ، وإن كانت تستمسك فعليه ثلث الدية في ماله ( وجه ) قوله أنه مأذون في الوطء لا في الإفضاء فكان متعديا في الإفضاء فكان مضمونا عليه ( ولهما ) أن الوطء مأذون فيه شرعا فالمتولد منه لا يكون [ ص: 320 ] مضمونا كالبكارة . أبو يوسف