ولو ينظر إن قتله ولم يعلم بالعفو أو علم به لكنه لم يعلم بالحرمة لا قصاص عليه عند عفا أحدهما فقتله الآخر أصحابنا الثلاثة رحمهم الله ، وعند - رحمه الله - عليه القصاص . زفر
( وجه ) قوله أنه قتل نفسا بغير حق ; لأن عصمته عادت بالعفو ، ألا ترى أنه حرم قتله فكانت مضمونة بالقصاص كما لو قتله قبل وجود القتل منه ؟ فلو سقط إنما سقط بالشبهة ، ومطلق الظن لا يورث شبهة كما لو قتل إنسانا .
وقال : ظننت أنه قاتل أبي .
( ولنا ) أن في عصمته شبهة العدم في حق القاتل ; لأنه قتله على ظن أن قتله مباح له ، وهو ظن مبني على نوع دليل ، وهو ما ذكرنا أن القصاص وجب حقا للمقتول ، وكل واحد من الأولياء بسبيل من استيفاء حق وجب للمقتول ، فالعفو من أحدهما ينبغي أن لا يؤثر في حق الآخر ، ولأن سبب ولاية الاستيفاء وجد في حق كل واحد منهما على الكمال ، وهو القرابة فينبغي أن لا يؤثر عفو أحدهما في حق صاحبه ، إلا أنه امتنع هذا الدليل عن العمل بإجماع الصحابة رضي الله تعالى عنهم على ما بينا ، فقيامه يورث شبهة عدم العصمة ، والشبهة في هذا الباب تعمل عمل الحقيقة فتمنع وجوب القصاص ، ويجب عليه نصف الدية ; لأن القصاص إذا تعذر إيجابه للشبهة وجب عليه كمال الدية ، كان على القاتل الدية ، فصار النصف قصاصا بالنصف فيوجب عليه النصف الآخر ، ويكون في ماله لا على العاقلة ; لأنه وجب بالقتل ، وهو عمد ، والعاقلة لا تعقل العمد .
وإن علم بالعفو والحرمة يجب عليه القصاص ; لأن المانع من الوجوب الشبهة ، وإنها نشأت عن الظن ، ولم يوجد ، فزال المانع ، وله على المقتول نصف الدية ; لأنه قد كان انقلب نصيبه مالا بعفو صاحبه فبقي ذلك على المقتول ، هذا إذا كان القصاص الواحد مشتركا بينهما فعفا أحدهما عن نصيبه ، فأما إذا وجب لكل واحد منهما قصاص كامل قبل القاتل بأن لا يسقط قصاص الآخر ; لأن كل واحد منهما استحق عليه قصاصا كاملا ، ولا استحالة له في ذلك ; لأن القتل ليس تفويت الحياة ليقال : إن الحياة الواحدة لا يتصور تفويتها من اثنين بل هو اسم لفعل مؤثر في فوات الحياة عادة ، وهذا يتصور من كل واحد منهما في محل واحد على الكمال ، فعفو أحدهما عن حقه ، وهو القصاص ، لا يؤثر في حق صاحبه بخلاف القصاص الواحد المشترك ، والله سبحانه وتعالى أعلم هذا إذا عفا الولي عن القاتل بعد موت وليه . قتل واحد رجلين فعفا أحدهما عن القاتل
( فأما ) فالقياس أن لا يصح عفوه ، وفي الاستحسان يصح . إذا عفا عنه بعد الجرح قبل الموت
( وجه ) القياس أن العفو عن القتل يستدعي وجود القتل ، والفعل لا يصير قتلا إلا بفوات الحياة عن المحل ، ولم يوجد ، فالعفو لم يصادف محله فلم يصح ، وللاستحسان وجهان : أحدهما : أن الجرح متى اتصلت به السراية تبين أنه وقع قتلا من حين وجوده ، فكان عفوا عن حق ثابت ، فيصح ، ولهذا جاز التكفير ، والثاني : أن القتل إن لم يوجد للحال فقد وجد سبب وجوده ، وهو الجرح المفضي إلى فوات الحياة ، والسبب المفضي إلى الشيء يقام مقام ذلك الشيء في أصول الشرع كالنوم مع الحدث ، والنكاح مع الوطء ، وغير ذلك ، ولأنه إذا وجد سبب ، وجود القتل كان العفو تعجيل الحكم بعد وجود سببه ، وإنه جائز ، كالتكفير بعد الجرح قبل الموت في قتل الخطإ ، والله سبحانه وتعالى أعلم وكذلك لو كان الجرح خطأ فكفر بعد الجرح قبل الموت ثم مات ، والعفو من الوارث سواء في جميع ما وصفنا إلا أن في القصاص بين الموليين إذا عفا أحدهما فللآخر حصته من قيمة العبد ، وههنا من الدية ; لأن القيمة في دم العمد كالدية في دم الحر . العفو من المولى واحدا كان أو أكثر
( فأما ) فيما وراء ذاك فلا يختلفان ، هذا كله إذا كان العفو من المولى أو من الولي ، فأما إذا كان من المجروح بأن كان المجروح عفا لا يصح عفوه ; لأن القصاص يجب حقا للمولى لا له ، وإن كان حرا ، [ ص: 249 ] صح استحسانا ، والقياس أن لا يصح . فإن عفا عن القتل ثم مات
( وجه ) القياس ، والاستحسان على نحو ما ذكرنا .