( فصل ) :
وأما بيان فنقول - وبالله التوفيق : الإقرار بعد وجوده يبطل بشيئين أحدهما تكذيب المقر له في أحد نوعي الإقرار وهو الإقرار بحقوق العباد ; لأن إقرار المقر دليل لزوم المقر به وتكذيب المقر دليل عدم اللزوم ، واللزوم لم يعرف ثبوته فلا يثبت مع الشك . ما يبطل به الإقرار بعد وجوده
والثاني رجوع المقر عن إقراره فيما يحتمل كحد الزنا لأنه يحتمل أن يكون صادقا في الإنكار فيكون كاذبا [ ص: 233 ] في الإقرار ضرورة فيورث شبهة في وجوب الحد وسواء رجع قبل القضاء أو بعده قبل تمام الجلد أو الرجم قبل الموت لما قلنا . الرجوع في أحد نوعي الإقرار بحقوق الله تبارك وتعالى خالصا
وروي { ماعزا لما رجم بعض الحجارة هرب من أرض قليلة الحجارة إلى أرض كثيرة الحجارة فلما بلغ ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عليه الصلاة والسلام سبحان الله هلا خليتم سبيله } ولهذا يستحب للإمام تلقين المقر الرجوع بقوله : لعلك لمستها أو قبلتها كما لقن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ماعزا وكما لقن عليه الصلاة والسلام السارق والسارقة بقوله عليه الصلاة والسلام { } لو لم يكن محتملا للرجوع لم يكن للتلقين معنى وفائدة فكان التلقين منه - عليه أفضل التحية والتسليم - احتيالا للدرء لأنه أمرنا به بقوله - عليه أفضل التحية - { ما إخاله سرق أو أسرقت ، قولي لا } وقوله عليه الصلاة والسلام { ادرءوا الحدود بالشبهات } وكذلك ادرءوا الحدود ما استطعتم لأن الحد الواجب بهما حق الله - سبحانه وتعالى - خالصا فيصح الرجوع عن الإقرار بهما إلا أن في السرقة يصح الرجوع في حق القطع لا في حق المال لأن القطع حق الله تعالى - عز شأنه - على الخلوص فيصح الرجوع عنه ، فأما المال فحق العبد فلا يصح الرجوع فيه . الرجوع عن الإقرار بالسرقة والشرب
وأما لأن للعبد فيه حقا فيكون متهما في الرجوع فلا يصح كالرجوع عن سائر الحقوق المتمحضة للعباد وكذلك حد القذف فلا يصح الرجوع عن الإقرار فيه ; لأن القصاص خالص حق العباد فلا يحتمل الرجوع ، والله تعالى أعلم بالصواب . الرجوع عن الإقرار بالقصاص