ولو يخير المولى بين الدفع ، والفداء ، ولا يبطل الدين بحدوث الجناية ; لأن موجب الجناية وجوب الدفع ، وتعلق الدين برقبة العبد لا يمنع من الدفع إلا أنه يدفعه مشغولا بالدين ، فإن فدى بالدية يباع العبد في الدين ; لأنه لما فدى فقد طهرت رقبة العبد عن الجناية فيباع ، إلا أن يستخلصه المولى لنفسه ، ويقضي دين الغرماء ، وإن اختار الدفع إلى أولياء الجناية فدفعه إليهم يباع لأجل الغرماء في دينهم ، وإنما بدئ بالدفع لا بالدين ; لأن فيه رعاية الحقين : حق أولياء الجناية بالدفع إليهم ، وحق أصحاب الدين بالبيع لهم . قتل العبد رجلا ، وعلى العبد دين
ولو بدئ بالدين فبيع به لبطل حق أولياء الجناية في الدفع ; لأنه بالبيع يصير ملكا للمشتري ، لذلك بدئ بالدفع ، وفائدة الدفع إلى أولياء الجناية ثم البيع هي أن يثبت لهم حق استخلاص العبد بالفداء ; لأن للناس أغراضا في الأعيان ، ثم إذا بيع فإن فضل شيء من ثمن العبد كان الفضل لأولياء الجناية ; لأن العبد بيع على ملكهم لصيرورته ملكا لهم بالدفع إليهم ، وإن لم يف ثمنه بالدين يتأخر ما بقي إلى ما بعد العتاق ، كما لو بيع على ملك المولى الأول ، ولا يضمن المولى لأصحاب الدين بدفع العبد إلى أولياء الجناية شيئا استحسانا .
والقياس أن يضمن .
( وجه ) القياس أن الدفع إليهم تمليك منهم بعد تعلق الدين برقبته فصار كأنه باعه منهم ، ولو باعه منهم لضمن ، كذا هذا .
( وجه ) الاستحسان أن الدفع واجب عليه لما فيه من رعاية الحقين لما بينا ، ومن فعل ما وجب عليه لا يضمن ، ولو حضر الغرماء أولا فباع المولى العبد ، فإن فعل ذلك بغير أمر القاضي ينظر إن كان عالما بالجناية صار مختارا للفداء ، ولزمه الأرش ، وإن كان غير عالم بالجناية فعليه الأقل من قيمة العبد ومن الأرش ، وهو الدية ، وإن كان رفع إلى القاضي ، فإن كان القاضي عالما بالجناية فإنه لا يبيع العبد بالدين ; لأن فيه إبطال حق أولياء الجناية فلا يملك ذلك ، وإن لم يكن عالما بالجناية فباعه بالدين ببينة قامت عنده أو بعلمه ثم حضر أولياء الجناية ولا فضل في الثمن بطلت الجناية ، وسقط حق أولياء الجناية ; لأنه خرج عن ملك المولى بغير رضاه ، فصار كأنه مات ، وهذا لأنه لا سبيل إلى تضمين القاضي ; لأنه فيما يصنعه أمين فلا تلحقه العهدة ، ولا سبيل إلى فسخ البيع ; لأنه لو فسخ البيع ودفع بالجناية لوقعت الحاجة إلى البيع ثانيا ، فتعذر القول بالفسخ ، فصار كأنه مات ، ولو مات لبطل حق أولياء الجناية أصلا ، كذا هذا ، والله سبحانه وتعالى أعلم ، ولو ، فإن كان القاتل حرا يأخذ المولى قيمته ، ويدفعها إلى ولي الجناية إن كان واحدا ، وإن كانوا جماعة يدفعها إليهم على قدر حقوقهم ; لأن القيمة بدل العبد فتقوم مقامه إلا أنه لا خيار للمولى بين القيمة والفداء حتى لو تصرف في تلك القيمة لا يصير مختارا للفداء ، ولو تصرف في العبد يصير مختارا للفداء على ما نذكر ، وإنما كان كذلك ; لأن القيمة دراهم أو دنانير ، فإن كانت مثل الأرش فلا فائدة في التخيير . قتل العبد الجاني قبل الدفع
وكذلك إن كانت أقل من الأرش أو أكثر منه ; لأنه يختار الأقل لا محالة بخلاف العبد فإنه وإن كان قليل القيمة فللناس رغائب في الأعيان ، وكذلك قتله عبد أجنبي فخير مولاه بين الدفع والفداء ، وفدى بقيمة العبد المقتول أن المولى يأخذ القيمة ويدفعها إلى ولي الجناية لما قلنا ، ولو دفع القاتل إلى مولى العبد المقتول يخير مولى العبد المقتول بين الدفع والفداء ، حتى لو تصرف في العبد المدفوع بالبيع ونحوه يصير مختارا للفداء ; لأن العبد القاتل قام مقام المقتول لحما ودما ، فكان الأول قائما ، وإن قتله عبد آخر لمولاه يخير المولى في شيئين في العبد القاتل : بين الدفع والفداء ; لأن تعلق حق ولي الجناية بالعبد جعل المولى كالأجنبي ، فصار كأن عبد أجنبي قتل العبد الجاني ، وهناك يخير بين الدفع والفداء بقيمة المقتول ، كذا ههنا .
وكذلك لو يخير المولى بين دفعها وفدائها بقيمة العبد لما قلنا ، ولو كان العبد قتل رجلا خطأ ، وقتلت أمة لمولاه رجلا آخر خطأ ثم إن العبد قتل الأمة خير المولى بين الدفع والفداء ، فإن اختار الفداء فدى بالدية وقيمة الأمة ، وإن اختار الدفع ضرب فيه أولياء قتيل العبد بالدية ، وأولياء قتيل الأمة بقيمة الأمة ; لأن الجناية عليها كالجناية على أمة أجنبي قتلت رجلا خطأ ، ولو كانت قيمة الأمة ألفا كان العبد مقسوما بينهم على أحد عشر سهما : سهم لأولياء قتيل الأمة ، وعشرة أسهم لأولياء قتيل العبد ، فإن قطع عبد لأجنبي يد العبد الجاني أو فقأ عينه أو جرحه جراحة فخير مولى العبد القاطع أو الفاقئ أو الجارح بين الدفع والفداء ، فإن دفع عبده أو فداه بالأرش فمولى العبد المقطوع يخير بين الدفع ، والفداء ، فإن [ ص: 261 ] شاء دفع عبده المقطوع مع العبد القاطع أو مع أرش يد عبده المقطوع ، وإن شاء فدى عن الجناية بالأرش ; لأن العبد المقطوع كان واجب الدفع بجميع أجزائه ، وأرش يده بدل جزئه ، وكذا العبد المدفوع قائم مقام يده ، فكان واجب الدفع ، إلا أن يختار الفداء فينقل الحق من العبد إلى الأرش ، ولو كسب العبد الجاني كسبا أو كان الجاني أمة فولدت بعد الجناية فاختار المولى الدفع لم يدفع الكسب ولا الولد ، بخلاف الأرش أنه يدفع ، والفرق أن الأرش بدل جزء كان واجب الدفع ، وحكم البدل حكم المبدل بخلاف الكسب والولد ، ولو قطعت يد العبد فأخذ المولى الأرش ثم اختلف المولى وولي الجناية فادعى المولى أن القطع كان قبل جنايته . قتل عبد رجلا خطأ ، وقتلت أمة لمولاه هذا العبد
وأن الأرش سالم له ، وادعى ولي الجناية أنه كان بعدها ، وأنه مستحق الدفع مع العبد ، فالقول قول المولى ; لأن الأرش ملك المولى كالعبد ; لأنه بدل ملكه ، فولي الجناية يدعي عليه وجوب تمليك مال هو ملكه منه ، وهو ينكر ، فكان القول قوله مع يمينه ، ولو قطعت يد عبد أو فقئت عينه ، وأخذ المولى الأرش ثم جنى جناية ، فإن شاء المولى اختار الفداء ، وإن شاء دفع العبد كذلك ناقصا ، وسلم له ما كان أخذ من الأرش ; لأن وجوب الدفع بسبب الجناية ، وهو كان عند الجناية ناقصا بخلاف ما إذا قطعت يده بعد الجناية أنه يدفع مع أرش اليد ; لأن العبد وقت الجناية عليه كان واجب الدفع بجميع أجزائه ، والأرش بدل الجزء فيجب دفعه مع العبد .