ولو - فهذا في الأصل لا يخلو من أحد وجهين : ( أما ) إن علم حال موتهم بأن خرجوا أحياء فأخبروا عن حالهم . حفر بئرا في الطريق فوقع رجل فيها فتعلق بآخر ، وتعلق الثاني بثالث ، فوقعوا ، فماتوا
( وإما ) إن لم يعلم ، فإن علم ذلك ( فأما ) موت الأول فلا يخلو من سبعة أوجه ( إما ) إن علم أنه مات بوقوعه في البئر خاصة .
( وإما ) إن علم أنه مات بوقوع الثاني عليه خاصة .
( وإما ) إن علم إن مات بوقوع الثالث عليه خاصة .
( وإما ) إن علم أنه مات بوقوع الثاني والثالث عليه .
( وإما ) إن علم أنه مات بوقوعه في البئر ووقوع الثاني عليه .
( وإما ) إن علم أنه مات بوقوعه في البئر ووقوع الثالث عليه ، وإما إن علم أنه مات بوقوعه في البئر ووقوع الثاني والثالث عليه ، فإن علم أنه مات بوقوعه في البئر خاصة - فالضمان على الحافر ; لأن الحافر هو القاتل تسبيبا ، وهو متعد فيه ، فكان الضمان عليه ، فإن علم أنه مات بوقوع الثاني عليه خاصة فدمه هدر ; لأنه هو الذي قتل نفسه حيث جره على نفسه ، وجناية الإنسان على نفسه هدر ، وإن علم أنه مات بوقوع الثالث عليه خاصة - فالضمان على الثاني ; لأن الثاني هو الذي جر الثالث على الأول حتى أوقعه عليه ، وإن علم أنه مات بوقوع الثاني والثالث عليه فنصفه هدر ، ونصفه على الثاني ; لأن جره الثاني على نفسه هدر ; لأنه جناية على نفسه وجر الثاني والثالث عليه معتبر فهدر النصف وبقي النصف .
وإن علم أنه مات بوقوعه في البئر ووقوع الثاني عليه فالنصف على الحافر لوجود الجناية منه بالحفر والنصف هدر لجره الثاني على نفسه ، وإن علم أنه مات بوقوعه في البئر ووقوع الثالث عليه فالنصف على الحافر ، والنصف على الثاني ; لأنه هو الذي جر الثالث على الأول ، وإن علم أنه مات بوقوعه في البئر ووقوع الثاني والثالث عليه فالثلث هدر ، والثلث على الحافر ، والثلث على الثاني ; لأنه مات بثلاث جنايات : أحدهما هدر ، وهي جره الثاني على نفسه فبقيت جناية الحافر ، وجناية الثاني بجرة الثالث على الأول فتعتبر .
( وأما ) موت الثاني فلا يخلو من ثلاثة أوجه : ( إما ) إن علم أنه مات بوقوعه في البئر خاصة ، وإما إن علم أنه مات بوقوع الثالث عليه خاصة ، وإما إن علم أنه مات بوقوع في البئر ، ووقوع الثالث عليه ، فإن علم أنه مات بسقوطه في البئر خاصة - فديته على الأول ، وليس على الحافر شيء لأن الأول هو الذي جره إلى البئر ، فكان كالدافع ، وإن علم أنه مات بوقوع الثالث عليه خاصة فدمه هدر ; لأنه مات بفعل [ ص: 277 ] نفسه حيث جر الثالث على نفسه فهدر دمه ، وإن علم أنه مات بسقوطه في البئر ووقوع الثالث عليه فالنصف هدر ، والنصف على الأول ; لأنه مات بشيئين : أحدهما فعل نفسه ، وهو جره الثالث على نفسه وجنايته على نفسه هدر ، والثاني فعل غيره ، وهو جر الأول وإيقاعه في البئر .
وأما موت الثالث فله وجه واحد لا غير ، وهو سقوطه في البئر ، وديته على الثاني ; لأنه هو الذي جره إلى البئر وأوقعه فيه هذا كله إذا علم حال وقوعهم .
وأما إذا لم يعلم - فلا يخلو : إما أن وجد بعضهم على بعض ، وإما إن وجدوا متفرقين ، فإن كانوا متفرقين فدية الأول على الحافر ، ودية الثاني على الأول ، ودية الثالث على الثاني ، وإن كان بعضهم على بعض - فالقياس هكذا أيضا ، وهو أن يكون دية الأول على الحافر ، ودية الثاني على الأول ، ودية الثالث على الثاني ، وهو قول - رحمه الله - وفي الاستحسان : دية الأول أثلاث : ثلث على الحافر ، وثلث على الثاني ، وثلث هدر ، ودية الثاني نصفان : نصف هدر ونصف على الأول ، ودية الثالث كلها على الثاني ، ولم يذكر محمد - رحمه الله - في الاستحسان : أنه قول من وجه القياس أنه وجد لموت كل واحد سبب ظاهر ، وهو الحفر للأول ، والجر من الأول للثاني ، والجر من الثاني للثالث ، وإضافة الأحكام إلى الأسباب الظاهرة أصل في الشريعة . محمد
( وجه ) الاستحسان أنه اجتمع في الأول ثلاثة أسباب كل واحد منها صالح للموت : وقوعه في البئر ، ووقوع الثاني ، ووقوع الثالث عليه إلا أن وقوع الثاني عليه حصل بجره إياه على نفسه فهدر الثلث وبقي الثلثان : ثلث على الحافر بحفره : وثلث على الثاني بجره الثالث على نفسه ، ووجد في الثاني شيئان : الحفر ، ووقوع الثالث عليه إلا أن وقوعه عليه حصل بجره فهدر نصف الدية ، وبقي النصف على الحافر ، ولم يوجد في الثالث إلا سبب واحد ، وهو جر الثاني إياه إلى البئر ، والأصل في الأسباب اعتبارها ما أمكن ، واعتبارها يقتضي أن يكون الحكم ما ذكرنا ، والله - تعالى - أعلم .