( وأما ) فنحو أن يرى عبده يبيع ويشتري فلا ينهاه ويصير مأذونا في التجارة عندنا إلا في البيع الذي صادفه السكوت . الإذن بطريق الدلالة
وأما في الشراء فيصير مأذونا ، وعند زفر - رحمهما الله - لا يصير مأذونا وجه قولهما أن السكوت يحتمل الرضا ويحتمل السخط فلا يصلح دليل الإذن مع الاحتمال ، ولهذا لم ينفذ تصرفه الذي صادفه السكوت . والشافعي
( ولنا ) أنه يرجح جانب الرضا على جانب السخط ; لأنه لو لم يكن راضيا لنهاه إذ النهي عن المنكر واجب ، فكان احتمال السخط احتمالا مرجوحا فكان ساقط الاعتبار شرعا .
( وأما ) التصرف الذي صادفه السكوت ، فإن كان شراء ينفذ ، وإن كان بيعا قائما لم ينفذ لانعدام المقصود من الإذن بالتجارة على ما نذكره - إن شاء الله تعالى - وسواء رآه يبيع بيعا صحيحا أو بيعا فاسدا إذا سكت ولم ينهه يصير مأذونا ; لأن وجه لا يختلف ، وكذلك لو رآه المولى يبيع مال أجنبي فسكت يصير مأذونا ، وإن لم يجز البيع لما قلنا ، وكذلك لو باع مال مولاه والمولى حاضر فسكت لم يجز ذلك البيع ويصير مأذونا في التجارة ; لأن غرض المولى من الإذن بالتجارة حصول المنفعة دون المضرة ، وذلك باكتساب ما لم يكن لا بإزالة الملك عن مال كائن ، ولا ينجبر هذا الضرر بالثمن ; لأن الناس رغائب في الأعيان ما ليس في أبدالها حتى لو كان شراء ينفذ ; لأنه نفع محض ، ثم لا حكم للسكوت إلا في مواضع [ ص: 193 ] منها سكوت المولى عند تصرف العبد بالبيع والشراء ، وقد ذكرناه . دلالة السكوت على الإذن
( ومنها ) سكوت البالغة البكر عند استئمار الولي أنه يكون إذنا وقت العقد وبعده يكون إجازة .
( ومنها ) سكوت الشفيع إذا علم بالشراء أنه يكون تسليما للشفعة .
( ومنها ) سكوت الواهب أو المتصدق عند قبض الموهوب له والمتصدق عليه بحضرته أن يكون إذنا بالقبض .
( ومنها ) سكوت المجهول النسب إذا باعه إنسان بحضرته ، وقال له : قم فاذهب مع مولاك فقام وسكت أنه يكون إقرارا منه بالرق حتى لا تسمع دعواه الحرية بعد ذلك .
( وأما ) سكوت البائع بيعا صحيحا بثمن حال عند قبض المشتري بحضرته هل يكون إذنا بالقبض ؟ ذكر في ظاهر الرواية أنه لا يكون إذنا بالقبض وذكر - رحمه الله - أنه يكون إذنا كما في البيع الفاسد ، ودلائل هذه المسائل نذكرها في موضعها - إن شاء الله تعالى - وعلى هذا إذا قال لعبده : أد إلي كل يوم كذا أو كل شهر كذا يصير مأذونا ; لأنه لا يتمكن من أداء الغلة إلا بالكسب فكان الإذن بأداء الغلة إذنا بالتجارة ، وكذلك لو قال لعبده : أد إلي ألفا وأنت حر أو قال : إن أديت إلي ألفا فأنت حر يصير مأذونا ; لأن غرضه حمل العبد على العتق بواسطة تحصيل الشرط ولا يتمكن من تحصيله إلا بالتصرف فكان التعليق دليلا على الإذن ، وكذلك إذا قال له : أد إلي ألفا وأنت حر ، فهذا والأول سواء ; لأنه يستعمل في التعليق عرفا وعادة الطحاوي
ولو قال له : أد وأنت حر لا يصير مأذونا ويعتق للحال ; لأن هذا تنجيز وليس بتعليق ، وعلى هذا إذا كاتب عبده يصير مأذونا ; لأنه لما كاتبه فقد جعله أحق بكسبه ولا يكون ذلك إلا بالتجارة ، والله تعالى أعلم .