( وأما ) بأن شج رأس إنسان موضحة فسقط شعر رأسه أو ذهب عقله أو بصره أو سمعه أو كلامه أو شمه أو ذوقه أو جماعه أو إيلاده فلا شك في أنه يجب عليه أرش هذه الأشياء ، وهل يجب عليه أرش الموضحة أم يدخل في أرشها ؟ عندهما لا يدخل أرش الموضحة إلا في الشعر والعقل ولا يدخل فيما وراء ذلك . حكمها بغيرها
وقال - رحمه الله - في الإملاء يدخل في الكل إلا في البصر . أبو يوسف
وقال - رحمه الله - لا يدخل إلا في الشعر فقط . الحسن بن زياد
وقال - رحمه الله - لا يدخل في شيء من ذلك أصلا ( وجه ) قوله أن الشجة وإذهاب الشعر والعقل وغيرهما جنايتان مختلفتان فلا يدخل إحداهما في الأخرى كسائر الجنايات من قطع اليدين والرجلين ونحو ذلك ( وجه ) قول زفر رحمه الله أنهما جنايتان اختلف محلهما والمقصود منهما فلا يدخل أرش إحداهما في الأخرى كأرش اليدين والرجلين ، الحسن أن السمع والكلام والشم والذوق ونحوها من البواطن فيدخل فيها أرش الموضحة كالعقل ( وأما ) البصر فظاهر فلا يدخل فيه الموضحة كاليد والرجل ، وهذا الفرق يبطل بالشعر لأنه ظاهر ، ويدخل أرش الموضحة فيه ، ولأبي يوسف ولأبي حنيفة رحمهما الله تعالى الفرق بين الشعر والعقل وبين غيرهما ، ووجهه أن في الشعر الجناية حلت في عضو واحد بفعل واحد بسبب واحد ( وأما ) اتحاد العضو فلا شك فيه ; لأن كل ذلك حصل في الرأس ( وأما ) العقل فلأنه لم يوجد منه إلا الشجة ( وأما ) اتحاد السبب فلأن دية الشعر تجب بفوات الشعر ، وأرش الموضحة يجب بفوات جزء من الشعر فكان سبب وجوبها واحدا فيدخل الجزء في الكل كما إذا قطع رجل أصبع رجل فشلت اليد إن أرش الأصبع يدخل في دية اليد ، كذا هذا . ومحمد
وفي العقل الواجب دية النفس من حيث المعنى ; لأن جميع منافع النفس يتعلق به فكان تفويته تفويت النفس معنى فكان الواجب دية النفس فيدخل فيه أرش الموضحة كما إذا شج رأسه موضحة فسرى إلى النفس فمات ، والله سبحانه وتعالى أعلم .
( وأما ) السمع ، والبصر والكلام ونحوها فقد اختلف السبب والمحل ; لأن سبب الوجوب في كل واحد منهما تفويت المنفعة المقصودة منه فاختلف المحل والسبب والمقصود فامتنع التداخل ، وقد روي عن سيدنا رضي الله عنه أنه قضى في شجة واحدة بأربع ديات فإن اختلفا في ذهاب البصر والسمع والكلام والشم فطريق معرفتها اعتراف الجاني وتصديق المجني عليه أو نكوله عن اليمين ، وقد يعرف البصر بنظر الأطباء بأن ينظر إليه طبيبان عدلان لأنه ظاهر تمكن معرفته . عمر
وقد قيل يمتحن بإلقاء حية بين يديه ، وفي السمع يستغفل المدعي ، كما روي عن إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة رضي الله تعالى عنهم أن رجلا ضرب امرأة فادعت عنده ذهاب سمعها فتشاغل عنها بالنظر في القضاء ثم التفت إليها وقال : يا هذه غطي عورتك فجمعت ذيلها فعلم أنها كاذبة في دعواها .
وفي الكلام يستغفل أيضا ، وفي الشم يختبر بالروائح الكريهة ، وسواء ذهب جميع هذه الأشياء بالشجة أو ذهب بعضها دون البعض الاجتماع والافتراق في هذا سواء ; لأن التداخل فيما يجري فيه التداخل ليس للكثرة بل لما ذكرنا من المعنى وأنه لا يوجب الفصل بين الاجتماع والافتراق ، ولا تدخل ديات هذه الأشياء بعضها في بعض إلا عند السراية إنه يسقط ذلك كله وعليه دية النفس لا غير لما ذكرنا أن كل واحد من هذه الأشياء من السمع والبصر والكلام ونحوها أصل بنفسه لاختصاصه بمحل مخصوص ومنفعة مقصودة فلا يجعل تبعا لصاحبه في الأرش ، وإنما دخلت أروشها في دية النفس عند السراية ; لأن الأعضاء كلها تابعة للنفس فتدخل أروشها في دية النفس ثم إن كان الأول خطأ تتحمل العاقلة ، وإن كان عمدا فدية النفس في ماله ، وكل ذلك في ثلاث سنين ، وسواء كانت الشجة موضحة أو هاشمة أو منقلة أو آمة فالشجاج كلها في التداخل سواء ; لأن المعنى لا يوجب الفصل ، وسواء قلت الشجاج أو كثرت بعد أن لا يجاوز أرشها الدية حتى لو كانت آمتين أو ثلاث أوام ، وذهب منها الشعر أو العقل يدخل أرشها في الشعر والعقل .
وإن كانت أربع أوام [ ص: 318 ] يدخل قدر الدية لا غير ، ويجب فيها دية وثلث دية لأن الكثير لا يتبع القليل فيما دون النفس .
وعلى قول - رحمه الله - عليه ديتان وثلث دية لأنه لا يرى التداخل في الشجاج أصلا ورأسا . زفر
ولو سقط بالموضحة بعض شعر رأسه ينظر إلى أرش الموضحة وإلى حكومة العدل في الشعر فإن كانا سواء لا يجب إلا أرش الموضحة ، وإن كان أحدهما أكثر يدخل الأقل في الأكثر أيهما كان لأنهما يجبان لمعنى واحد فيتداخل الجزء في الجملة .
ولو كانت الشجة في حاجبه فسقط ولم ينبت يدخل أرش الموضحة في أرش الحاجب ، وهو نصف الدية كما يدخل في أرش الشعر لما قلنا .
وهذه المسائل من الشجاج الخطأ ( فأما ) إذا كانت الشجة عمدا فذهب منها العقل أو الشعر أو السمع أو غيره ففيه خلاف ذكرناه فيما تقدم ، والله سبحانه وتعالى أعلم .