وكذلك قصاصا اكتفاء ، ولا يجب مع القود شيء من المال عندنا ، وقال الواحد يقتل بالجماعة رحمه الله ينظر إن قتلهم على التعاقب يقتل بالأول قصاصا ، وتؤخذ ديات الباقين من تركته ، وإن قتلهم معا فله فيه قولان : في قول : يقرع بينهم فمن خرجت قرعته يقتل ، وتجب الدية للباقين ، وفي قول : يجتمع أولياء القتلى فيقتلونه ، وتقسم ديات الباقين بينهم . الشافعي
( وجه ) قوله أن المماثلة مشروطة في باب القصاص ، ولا مماثلة بين الواحد والجماعة ، فلا يجوز أن يقتل الواحد بالجماعة على طريق الاكتفاء به ، فيقتل الواحد بالواحد ، وتجب الديات للباقين ، كما لو قطع واحد يميني رجلين أنه لا يقطع بهما اكتفاء بل يقطع بإحداهما ، وعليه أرش الأخرى ; لما قلنا ، كذا هذا ، وكان ينبغي أن لا يقتل الجماعة بالواحد قصاصا إلا أنا عرفنا ذلك بإجماع الصحابة رضي الله تعالى عنهم غير معقول أو معقولا بحكمة الزجر والردع لما يغلب وجود القتل بصفة الاجتماع ، فتقع الحاجة إلى الزجر فيجعل كل واحد منهم قاتلا على الكمال كأن ليس معه غيره تحقيقا للزجر ، وقتل الواحد الجماعة لا يغلب وجوده بل يندر فلم يكن في معنى ما ورد الشرع به فلا يلحق به ، وإنا نقول : حق الأولياء في القتل مقدور الاستيفاء لهم فلو أوجبنا معه المال لكان زيادة على القتل .
وهذا لا يجوز ، والدليل على أن القتل مقدور الاستيفاء لهم أن التماثل في باب القصاص إما أن يراعى في الفعل زجرا ، وإما أن يراعى في الفائت بالفعل جبرا ، وإما أن يراعى فيهما جميعا ، وكل ذلك موجود ههنا ، أما في الفعل زجرا فلأن الموجود من الواحد في حق كل واحد من الجماعة فعل مؤثر في فوات الحياة عادة ، والمستحق لكل واحد من أولياء القتلى قبل القاتل قتله ، فكان الجزاء مثل الجناية .
وأما في الفائت جبرا فلأنه بقتله الجماعة ظلما انعقد سبب هلاك ورثة القتلى ; لأنهم يقصدون قتله طلبا للثأر وتشفيا للصدر فيقصد هو قتلهم دفعا للهلاك عن نفسه فتقع المحاربة بين القبيلتين ، ومتى قتل منهم قصاصا سكنت الفتنة ، واندفع سبب الهلاك عن ورثتهم فتحصل الحياة لكل قتيل معنى ببقاء حياة ورثته بسبب القصاص ، فيصير كأن القاتل دخر حياة كل قتيل تقديرا بدفع سبب الهلاك عن ورثته ، فيتحقق الجبر بالقدر الممكن كما في قتل الواحد بالواحد ، والجماعة بالواحد من غير تفاوت .