( فصل ) :
وأما بيان فالقصاص لا يستوفى إلا بالسيف عندنا ، وقال ما يستوفى به القصاص ، وكيفية الاستيفاء - رحمه الله - : يفعل به مثل ما فعل ، فإن مات ، وإلا تحز رقبته حتى لو قطع يد رجل عمدا فمات من ذلك فإن الولي يقتله ، وليس له أن يقطع يده عندنا ، وعنده تقطع يده ، فإن مات في المدة التي مات الأول فيها ، وإلا تحز رقبته . الشافعي
( وجه ) قوله أن مبنى القصاص على المماثلة في الفعل ; لأنه جزاء الفعل فيشترط أن يكون مثل الفعل الأول ، وذلك فيما قلنا ، وهو أن يفعل به مثل ما فعل هو ، والموجود منه القطع فيجب أن يجازى بالقطع ، والظاهر في القطع عدم السراية ، فإن اتفقت السراية ، وإلا تحز رقبته ، ويكون الحز تتميما للفعل الأول لا حزا مبتدأ .
( ولنا ) قوله عليه الصلاة والسلام { } والقود هو القصاص ، والقصاص هو الاستيفاء ، فكان هذا نفي استيفاء القصاص بالسيف ، ولأن القطع إذا اتصلت به السراية تبين أنه وقع قتلا من حين وجوده فلا يجازى إلا بالقتل فلو قطع ثم احتيج إلى الحز كان ذلك جمعا بين القتل والحز فلم [ ص: 246 ] يكن مجازاة بالمثل ، وقوله : " الحز يقع تتميما للقطع " فاسد ; لأن المتمم للشيء من توابعه ، والحز قتل ، وهو أقوى من القطع ، فكيف يكون من تمامه ؟ وإن أراد الولي أن يقتل بغير السيف لا يمكن لما قلنا . لا قود إلا بالسيف
ولو فعل يعزر لكن لا ضمان عليه ، ويصير مستوفيا بأي طريق قتله سواء قتله بالعصا أو بالحجر أو ألقاه من السطح أو ألقاه في البئر أو ساق عليه دابة حتى مات ، ونحو ذلك ; لأن القتل حقه ، فإذا قتله فقد استوفى حقه بأي طريق كان ، إلا أنه يأثم بالاستيفاء لا بطريق مشروع لمجاوزته حد الشرع ، وله أن يقتل بنفسه وبنائبه بأن يأمر غيره بالقتل ; لأن كل أحد لا يقدر على الاستيفاء بنفسه إما لضعف بدنه أو لضعف قلبه أو لقلة هدايته إليه ، فيحتاج إلى الإنابة ، إلا أنه لا بد من حضوره عند الاستيفاء لما ذكرنا فيما تقدم ثم صار مستوفيا ، ولا ضمان عليه ، فأما إذا قتله المأمور ، والآمر حاضر فإنه يجب القصاص على القاتل ، ولا يعتبر تصديق الولي ; لأن القتل عمدا سبب لوجوب القصاص في الأصل فلو خرج من أن يكون سببا إنما يخرج بالأمر ، وقد كذبه ولي هذا القتيل في الأمر ، وتصديق ولي القصاص غير معتبر ; لأنه صدقه بعد ما بطل حقه عن القصاص لفوات محله فصار أجنبيا عنه ، فلا يعتبر تصديقه فلم يثبت الأمر فبقي القتل العمد موجبا القصاص ، إذا قتله والآمر غير حاضر ، وأنكر ولي هذا القتيل الأمر فادعى ، ولي القتيل الدية فقال الحافر : حفرته بإذن صاحب الدار ، وصدقه صاحب الدار في ذلك فلا ضمان على الحافر ، ويعتبر تصديقه ; لأنه صدقه في فعل يملك إنشاء الأمر به للحال ، وهو الحفر في ملكه ، فلم يكن هذا تصديقا بعد فوات المحل فاعتبر بخلاف الأول ، والله تعالى أعلم بالصواب . ولو حفر بئرا في دار إنسان فوقع فيها إنسان ، ومات