وأما فواحد أيضا ، وهو أن يكون الولي معلوما ، فإن كان مجهولا لا يجب القصاص ; لأن وجوب القصاص وجوب للاستيفاء ، والاستيفاء من المجهول متعذر فتعذر الإيجاب له ، وعلى هذا يخرج ما الذي يرجع إلى ولي القتيل أنه لا قصاص على القاتل بالإجماع ; لأن المولى مشتبه ، يحتمل أن يكون هو الوارث ، ويحتمل أن يكون هو المولى لاختلاف الصحابة الكرام رضي الله عنهم في موته حرا أو عبدا ، فإن مات حرا كان وليه الوارث ، وإن مات عبدا كان وليه المولى وموضع الاختلاف موضع التعارض والاشتباه ، فلم يكن الولي معلوما فامتنع الوجوب ، وإن اجتمعا ليس لهما أن يستوفيا ; لأن الاشتباه لا يزول بالاجتماع هذا إذا ترك وفاء وورثة غير المولى ، فأما إذا ترك وفاء ولم يترك ورثة غير المولى فقد اختلف أصحابنا فيه : عندهما يجب القصاص للمولى . إذا قتل المكاتب ، وترك وفاء وورثة أحرارا غير المولى
وعند لا يجب القصاص أصلا ، وهو رواية عن محمد أيضا وجه قول أبي يوسف أنه وقع الاشتباه في سبب ثبوت الولاية ; لأنه إن مات حرا كان سبب ثبوت الولاية فلا تثبت الولاية للمولى ، وإن مات عبدا كان السبب هو الملك فتثبت الولاية للمولى ، فوقع الاشتباه في ثبوت الولاية فلا تثبت ولهما أن من له الحق متعين غير مشتبه ; لأن الاشتباه موجب المزاحمة ، ولم يوجد ، ولو قتل ولم يترك وفاء وجب القصاص بالإجماع ; لأن الولي معلوم ، وهو المولى ; لأنه يموت رقيقا بلا خلاف فكان القصاص للمولى كالعبد القن إذا قتل ، وكذلك المدبر ، والمدبرة ، وأم الولد ، وولدها بمنزلة العبد القن ; لأنهم قتلوا على ملك المولى فكان الولي معلوما ، ولو قتل عبد المكاتب فلا قصاص ; لأن المكاتب له نوع ملك ، وللمولى أيضا فيه نوع ملك فاشتبه الولي فامتنع الوجوب ، وعلى هذا يخرج ما محمد أنه إن كان للعبد وارث حر غير المولى فلا قصاص لاشتباه ولي القصاص ; لأن القصاص يجب عند الموت مستندا إلى القطع السابق ، والحق عند القطع للمولى لا للورثة ، وعند ثبوت الحكم ، وهو الوجوب ، وذلك عند الموت ، الحق للوارث لا للمولى ، فاشتبه المولى فلم يجب القصاص ، إذا قطع رجل يد عبد فأعتقه مولاه ثم مات من ذلك فلا قصاص ; لأن الاشتباه لا يزول باجتماعهما . ولو اجتمع المولى مع الوارث
فرق بين هذا وبين ، أنه يجب القصاص ; لأن هناك لم يشتبه الولي ; لأن لصاحب الرقبة ملكا ، ولصاحب الخدمة حقا يشبه الملك فلم يشتبه الولي ، وههنا اشتبه الولي ; لأن وقت القطع لم يكن للوارث فيه حق ، ووقت الموت لم يكن للمولى فيه حق فصار الولي مشتبها فامتنع الوجوب ، وإن لم يكن وارث سوى المولى فهو على الاختلاف الذي ذكرنا أن على قولهما : للمولى أن يستوفي القصاص ; لأن الحق له وقت القطع ، ووقت الموت ، وعلى قول العبد الموصى برقبته لإنسان ، وبخدمته لآخر قتل ، واجتمعا ليس له حق الاقتصاص لاشتباه سبب الولاية ; لأن الثابت للمولى وقت القطع كان ولاية الملك ، وبعد الموت له ولاية العتاقة ، فاشتبه سبب الولاية ، هذا إذا كان القطع عمدا ، فأما إذا كان خطأ فأعتقه ثم مات من ذلك فلا شيء على القاطع غير أرش اليد ، وهو نصف قيمة العبد ، وإعتاقه إياه بمنزلة برئه في اليد لتبدل المحل حكما بالإعتاق فتنقطع آية السراية ، هذا إذا أعتقه المولى بعد القطع عمدا أو خطأ فمات من ذلك ، فأما إذا لم يعتقه ، ولكنه دبره أو كانت أمة فاستولدها ثم مات من ذلك فإن كان القطع عمدا فللمولى القصاص ; لأن الحق له وقت القطع ، والموت جميعا فلم يشبه الولي ، وإن كان خطأ لا تنقطع السراية فيجب نصف القيمة دية اليد ، ويجب ما نقص بعد الجناية قبل الموت لحصول ذلك في ملك المولى ولو كاتبه والمسألة بحالها ، فإن كان القطع عمدا ينظر إن مات عاجزا فللمولى القصاص ; لأنه مات عبدا . محمد
وإن مات عن وفاء فإن كان له وارث يحجب المولى أو يشاركه لا يجب القصاص لاشتباه الولي ، وعليه أرش اليد لا غير ، ولو لم يكن له وارث غير المولى فللمولى أن يقتص عندهما ، وعند محمد ليس له أن يقتص ، وعليه أرش اليد ، وإن كان القطع خطأ لا شيء على القاطع إلا أرش اليد ، وهو نصف القيمة للمولى ، وتنقطع السراية [ ص: 241 ] هذا إذا كان القطع قبل الكتابة ، فإن كان بعدها فمات فإن كان القطع عمدا ينظر إن مات عاجزا فللمولى أن يقتص ; لأنه مات عبدا ، وإن مات عن وفاء فإن كان مع المولى وارث آخر أو غيره يشاركه في الميراث فلا قصاص لاشتباه الولي ، وإن لم يكن له وارث غير المولى فعلى الاختلاف الذي ذكرنا ، وإن كان القطع خطأ فإن مات عاجزا فالقيمة للمولى ; لأنه مات عبدا ، وإن مات عن وفاء فالقيمة للورثة ; لأنه مات حرا ، والله سبحانه وتعالى أعلم .